"متزوج ولديّ طفلان، مصدر دخلي الوحيد سيارة التاكسي، أقضي كل يوم أكثر من 14 ساعة في الشوارع، أحياناً أطوف صنعاء ثلاث مرات، منذ الساعة السابعة صباحا حتى العاشرة مساء، ربما ابتلعت المدينة الناس. لقد ماتت الحركة فيها، ونادراً ما أصبحت أصادف من يستأجر سيارتي في مشوار صغير".
هكذا يشكو عدنان النقاش (27 عاماً) التراجع المفاجئ في حركة المواطنين داخل العاصمة اليمنية صنعاء، منذ أكثر من ثلاث سنوات وهو يعمل سائق أجرة، أكمل دراسته الجامعية وتخصص في المحاسبة، لكنه يقول إن اليأس قد أصابه وفقد الأمل في الحصول على وظيفة حكومية، وأقصى ما يتمناه اليوم أن تعود الحياة في المدينة إلى حالتها الطبيعية، مثلما كانت عليه قبل 21 مارس/آذار 2014 تاريخ سقوط صنعاء بيد جماعة الحوثيين.
وكان عدنان يجمع، خلال الفترات الماضية، في اليوم الواحد ما يقارب 40 دولاراً أميركياً (8 آلاف ريال يمني)، ولكن إجمالي ما يحصل عليه في اليوم هذه الأيام 20 دولاراً.
إنها الحاجة
محمد نعمان (30 عاماً) موظف حكومي في وزارة الصحة اليمنية، راتبه لا يكفي لإعالة أسرته المكونة من 6 أفراد، اضطر، قبل ثلاث سنوات، إلى شراء سيارة أجرة، يقضي أكثر من 5 ساعات واقفاً بسيارته أمام أحد المراكز التجارية الرئيسية، لكنه في بعض الأحيان لا يجد أي زبون.
ويخاف محمد أن يستهلك ما لديه من البنزين دون أن يجني ثمنه في المساء، لكن عدنان يعمل بحكمة ويقول: "من طلب الرزق وجده، ولا أحب التوقف في مكان واحد"، ويتابع بتنهيدة عميقة "الحياة عندي أصبحت مغامرة".
وكان الشاب عبدالله الشرعبي، وهو صاحب سيارة أجرة، يتعامل مع عدد من مدراء الشركات ومسؤولي المؤسسات الحكومية، حيث كانوا يتصلون به أغلب أيام الأسبوع لنقل عوائلهم إلى الحديقة أو السوق، ولكن خلال الفترة الأخيرة لم يعد يتلقى أي اتصال منهم، وتغيرت برامج عمله بنسبة 50 في المائة.
ويعزو عبدالله أسباب هذا التغير إلى مخاوف الناس من الانفلات الأمني والوضع المعقد الذي لم يعد يفكر فيه الناس في الخروج للتنزه والراحة، حرصاً منهم على الحفاظ على حياتهم.
ولا تقتصر المعاناة عند سائقي الأجرة في صنعاء فقط، فمثلهم يعاني سائقو الباصات أيضاً. ويتحدث حمدي المعلمي لـ"العربي الجديد" عن استماعه خلال قيادته للباص، على مدى ساعات طويلة، عشرات القصص التي يجري تداولها بين الناس المتنقلين معه يومياً، فبعضهم يهتم بمناقشة أمور السياسة العالمية في الباص، لكنهم سرعان ما يشاركون بعضهم البعض المخاوف من الآتي المجهول الذي ينتظرهم في بلدهم.
ولا يختلف حال حمدي عن محمد وعدنان، فهو أيضاً كان يجمع، نهاية اليوم، ما يقارب 60 دولاراً، لكنه يكون محظوظاً هذه الأيام إذا استطاع أن يجمع 30 دولاراً. وحتى وإن تمكن من جمع هذا المبلغ، فالجزء الكبير منه يذهب في توفير ما يحتاجه الباص أو السيارة من قطع غيار وتبديل الزيت والخدمات الميكانيكية الأخرى، وبالتالي فإن المصاريف المكلفة على عاتق السائق كثيرة، وليس الأمر منوطاً بسعر البنزين فقط.
ويشير عدنان إلى الهم الأكبر الذي يؤرقه قائلاً: "الشقة التي أسكن فيها يبلغ إيجارها 20 ألف ريال يمني (100 دولار) يراودني المبلغ مثل الكابوس، وأستمر في جمعه طوال الشهر".
أسباب إضافية
يرجع مسؤول في نقابة سيارات الأجرة، سبب تراجع حركة سائقي الأجرة في صنعاء والطلب عليهم، إلى إحساس المواطنين بالوضع العام الذي تعيشه البلاد، وفي مقدمته مخاوفهم من تدهور وسوء الظروف الاقتصادية، والتي أصبحت تجبرهم على التقليل من مشاويرهم وركوبهم سيارات الأجرة، إضافة إلى إغلاق وتوقف الشركات ومؤسسات الدولة الحكومية والوزارات عن إجراء المعاملات والعمل، وإغلاق السفارات، ونزوح الكثيرين خارج صنعاء.
ويفيد عدنان بأن الكثير من زملائه سائقي الأجرة توقفوا عن العمل تماماً، فيما قرر البعض منهم بيع سياراتهم والتفكير في مشاريع بديلة تساعدهم في توفير مصدر دخل يمكنهم من إعالة أسرهم أو مواصلة الدراسة.
ومن بين الأسباب التي تساهم في تفاقم هذه المشكلة، العدد الكبير لسيارات الأجرة في صنعاء، حيث تصل أعدادها إلى 50 ألف سيارة، حسب إحصائيات المرور الرسمية. أضف إلى ذلك دخول شركات خاصة لسيارات الأجرة. وتؤكد الإدارة العامة للمرور أنه خلال السنوات الأخيرة تم تقديم 4000 طلب للحصول على أرقام لسيارات أجرة، بينما المخصص هو 300 إلى 400 رقم فقط، كما بلغ عدد الباصات العاملة في أمانة العاصمة 17 ألف باص متنوع.
واليمن واحد من أفقر دول العالم الثالث، ويعاني الشباب فيه من نسبة بطالة مرتفعة وضعف سوق العمل، الأمر الذي يدفع الكثير منهم إلى البحث عن وسائل خاصة لكسب العيش، ومن بينها العمل على سيارات الأجرة.
وتصل تكلفة شراء سيارة أجرة إلى نحو مليون ريال، لكن معظم الشباب لا طاقة لهم بدفع هذا المبلغ الكبير لشراء السيارات، ما يدفعهم إلى استئجار سيارات أجرة، ودفع ما يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف ريال (20- 30 دولاراً) لأصحاب السيارات في اليوم الواحد.
ولقد حاول عدنان أن يقدم ملف سيرته الذاتية إلى عدد من المؤسسات والجهات الخاصة، لكن الحظ لم يحالفه لنيل وظيفة محترمة في مجال تخصصه، ويلخص في الختام المشكلة من جذورها في جملة واحدة قائلاً: "نحن نعيش بلا رئيس جمهورية ولا حكومة، وطبيعي أن يكون هذا وضعنا، ليس هناك من يهتم بالإنسان في هذا البلد".
اقرأ أيضاً: شوارع للإيجار في مصر