تُشدِّد مراسلات الإدارة الجديدة لـ"مهرجان برلين السينمائي الدولي" مع الصحافيين والنقّاد السينمائيين، المدعوين إلى الدورة الـ70، المُقامة بين 20 فبراير/ شباط و1 مارس/ آذار 2020، على عدم نشرهم كتاباتهم الخاصّة بكلّ فيلم قبل عرضه الرسميّ الأول. تريد الإدارة، باستكمالها هذا الفعل الذي يهجس به مسؤولو مهرجانات دولية أخرى، التزام مبدأ أخلاقيّ في التعامل مع السينمائيين: ليكن العرض الدولي الأول في الـ"برليناله"، لكن لتكن الكتابات لاحقة عليه، لا مترافقة وعرضه الصحافي، السابق بقليل للعرض الرسمي عادة.
سجالٌ كهذا تشهده أروقة مهرجان "كانّ" قبل أعوام قليلة. طغيان وسائل التواصل الحديثة، وإمكانية نشر تعليقات أولى عبرها من داخل الصالة، تؤثّر على الأفلام قبل أنْ يُشاهدها الجمهور. تعليقات كهذه غير نقدية بقدر ما تعكس انفعالاً سريعاً وغير متوافق مع القراءة النقدية المطلوبة. إدارة الـ"برليناله" منتبهةٌ إلى هذا، ما يدفعها إلى التشديد على تأجيل نشر الكتابات إلى ما بعد بدء العروض الجماهيرية للأفلام الجديدة.
السجال مفتوح. للصحافيين والنقّاد حيّزهم الخاص بالمُشاهدة، ولهم وقتٌ إضافيّ لقراءات أولى، قبل "فكّ الحظر" عنهم. هذا تعبير حاضرٌ في المراسلات، التي تستخدم المفردة الأصلية Embargo. وسائل التواصل الاجتماعي سببٌ أساسيّ، والمواقع الإلكترونية المنتشرة بكثرة في العالم سببٌ أساسيّ أيضاً. المهرجانات محتاجة إلى وقتٍ كي تُقدِّم الأفلام الجديدة من دون ضجيج صحافي أو نقدي. 4200 صحافي وناقد سينمائي يحضرون الـ"برليناله"، التي يُشارك فيها 20 ألف مهنيّ من 120 بلداً. هناك 230 ألف مُشاهد يدفعون ثمن بطاقات الدخول إلى الصالات، ويصل العدد أحياناً إلى 430 ألفاً. أرقام كهذه ـ منشورة في الموقع الرسمي للمهرجان ـ تقول إنّ "ضبط الأمور" الإعلامية مطلوبٌ، ولو لبعض الوقت، في زمن انتشار التقنيات الحديثة.
الخطوات التجديدية قليلة. غير أنّ متابعين للمهرجان منذ أعوام عديدة يقولون إنّ الثنائي كارلو شاتريان (المدير الفني) ومارييت ريسّنبيك (المديرة التنفيذية)، اللذين يُديران الـ"برليناله" للمرة الأولى في هذه الدورة، يريدان تغييرات جذرية للسياسة التنظيمية والإدارية والمهنية السابقة، المرسّخة بفضل ديتر كوسليك وإدارته (2001 ـ 2019). هذا جزءٌ من خطط كلّ وافد جديد. لكن الثنائي نفسه مُطالب بجديد حقيقيّ، يؤسّس احتفالات اليوبيل الألماسي (75 دورة) عام 2025.
بعض تلك الخطوات واضح قبل افتتاح الدورة الـ70 هذه: تغيير برنامج العروض الصحافية، من صباح كل يوم إلى عروض ممتدة طول النهار، يبدو كأنّه محاولة إضافية لـ"حظر" التعليقات قبل العروض الجماهيرية. يُتاح للصحافي والناقد فرص مُشاهدات أخرى مع الجمهور. هذا مطلوب أحياناً. التفاعل بين مُشاهدين أجانب مع أفلام حديثة الإنتاج، يُعرض معظمها للمرة الأولى دولياً في برلين، متعة وإضافة نوعية لمن يرغب في مزيدٍ من التنبّه إلى العلاقة القائمة بين الشاشة والمُشاهِد. الأجانب مختلفون. الصالة بالنسبة إليهم مكان "مُقدّس"، إذْ يتوجّب على الجميع الصمت أثناء العرض، وأجهزة الهواتف الخلوية تُغلق، والإنصات إلى لغة السينما واجبٌ واحترام. هذا لا علاقة له بـ"الإعجاب" بالفيلم، أو بعدم "الإعجاب" به.
أما أفلام الدورة الـ70، فالمعلومات عنها غير كافية للاختيار، الذي يتمّ غالباً وفقاً لـ"مزاج" فردي. للمخرج المعروف دورٌ في اختيار جديده. هناك حماسة تحدث إزاء فيلمٍ هو الأول أو الثاني للمخرج. أحياناً، يؤثّر الممثل/ الممثلة أو السيناريست أو مدير التصوير في الاختيارات. المسابقة الرسمية مُثيرة للاختيار أيضاً، لكن "بانوراما" الـ"برليناله" أشهر من المسابقة غالباً، إذْ يتضمّن برنامجها عادة أفلاماً أهمّ. هذا ينسحب على المهرجانات كلّها. يُصاب المهتمّون بحيرة، فالبرنامج العام مليء بالعناوين والنشاطات التي تحرّض على المُشاهدة والمتابعة. السوق السينمائية في برلين تُعتبر الأهمّ في العالم. صحيح أنّ المهنيين السينمائيين يهتمّون بها أكثر من غيرهم، لكونها معنيّة بالصناعة والتجارة وتبادل المشاريع، لكنّ صحافيين ونقّاداً غير متردّدين البتّة عن زيارتها، ولو مرة واحدة في كلّ دورة، لاطّلاع ومعرفة يحتاجون إليهما، أو لحشرية تنتابهم إزاء ما يحدث في السوق.
مع الدورة الـ70، المُفتَتَحة أمس الخميس بـ"عامي مع سالينجر" لفيليب فالاردو (كيبيك)، يبدأ المشهد المُحبَّب: صفوف طويلة من المُشاهدين الذين ينتظرون موعد بدء فيلمٍ ما؛ سرعة تحرّك بين صالة وأخرى للّحاق بموعد عرض فيلم آخر؛ دردشات بين زملاء وأصدقاء، تختصّ غالباً بالأفلام المُشَاهَدة، أو بتوقّعات عن أفلامٍ ستُشاهَد؛ لقاءات عفوية وغير مُحدّدة مواعيدها سلفاً تحدث في مقاهٍ يتم اختيارها منذ اليوم الأول كمكان معتَمَد للقاءات كهذه؛ زيارة المركز الصحافي لمتابعة أخبار ما، أو للاطّلاع على منشورات وكاتالوغات ومطبوعات مختلفة؛ تأكيد مواعيد الحوارات مع عاملات/ عاملين في السينما؛ إلخ.
أما فيلم الافتتاح، فغير مُشارك في المسابقة الرسمية، التي تضمّ 18 فيلماً جديداً، تُشاهدها لجنة تحكيم يترأسها الإنكليزي جيريمي أيرونز، وتضمّ في عضويتها الفلسطينية آن ـ ماري جاسر. تدور أحداثه في تسعينيات القرن الـ20، مع جوانا راكوف (مارغريت كالّاي)، التي تحلم بأنْ تُصبح كاتبة، لكنّها تُمنح وظيفة مساعِدة الوكيلة الأدبية للكاتب الأميركي جي. دي. سالينجر (1919 ـ 2010).
المُنتَظر دائماً مخرج أميركي يُدعى آبل فيرّارا، الذي يُعرض فيلمه الأخير Siberia، المُنتج بشراكة 3 دول هي إيطاليا وألمانيا والمكسيك، في المسابقة الرسمية: كلينت (يُقال إنّ هذه الشخصية تعكس جوانب من شخصية المخرج نفسه، كاتب السيناريو مع كريست زويس) رجل مُحطّم، يعيش وحيداً في مكانٍ منعزل. لكنّه، رغم ذلك، لا يقدر على الخلاص من العالم، وعلى العيش بسلام. ذات مساء، ينطلق في رحلة عبر أحلامه وذكرياته ومخيّلته، محاولاً شقّ دربه الملبّد بالظلام والظلال، لبلوغ الضوء.
"بوليس"، للفرنسية آنّ فونتان، أحد الأفلام المعنيّة بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، في زمن الحروب والعنف والتغييرات القاسية في بلدان كثيرة. يُعرض في برنامج "برلين خاص": يُكلَّف 3 شرطيين باريسيين (إيريك وأرستيد وفرجيني) بمهمة ترحيل مُهاجر غير شرعي، بإيصاله إلى المطار. في الطريق، تُدرك فرجيني أنّ الرجل مُعرّض للقتل عند عودته إلى بلده، فتشعر بتأنيب ضمير غير مُحتمل، وتجهد في إقناع زميليها بالسماح له بالهرب. أما The Roads Not Taken للإنكليزية سالي بوتّر، فيجمع خافيير بارديم بالممثلتين إلْ فانينغ وسلمى حايك، ويُعرض في المسابقة الرسمية: تحاول مولي يومياً التعامل مع فوضوية والدها ليو. يُقرّران تمضية يوم كامل في نيويورك، فتكتشف الشابّة الحيوات المختلفة التي تسود عقل ليو، الذي يتذكّر زواجه بامرأة هي حبّ حياته منذ الطفولة، دولوريس. سيكون عازف الـ"درامز" في فرقة، يتشارك ملصقها مع عشيقها آدم.
السجال مفتوح. للصحافيين والنقّاد حيّزهم الخاص بالمُشاهدة، ولهم وقتٌ إضافيّ لقراءات أولى، قبل "فكّ الحظر" عنهم. هذا تعبير حاضرٌ في المراسلات، التي تستخدم المفردة الأصلية Embargo. وسائل التواصل الاجتماعي سببٌ أساسيّ، والمواقع الإلكترونية المنتشرة بكثرة في العالم سببٌ أساسيّ أيضاً. المهرجانات محتاجة إلى وقتٍ كي تُقدِّم الأفلام الجديدة من دون ضجيج صحافي أو نقدي. 4200 صحافي وناقد سينمائي يحضرون الـ"برليناله"، التي يُشارك فيها 20 ألف مهنيّ من 120 بلداً. هناك 230 ألف مُشاهد يدفعون ثمن بطاقات الدخول إلى الصالات، ويصل العدد أحياناً إلى 430 ألفاً. أرقام كهذه ـ منشورة في الموقع الرسمي للمهرجان ـ تقول إنّ "ضبط الأمور" الإعلامية مطلوبٌ، ولو لبعض الوقت، في زمن انتشار التقنيات الحديثة.
الخطوات التجديدية قليلة. غير أنّ متابعين للمهرجان منذ أعوام عديدة يقولون إنّ الثنائي كارلو شاتريان (المدير الفني) ومارييت ريسّنبيك (المديرة التنفيذية)، اللذين يُديران الـ"برليناله" للمرة الأولى في هذه الدورة، يريدان تغييرات جذرية للسياسة التنظيمية والإدارية والمهنية السابقة، المرسّخة بفضل ديتر كوسليك وإدارته (2001 ـ 2019). هذا جزءٌ من خطط كلّ وافد جديد. لكن الثنائي نفسه مُطالب بجديد حقيقيّ، يؤسّس احتفالات اليوبيل الألماسي (75 دورة) عام 2025.
بعض تلك الخطوات واضح قبل افتتاح الدورة الـ70 هذه: تغيير برنامج العروض الصحافية، من صباح كل يوم إلى عروض ممتدة طول النهار، يبدو كأنّه محاولة إضافية لـ"حظر" التعليقات قبل العروض الجماهيرية. يُتاح للصحافي والناقد فرص مُشاهدات أخرى مع الجمهور. هذا مطلوب أحياناً. التفاعل بين مُشاهدين أجانب مع أفلام حديثة الإنتاج، يُعرض معظمها للمرة الأولى دولياً في برلين، متعة وإضافة نوعية لمن يرغب في مزيدٍ من التنبّه إلى العلاقة القائمة بين الشاشة والمُشاهِد. الأجانب مختلفون. الصالة بالنسبة إليهم مكان "مُقدّس"، إذْ يتوجّب على الجميع الصمت أثناء العرض، وأجهزة الهواتف الخلوية تُغلق، والإنصات إلى لغة السينما واجبٌ واحترام. هذا لا علاقة له بـ"الإعجاب" بالفيلم، أو بعدم "الإعجاب" به.
أما أفلام الدورة الـ70، فالمعلومات عنها غير كافية للاختيار، الذي يتمّ غالباً وفقاً لـ"مزاج" فردي. للمخرج المعروف دورٌ في اختيار جديده. هناك حماسة تحدث إزاء فيلمٍ هو الأول أو الثاني للمخرج. أحياناً، يؤثّر الممثل/ الممثلة أو السيناريست أو مدير التصوير في الاختيارات. المسابقة الرسمية مُثيرة للاختيار أيضاً، لكن "بانوراما" الـ"برليناله" أشهر من المسابقة غالباً، إذْ يتضمّن برنامجها عادة أفلاماً أهمّ. هذا ينسحب على المهرجانات كلّها. يُصاب المهتمّون بحيرة، فالبرنامج العام مليء بالعناوين والنشاطات التي تحرّض على المُشاهدة والمتابعة. السوق السينمائية في برلين تُعتبر الأهمّ في العالم. صحيح أنّ المهنيين السينمائيين يهتمّون بها أكثر من غيرهم، لكونها معنيّة بالصناعة والتجارة وتبادل المشاريع، لكنّ صحافيين ونقّاداً غير متردّدين البتّة عن زيارتها، ولو مرة واحدة في كلّ دورة، لاطّلاع ومعرفة يحتاجون إليهما، أو لحشرية تنتابهم إزاء ما يحدث في السوق.
مع الدورة الـ70، المُفتَتَحة أمس الخميس بـ"عامي مع سالينجر" لفيليب فالاردو (كيبيك)، يبدأ المشهد المُحبَّب: صفوف طويلة من المُشاهدين الذين ينتظرون موعد بدء فيلمٍ ما؛ سرعة تحرّك بين صالة وأخرى للّحاق بموعد عرض فيلم آخر؛ دردشات بين زملاء وأصدقاء، تختصّ غالباً بالأفلام المُشَاهَدة، أو بتوقّعات عن أفلامٍ ستُشاهَد؛ لقاءات عفوية وغير مُحدّدة مواعيدها سلفاً تحدث في مقاهٍ يتم اختيارها منذ اليوم الأول كمكان معتَمَد للقاءات كهذه؛ زيارة المركز الصحافي لمتابعة أخبار ما، أو للاطّلاع على منشورات وكاتالوغات ومطبوعات مختلفة؛ تأكيد مواعيد الحوارات مع عاملات/ عاملين في السينما؛ إلخ.
أما فيلم الافتتاح، فغير مُشارك في المسابقة الرسمية، التي تضمّ 18 فيلماً جديداً، تُشاهدها لجنة تحكيم يترأسها الإنكليزي جيريمي أيرونز، وتضمّ في عضويتها الفلسطينية آن ـ ماري جاسر. تدور أحداثه في تسعينيات القرن الـ20، مع جوانا راكوف (مارغريت كالّاي)، التي تحلم بأنْ تُصبح كاتبة، لكنّها تُمنح وظيفة مساعِدة الوكيلة الأدبية للكاتب الأميركي جي. دي. سالينجر (1919 ـ 2010).
المُنتَظر دائماً مخرج أميركي يُدعى آبل فيرّارا، الذي يُعرض فيلمه الأخير Siberia، المُنتج بشراكة 3 دول هي إيطاليا وألمانيا والمكسيك، في المسابقة الرسمية: كلينت (يُقال إنّ هذه الشخصية تعكس جوانب من شخصية المخرج نفسه، كاتب السيناريو مع كريست زويس) رجل مُحطّم، يعيش وحيداً في مكانٍ منعزل. لكنّه، رغم ذلك، لا يقدر على الخلاص من العالم، وعلى العيش بسلام. ذات مساء، ينطلق في رحلة عبر أحلامه وذكرياته ومخيّلته، محاولاً شقّ دربه الملبّد بالظلام والظلال، لبلوغ الضوء.
"بوليس"، للفرنسية آنّ فونتان، أحد الأفلام المعنيّة بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، في زمن الحروب والعنف والتغييرات القاسية في بلدان كثيرة. يُعرض في برنامج "برلين خاص": يُكلَّف 3 شرطيين باريسيين (إيريك وأرستيد وفرجيني) بمهمة ترحيل مُهاجر غير شرعي، بإيصاله إلى المطار. في الطريق، تُدرك فرجيني أنّ الرجل مُعرّض للقتل عند عودته إلى بلده، فتشعر بتأنيب ضمير غير مُحتمل، وتجهد في إقناع زميليها بالسماح له بالهرب. أما The Roads Not Taken للإنكليزية سالي بوتّر، فيجمع خافيير بارديم بالممثلتين إلْ فانينغ وسلمى حايك، ويُعرض في المسابقة الرسمية: تحاول مولي يومياً التعامل مع فوضوية والدها ليو. يُقرّران تمضية يوم كامل في نيويورك، فتكتشف الشابّة الحيوات المختلفة التي تسود عقل ليو، الذي يتذكّر زواجه بامرأة هي حبّ حياته منذ الطفولة، دولوريس. سيكون عازف الـ"درامز" في فرقة، يتشارك ملصقها مع عشيقها آدم.