03 نوفمبر 2024
سباحة في الاتجاه المعاكس
لستُ من أنصار الإخوان المسلمين، ولا من مؤيدي أفكارهم ومنهجهم في العمل. قطعتُ الصلة بمرجعيتهم منذ أكثر من أربعين عاما، عندما غادرت صفوف الحركة الإسلامية التونسية، واتخذت من نقد تجربتهم منطلقا نحو البحث عن رؤيةٍ بديلةٍ للدين والتاريخ والسياسة والاقتصاد والتربية، إلى جانب فهمهم الحاضر والمستقبل. مع ذلك، لا أقبل أن تُحاكم قياداتهم بهذه الطريقة، ولا يمكن أن أجد مبرّرا لتبرير هذا السيل غير المسبوق من أحكام الإعدام التي صدرت في شأن خمسة وسبعين منهم. ولا يمكن لأي عاقلٍ وغير منحاز لنظام الحكم في مصر أن يقبل ذلك، فما بالك بشخصٍ مثلي انخرط في الحركة الحقوقية التونسية والعربية في وقتٍ مبكّرٍ من حياته، وتحديدا منذ غادر "الجماعة الإسلامية في تونس" مطلع ثمانينيات القرن الماضي. يستند هذا الرفض القاطع لهذه الأحكام إلى عدة أسباب، من أهمها:
- أني ضد حكم الإعدام، وخصوصا في القضايا السياسية، فالمحاكمة الجارية في مصر تعتبر سياسيةً بامتياز من حيث السياق، والمتهمون، والتهم الموجهة إليهم، والجماعة التي ينتمون لها، والجهة التي تقف وراء كل ذلك.
- لا تزال الظروف التي أحاطت بحادثة فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية في القاهرة صيف العام 2013 يكتنفها غموضٌ كثير، خصوصا قرار إطلاق النار الذي ترتّب عنه قتل ما لا يقل عن 623 شخصًا (بحسب تقرير تقصّي الحقائق للمجلس القومي لحقوق الإنسان)، كانت غالبيتهم الساحقة من المدنيين المعتصمين. وجميع التقارير التي أعدّتها هيئات حقوقية محايدة تطرح أسئلةً كثيرة تنتظر إجابات مقنعة.
- مرة أخرى، يتم اللجوء إلى العنف والسجون والإعدامات، لتصفية حركة سياسية لها عمقٌ داخل مصر وخارجها، ولها حاضنةٌ ثقافيةٌ واجتماعيةٌ تعزّزت منذ عشرات السنين. ولا ندري لماذا لم يقتنع ساسة مصر بأن الفكر لا يحارب بالقوة، وإنما بفكرٍ بديل؟ لماذا يتكرّر السيناريو نفسه، على الرغم من فشله وعدم جدواه منذ لجأ إليه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟ قد يتم التخلص من "الإخوان" ومن بعض قادتهم، لكن ذلك يحدث مؤقتّا لتعود حركتهم بزخمٍ أقوى، وبقيادات جديدة أكثر شراسةً وغلوّا تتملكهم رغبةٌ جارفةٌ في الانتقام من الخصوم. وبدل أن تتطوّر الحركة الإسلامية فكريا وسياسيا، تتراجع نحو الخلف، وتصبح أشدّ خطرا على الجميع. وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فلن تكون مآلاتها سوى تعميق للجراح ومراكمة للأحقاد، واستمرار الدوران في المكان نفسه، فالأحزاب الإسلامية حركات عقائدية لها ميكانيزمات خاصة في فهم النصوص والوقائع، تاريخيةً كانت أم معيشة، فالحاكم الذي يتصدّى لها يؤدي، بحسب اعتقادهم، دور فرعون. ويتحول الإعدام إلى شهادة، والذي يعدم في محاكمة سياسية يتحوّل إلى قدّيسٍ يُزار و"يشفع لغيره يوم القيامة". وعندما تظنّ الأنظمة أن التصفية الجسدية هي الأسلوب الأنجع للتخلص من هؤلاء "الأعداء" المعاندين، في حين تُفضي سياساتها عمليا إلى إعادة غرس خصومها في أعماق التربة، وفي جزءٍ من ذاكرة الأنصار الموجودين والقادمين والمفترضين.
لو أغلقت مرحلة حكم الإخوان المسلمين عبر انتخابات ديمقراطية في أعقاب فشلهم في إدارة البلاد لتغيّرت مصر، وربما معها العالم العربي برمته، إذ الفارق كبير بين أن يعاقِب الشعبُ حركة فشلت في الوفاء بوعودها، ولم تكن في مستوى القيادة، وتدخّل العسكر لإنهاء سلطة كانت تعتبر لدى العالم بأسره سلطة شرعية، على الرغم من أدائها الضعيف، ونزوع أصحابها نحو الهيمنة والانفراد بالحكم.
هذه الأحكام الجماعية، إن نفذّت لا قدّر الله، ستكون خطأ سياسيا وانحرافا عن العدالة، إلى جانب كونها تهديدا للأمن القومي المصري، ورسالة خاطئة ذات تداعيات خطيرة إلى بقية دول المنطقة. الأسلوب الوحيد لمواجهة الإسلام السياسي، على الرغم من تعقيداته واحتياجه وقتا طويلا وصبرا أطول، هو الديمقراطية، لما فيها من تحكيم الشعوب، وتطوير للأفكار، ومعالجة الواقع بكل تعقيداته. أما غير ذلك فهو مسكّن للأوجاع، وممكّن لصاحب الشوكة، لكنه مورّث للمآسي، ومدمّر للطاقات، ومُفسدٌ لمستقبل البلْدان.
- أني ضد حكم الإعدام، وخصوصا في القضايا السياسية، فالمحاكمة الجارية في مصر تعتبر سياسيةً بامتياز من حيث السياق، والمتهمون، والتهم الموجهة إليهم، والجماعة التي ينتمون لها، والجهة التي تقف وراء كل ذلك.
- لا تزال الظروف التي أحاطت بحادثة فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية في القاهرة صيف العام 2013 يكتنفها غموضٌ كثير، خصوصا قرار إطلاق النار الذي ترتّب عنه قتل ما لا يقل عن 623 شخصًا (بحسب تقرير تقصّي الحقائق للمجلس القومي لحقوق الإنسان)، كانت غالبيتهم الساحقة من المدنيين المعتصمين. وجميع التقارير التي أعدّتها هيئات حقوقية محايدة تطرح أسئلةً كثيرة تنتظر إجابات مقنعة.
- مرة أخرى، يتم اللجوء إلى العنف والسجون والإعدامات، لتصفية حركة سياسية لها عمقٌ داخل مصر وخارجها، ولها حاضنةٌ ثقافيةٌ واجتماعيةٌ تعزّزت منذ عشرات السنين. ولا ندري لماذا لم يقتنع ساسة مصر بأن الفكر لا يحارب بالقوة، وإنما بفكرٍ بديل؟ لماذا يتكرّر السيناريو نفسه، على الرغم من فشله وعدم جدواه منذ لجأ إليه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟ قد يتم التخلص من "الإخوان" ومن بعض قادتهم، لكن ذلك يحدث مؤقتّا لتعود حركتهم بزخمٍ أقوى، وبقيادات جديدة أكثر شراسةً وغلوّا تتملكهم رغبةٌ جارفةٌ في الانتقام من الخصوم. وبدل أن تتطوّر الحركة الإسلامية فكريا وسياسيا، تتراجع نحو الخلف، وتصبح أشدّ خطرا على الجميع. وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فلن تكون مآلاتها سوى تعميق للجراح ومراكمة للأحقاد، واستمرار الدوران في المكان نفسه، فالأحزاب الإسلامية حركات عقائدية لها ميكانيزمات خاصة في فهم النصوص والوقائع، تاريخيةً كانت أم معيشة، فالحاكم الذي يتصدّى لها يؤدي، بحسب اعتقادهم، دور فرعون. ويتحول الإعدام إلى شهادة، والذي يعدم في محاكمة سياسية يتحوّل إلى قدّيسٍ يُزار و"يشفع لغيره يوم القيامة". وعندما تظنّ الأنظمة أن التصفية الجسدية هي الأسلوب الأنجع للتخلص من هؤلاء "الأعداء" المعاندين، في حين تُفضي سياساتها عمليا إلى إعادة غرس خصومها في أعماق التربة، وفي جزءٍ من ذاكرة الأنصار الموجودين والقادمين والمفترضين.
لو أغلقت مرحلة حكم الإخوان المسلمين عبر انتخابات ديمقراطية في أعقاب فشلهم في إدارة البلاد لتغيّرت مصر، وربما معها العالم العربي برمته، إذ الفارق كبير بين أن يعاقِب الشعبُ حركة فشلت في الوفاء بوعودها، ولم تكن في مستوى القيادة، وتدخّل العسكر لإنهاء سلطة كانت تعتبر لدى العالم بأسره سلطة شرعية، على الرغم من أدائها الضعيف، ونزوع أصحابها نحو الهيمنة والانفراد بالحكم.
هذه الأحكام الجماعية، إن نفذّت لا قدّر الله، ستكون خطأ سياسيا وانحرافا عن العدالة، إلى جانب كونها تهديدا للأمن القومي المصري، ورسالة خاطئة ذات تداعيات خطيرة إلى بقية دول المنطقة. الأسلوب الوحيد لمواجهة الإسلام السياسي، على الرغم من تعقيداته واحتياجه وقتا طويلا وصبرا أطول، هو الديمقراطية، لما فيها من تحكيم الشعوب، وتطوير للأفكار، ومعالجة الواقع بكل تعقيداته. أما غير ذلك فهو مسكّن للأوجاع، وممكّن لصاحب الشوكة، لكنه مورّث للمآسي، ومدمّر للطاقات، ومُفسدٌ لمستقبل البلْدان.