دخلت تطورات الأحداث الليبية "المخاض الأخير"، الذي لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجه بسبب الانقسام الكبير الموجود حالياً في المشهد الليبي وفي العاصمة طرابلس، كما يقول مصدر ليبي من طرابلس، وذلك مع الإصرار الدولي على أن تتسلّم حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج مهامها في العاصمة مقابل اعتراض حكومتي طرابلس وطبرق على ذلك.
ويقول المصدر الليبي، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن حالة الانقسام في المشهد الليبي سببها "تعنّت حكومة طرابلس ومواليها، وهم كثر، في رفض دخول حكومة الوفاق برئاسة السراج إلى طرابلس، في المقابل هناك تأييد واسع في الشارع الليبي لهذا الحل، نظراً للأوضاع الاجتماعية المتردية، وتوقّف الرواتب، فيما يسود انقسام داخل المجموعات المسلحة الموجودة في طرابلس بين مؤيد ورافض لحكومة الوفاق".
ويرجّح المصدر أن تتمركز حكومة السراج في منتجع سياحي يبعد كيلومترات قليلة عن العاصمة طرابلس، هو مدينة النخيل في منطقة جنزور غرب طرابلس، وهي قرية سياحية يصعب الوصول إليها، وتُشكّل تقريباً "منطقة خضراء" محصّنة، تقيم فيها بعثة الاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أن لجنة الترتيبات الأمنية استعدت كما ينبغي لدخول حكومة السراج إلى طرابلس، وجرى الاتفاق حول شكل حمايتها.
من جهته، يقول الخبير الليبي عز الدين عقيل لـ"العربي الجديد"، إن مفاوضات تمت منذ حوالي شهر، بقيادة المبعوث العسكري الخاص للأمين العام في ليبيا، الجنرال باولو سييرا، ورئيس لجنة الترتيبات الأمنية العميد عبد الرحمن الطويل، لنقل الحكومة الجديدة برئاسة السراج إلى طرابلس. وجرى التفاوض مع بعض المليشيات المسلحة لوضعها في ثكنات خاصة إلى حين الانتهاء من التفاوض معها، وتسليم أسلحتها، وتحديد مصير أفرادها. ويؤكد الخبير السياسي أنّ بعض هذه العناصر المسلحة تفاوض الآن لتحديد مناطق آمنة لها، كما أنّ هناك أفكاراً كثيرة يتم تداولها حالياً حول عفو شامل عن بعضهم، أو شراء الأسلحة التي بحوزتهم لصالح الدولة، ولكنها بحسب الخبير، "حلول صعبة".
وتلتقي هذه المعلومات مع تصريحات السراج عن تجهيز قوة من الجيش والشرطة ستكون في استقبال المجلس الرئاسي في العاصمة طرابلس خلال أيام، وأنه تواصل مع مديرية أمن طرابلس وجرى تكليف قوة من الجيش والشرطة لحماية الحكومة، وأن هناك قوة جاهزة من الشرطة لهذه المهمة، مشيراً إلى أن هناك توافقاً كبيراً بين المؤسسات الرسمية في طرابلس وبين البعثة الأممية ولجنة الترتيبات الأمنية.
اقرأ أيضاً: معاقبة رافضي حكومة السراج... نهاية الأزمة الليبية أم بدايتها؟
وقال السراج في حديث لقناة "ليبيا" الفضائية، إن اتفاقاً حصل مع كثير من المجموعات المسلحة على برامج محددة، وستكون المرحلة المقبلة واضحة وفق الخطة الأمنية ووفق الاتفاق السياسي، وستُعطى الفرصة لشباب المجموعات المسلحة ليتم تأهيلهم ليكونوا عسكريين محترفين أو يكونوا ضمن جهاز الشرطة، مشيراً إلى أن من يرغب منهم في العودة إلى الحياة المدنية ستتاح له الفرصة ليتم استيعابه ضمن برامج مدنية، وستكون "المجموعات المسلحة داخل ثكناتها إلى حين إيجاد صيغة للتعامل معها"، وسيتم استيعاب هذه المجموعات وفق آليات محددة. وشدد على أن دور لجنة الترتيبات الأمنية ينتهي عند وجود الحكومة في طرابلس، مؤكداً "أننا نحترم دور الثوار في ثورة 17 فبراير، لكن نقول لهم وللشباب بأنه حان الوقت لأن يقوموا بدور مستقبلي في البناء". ودعا السراج حكومة طبرق والمؤتمر الوطني العام وبرلمان طبرق، من دون أن يسميهم، للتعاون مع حكومة الوفاق الوطني حتى تتمكن من استكمال دورها وبرامجها داخل طرابلس، كاشفاً عن تواصله مع كافة الأطراف على الأرض في طرابلس والوصول إلى نتائج إيجابية جداً.
غير أن رد حكومتي طرابلس وطبرق كان واضحاً، إذ عبّر رئيس حكومة طرابلس خليفة الغويل عن رفضه لدخول حكومة السراج إلى طرابلس، وهدد بإيقاف عناصرها. من جهتها، حذّرت حكومة عبدالله الثني (طبرق)، أمس الجمعة، كافة الجهات التابعة لها داخل وخارج البلاد من التعامل مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، إلا بعد منحها الثقة من داخل مجلس النواب. وقالت حكومة الثني، في بيان لها، إن مطالبة المجلس الرئاسي المقترح لحكومة الوفاق، مؤسسات الدولة الرسمية بالتواصل معه، تُعدّ "مخالفة صارخة للمواثيق والأعراف الدستورية والقانونية"، مؤكدة أنها في حِلّ من أية التزامات تترتب على التعامل مع المجلس الرئاسي.
ودعماً للسراج، دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر من القاهرة، إلى البدء في تولي حكومة الوفاق الوطني الليبية زمام السلطة في العاصمة طرابلس. وقال كوبلر: "يجب أن يكون هناك نقل للسلطة من النظام القديم إلى الحكومة الجديدة، ويجب أن يحدث ذلك بسرعة، أي خلال أيام". وتلقي كل هذه التطورات بظلالها على اجتماع دول جوار ليبيا المقرر يوم الاثنين المقبل في تونس، إذ تختلف مواقف هذه الدول حول شكل الحل في الملف الليبي.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قال في حوار مع صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية: "للتدخل العسكري في ليبيا لا بد من إجراء مبادرة مصرية إيطالية أو أوروبية أو دولية بطلب ليبي، وبتفويض من الأمم المتحدة والجامعة العربية، ولكن يجب أن نتذكر درسين، درس أفغانستان ودرس الصومال، حيث إنه حدثت تدخلات خارجية قبل 30 عاماً، ولكن ما التقدم الذي تحقق منذ ذلك الحين؟ النتائج يراها الجميع والتاريخ يتحدث". وأعلن السيسي، أنه يرفض التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، ويرى بدلا عنه أن يتم دعم قوات اللواء خليفة حفتر، معتبراً أن "هناك نتائج إيجابية يمكن تحقيقها إذا دعمناه وهذه النتائج يمكن التوصل إليها قبل أن نتحمل مسؤولية التدخل".
اقرأ أيضاً: كوبلر في القاهرة لضمان عدم عرقلة حفتر لحكومة السراج