كان حلمه أن يصير مهندساً ميكانيكيّاً، وبالفعل درس الهندسة في الجامعة العربية ببيروت على مدى خمسة أعوام. هو سالم إزدحمد، شاب فلسطيني يبلغ من العمر 28 عاماً ويتحدّر من قرية النهر الفلسطينية في قضاء عكا. وهو يعيش مع أسرته في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية، بيروت.
ودراسة سالم التي امتدت خمسة أعوام تميّزت بالجد والاجتهاد، أتت مصاريفها كبيرة على العائلة التي تعيش في واحد من المخيمات الفلسطينية التي تعاني بمعظمها من وضع اقتصادي صعب. ويقول سالم لـ"العربي الجديد": "شعرت بفرحة كبيرة تغمر قلبي حين أنهيت دراستي وتخصصي. وبعد حصولي على شهادتي، بدأت رحلة البحث عن عمل. يومياً، رحت أقصد مؤسسات وشركات، بحثاً عن فرصة عمل. لكنّني لم أجد مجالاً للعمل في تخصصي".
ويخبر سالم أنّه حاول مرّات عدّة، "وفي النهاية مللت من الأمر ولم أعد أحتمل فكرة أنّني عاطل من العمل. هكذا، رأيت نفسي أعمل مع والدي في فرن المناقيش حيث يعمل هو، ويعيل أسرتنا". ويتابع أنّ "الشاب الفلسطيني الذي يعيش في لبنان يعاني من مشكلات عدّة حتى ينهي دراسته الجامعية. وعند انتهائه من الدراسة وحصوله على الشهادة، يُصدم بواقع مرير وهو عدم إيجاد فرصة عمل. فيشعر بخيبة أمل ويتمنى لو أنّه لم يقم بكلّ ذلك الجهد". ويؤكد سالم أنّ "العمل في الفرن ليس طموحي بالتأكيد، ولا هو الهدف الذي تعبت من أجله سنوات حتى أحصل على شهادتي، ولا المكان الذي أرغب في البقاء فيه". يتابع: "كلامي لا يعني انتقاصاً لتلك المهنة، لكنّني درست وتعبت حتى أعمل في مجال مهنتي، لذلك فأنا أفكّر في السفر إلى خارج لبنان. لكن، ثمّة صعوبة في الأمر كذلك، إذ إنّه لا فرص عمل للفلسطينيين في الدول العربية. ولا يبقى أمامي حلّ إلا الهجرة. صحيح أنّه أمر صعب، غير أنّه الأفضل بالنسبة إلي".
ويشير سالم إلى أنّ "حالي ليست أفضل من غيري من الشباب الفلسطينيين الذين أنهوا تعليمهم. فإذا تجوّل المرء في المخيّم، سوف يشاهد الشباب الذين تعج بهم المقاهي، إذ إنّهم يقضون أوقاتهم فيها لأنّهم عاطلون من العمل". ويتحدث عن "مشكلات عدّة تقع في المخيّم بين هؤلاء الشباب، فكثيرون يلجؤون إلى المخدرات أو السرقة أو غيرهما للخروج من الحالة المتأزمة التي يعيشونها، كحلّ مؤقت". وهؤلاء الشباب يعانون من خيبة أمل في حين تتراكم الديون عليهم، ومنهم من يفتعل المشكلات لأتفه سبب.
ويوضح سالم أنّه "وسط الصعوبات الاقتصادية وعدم توفّر فرص عمل، يجد الشباب أنفسهم أمام حلَّين اثنَين. الحلّ الأوّل هو السفر إلى دولة ما يستطيع العيش فيها بكرامة، دولة تحترم الإنسان وتحترم حقوقه، لا سيّما حقّه في العمل والعيش بكرامة وبناء أسرة. أمّا الحلّ الثاني فهو البقاء في المخيّم، والعيش فيه في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تحرمه من العيش الكريم.