08 يونيو 2023
سبع خطايا للمعارضة المصرية
يُقصد بالمعارضة المصرية هنا، في هذه المقالة، كل أطيافها المختلفة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من دون التفرقة بين أحد، سوى من كان، منذ البداية، على النقيض من المعادلة الخاصة بالحرية والديمقراطية، وعمل طوال الوقت على تقويضها، أو دعا إلى رفع السلاح والعنف أداة للتغيير. والقصد هنا العنف الصريح والواضح، وليس على الطريقة التي ينتهجها النظام الآن باتهام الجميع، حتى من كانوا في معسكره يوما ما بأنهم ينتمون إلى جماعةٍ تعمل على تقويض أركان الدولة وهدم نظام الحكم، وهي تهمةٌ أصبحت مستهلكة، ولا دليل عليها.
بدأ مسلسل الخطايا، منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها الانتفاضة الثورية في يناير/ كانون الثاني 2011، وأول هذه الخطايا التي ارتكبتها المعارضة المصرية كانت بعد تنحي حسني مبارك مباشرة، وتمرير الانقلاب الناعم على السلطة، فقد تمثلت الخطيئة في ترك ميدان التحرير من دون أن يكون هناك اتفاق على الخطوات المستقبلية، ومن دون الشعور بقيمة الميدان وفاعليته. وكان التفريط في تلك القيمة بمثابة الرصاصة الأولى التي أطلقت على الثورة، فلو بقي الناس في الميدان أسبوعا واحدا بعد سقوط مبارك، لتغير المشهد تماما، فلم يكن المجلس العسكري حينها قادرا علي الوقوف في وجه الملايين التي أجبرت مبارك على التخلي عن السلطة. ولا زلت أذكر حينما كنت مسؤولا عن ملف الاتصال السياسي بالجمعية الوطنية
للتغيير، وفي أثناء الاجتماعات المختلفة، كيف نادت القوى السياسية المختلفة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وتبعها آخرون من الأحزاب التقليدية المتحالفة تاريخيا مع الدولة العميقة (وهنا أيضا لا أعدد أخطاء طرف دون طرف) بضرورة إخلاء الميدان، والانطلاق في العملية السياسية من دون الاتفاق على الرؤية المستقبلية، وهو موقفٌ يعني، في جوهره، الانتهازية التي اتسمت بها المعارضة السياسية، باختلاف توجهاتها، والهرولة لوراثة نظام مبارك، وتقسيم الغنائم في ما بينها، وهذه كانت إحدى الثغرات التي لعب عليها من يدير السلطة حينها، واستغل ذلك بتعميق الانقسام السياسي، وإشعال حرب سياسية بين الجميع. انقسام ما زال مستمرا، وأصبح النظام قادرا على اللعب عليه، والاستفادة منه لإطالة بقائه.
الخطيئة الثانية: عدم صياغة مشروع يشعر الجميع بالمساهمة فيه، ويحاول أن يقدّم رؤيةً لما بعد مبارك، فقد كانت المعارضة، متمثلةً في الجمعية الوطنية للتغيير، تمتلك مشروعا باسم المطالب السبعة، وهي المطالب التي نادت بها الانتفاضة الثورية في يناير/ كانون الثاني 2011 حينما قامت، لذا فإنه بعد تنحي حسني مبارك وجدت تلك القوى نفسها في فراغ فكري، وعدم امتلاك رؤية للمرحلة الجديدة.
قاد هذا الأمر إلى الخطيئة الثالثة، وهي أن هذا الفراغ الفكري على مستوى الغاية والمشروع قاد إلى أن يكون هناك تمركز حول الأيديولوجيا باعتبارها بديلا للمشروع السياسي، فانصرف الجميع عن القضايا الأساسية، كالديمقراطية والحرية، وأسس رؤيته على أساس الأيديولوجيا، فاليساريون رأوا الحل في الأيديولوجيا اليسارية. ورأى الإسلاميون الحل في الأيديولوجيا الإسلامية. وبين هذا وذاك، توارت الشعارات المطلبية الأساسية (الحرية والديمقراطية) عن الساحة أساسا للخطاب والمشروع السياسي.
وأدى هذا الغياب أيضا بدوره إلى النقطة الرابعة، وهي عدم وجود خطاب سياسي يقوم على إقناع الجماهير، فغياب المشروع أدى إلي غياب البنية التي يتشكل منها الخطاب، كما أن التحول إلى رد الفعل، وليس الفاعل في المشهد، جعل الخطاب، في أساسه، يقوم على اللحظة الآنية التي يظهر فيها الحدث. وحتى اللحظة، فكل خطابٍ يخرج من القوى المدنية ما هو إلا رد فعل على القمع المتنامي الذي يمارسه النظام، كما أنه خطابٌ تقليدي، ولا يحتوي على طرق جديدة إبداعية، بل هو مؤسسٌ على الطرق القديمة نفسها التي عرفتها الأجهزة الأمنية، ودرستها جيدا، وبالتالي أصبحت غير مجدية.
الخطيئة الخامسة هي التحالف مع الدولة العميقة من أجل إزاحة الآخر، أي الخصم السياسي، فقد لعبت جبهة الإنقاذ ذلك الدور ببراعة. وكانت لا تمتلك أي مشروع سياسي سوى إطاحة الإخوان المسلمين، ولعل مكونات الجبهة التي شملت عددا من فلول نظام مبارك وحلفاء الدولة العميقة أحد أسباب ذلك، وقد كان ذلك بمثابة استدعاء للجيش مرة أخرى، ليقوم بالانقلاب على الديمقراطية. وهنا ثمة خلط يقع فيه أتباع جماعة الإخوان المسلمين الذين ما زالوا يخلطون بين الأحقية في التظاهر السلمي والانقلاب الذي قام به نظام "3 يوليو" ضد الجميع، فقد خرجت المظاهرات للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة. وبغض النظر عن الاختلاف حول الفكرة، إلا أن نظام "3 يوليو" قرّر أن ينقلب على الجميع، ويستولي على السلطة من دون إعلان انتخابات رئاسية مبكرة، إلى جانب عزل الرئيس المنتخب.
الخطيئة السادسة: الموافقة على فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية من دون الوقوف ضد
ذلك، أو إبداء مقاومةٍ ولو ضعيفة، بل تم ترديد المقولات مثل: قتلهم من أرسلهم، وتم الخضوع لسردية النظام في كل ما تمت إثارته حول الاعتصام، وأنه قادر على تقويض الدولة ووجودها، وهو ما يتنافى مع الواقع، فلو كان "الإخوان" بكل تلك القوة، لما استطاع أحد إزاحتهم من السلطة، لكن كل تلك الدعاية كان مقدمةً لتبرير عملية القتل الجماعي. كان فض الاعتصام على الهواء أمام مرأى ومسمع من الجميع المقدمة لكل قتلٍ سيمارسه النظام في المستقبل ضد من يخرج عن النظام، أو يحاول أن يكون في المعسكر المقابل (المعارضة السلمية). ستبقى آثار فض اعتصام ميدان رابعة إلى أمد بعيد داخل المجتمع والدولة معا، فبعده أصبح العنف المختزل داخل المجتمع متراكما بصورة أكبر، وأصبحت هناك حالة من انتشار للعنف المجاني (على حد تعبير مدرسة فرانكفورت الفلسفية).
الخطيئة السابعة، عدم القدرة حتى اللحظة على الاعتراف بالخطأ، وجعل المطالبة بالحرية ومبادئ حقوق الإنسان مبدأ يشمل الجميع، بغض النظر عن موقفهم السياسي والأيديولوجي. وهذا يطرح، مرة أخرى، إعادة تعريف معانٍ تم تشويها في السنوات الخمس الماضية، مثل معنى التضامن السياسي الذي يجب أن يتأسس على مبدأ المساواة بين الجميع والحرية والعدالة للجميع، وليس على أساس الانتماء الأيديولوجي والسياسي كما ذكرت. فخلال السنوات الخمس الأخيرة، ساهمت المعارضة في هزيمة نفسها، وتعميق الانقسام السياسي بينها وبين مكوناتها المختلفة، وهو ما أصبح جزءا من رؤيتها وتحركاتها، وهو ما يعني عدم قدرتها على تجاوز أزمتها الداخلية، وعدم محاولتها التمركز حول قضايا أكثر رحابةً واتساعا، تساهم في إيجاد حل للأزمة والموقف الراهنين. وفي السياق نفسه، يبدو أيضا أن المعارضة نفسها غير مدركة لاحتياجها إلى مرحلة جديدة، تتأسس على المصالحة الوطنية. والمصالحة هنا تعني إطلاق الحوار بين الأطراف المختلفة (الأطراف التي تدعو إلى العمل السياسي السلمي أداة للتغيير)، فبدون حوار بناء بين تلك الأطراف، للوصول إلى رؤيةٍ مشتركةٍ، أساسها الحرية والديمقراطية، لن تستطيع المعارضة أن تقدم نفسها مرة أخرى بديلا لنظام استباح كل شيء في سبيل بقائه في السلطة.
بدأ مسلسل الخطايا، منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها الانتفاضة الثورية في يناير/ كانون الثاني 2011، وأول هذه الخطايا التي ارتكبتها المعارضة المصرية كانت بعد تنحي حسني مبارك مباشرة، وتمرير الانقلاب الناعم على السلطة، فقد تمثلت الخطيئة في ترك ميدان التحرير من دون أن يكون هناك اتفاق على الخطوات المستقبلية، ومن دون الشعور بقيمة الميدان وفاعليته. وكان التفريط في تلك القيمة بمثابة الرصاصة الأولى التي أطلقت على الثورة، فلو بقي الناس في الميدان أسبوعا واحدا بعد سقوط مبارك، لتغير المشهد تماما، فلم يكن المجلس العسكري حينها قادرا علي الوقوف في وجه الملايين التي أجبرت مبارك على التخلي عن السلطة. ولا زلت أذكر حينما كنت مسؤولا عن ملف الاتصال السياسي بالجمعية الوطنية
الخطيئة الثانية: عدم صياغة مشروع يشعر الجميع بالمساهمة فيه، ويحاول أن يقدّم رؤيةً لما بعد مبارك، فقد كانت المعارضة، متمثلةً في الجمعية الوطنية للتغيير، تمتلك مشروعا باسم المطالب السبعة، وهي المطالب التي نادت بها الانتفاضة الثورية في يناير/ كانون الثاني 2011 حينما قامت، لذا فإنه بعد تنحي حسني مبارك وجدت تلك القوى نفسها في فراغ فكري، وعدم امتلاك رؤية للمرحلة الجديدة.
قاد هذا الأمر إلى الخطيئة الثالثة، وهي أن هذا الفراغ الفكري على مستوى الغاية والمشروع قاد إلى أن يكون هناك تمركز حول الأيديولوجيا باعتبارها بديلا للمشروع السياسي، فانصرف الجميع عن القضايا الأساسية، كالديمقراطية والحرية، وأسس رؤيته على أساس الأيديولوجيا، فاليساريون رأوا الحل في الأيديولوجيا اليسارية. ورأى الإسلاميون الحل في الأيديولوجيا الإسلامية. وبين هذا وذاك، توارت الشعارات المطلبية الأساسية (الحرية والديمقراطية) عن الساحة أساسا للخطاب والمشروع السياسي.
وأدى هذا الغياب أيضا بدوره إلى النقطة الرابعة، وهي عدم وجود خطاب سياسي يقوم على إقناع الجماهير، فغياب المشروع أدى إلي غياب البنية التي يتشكل منها الخطاب، كما أن التحول إلى رد الفعل، وليس الفاعل في المشهد، جعل الخطاب، في أساسه، يقوم على اللحظة الآنية التي يظهر فيها الحدث. وحتى اللحظة، فكل خطابٍ يخرج من القوى المدنية ما هو إلا رد فعل على القمع المتنامي الذي يمارسه النظام، كما أنه خطابٌ تقليدي، ولا يحتوي على طرق جديدة إبداعية، بل هو مؤسسٌ على الطرق القديمة نفسها التي عرفتها الأجهزة الأمنية، ودرستها جيدا، وبالتالي أصبحت غير مجدية.
الخطيئة الخامسة هي التحالف مع الدولة العميقة من أجل إزاحة الآخر، أي الخصم السياسي، فقد لعبت جبهة الإنقاذ ذلك الدور ببراعة. وكانت لا تمتلك أي مشروع سياسي سوى إطاحة الإخوان المسلمين، ولعل مكونات الجبهة التي شملت عددا من فلول نظام مبارك وحلفاء الدولة العميقة أحد أسباب ذلك، وقد كان ذلك بمثابة استدعاء للجيش مرة أخرى، ليقوم بالانقلاب على الديمقراطية. وهنا ثمة خلط يقع فيه أتباع جماعة الإخوان المسلمين الذين ما زالوا يخلطون بين الأحقية في التظاهر السلمي والانقلاب الذي قام به نظام "3 يوليو" ضد الجميع، فقد خرجت المظاهرات للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة. وبغض النظر عن الاختلاف حول الفكرة، إلا أن نظام "3 يوليو" قرّر أن ينقلب على الجميع، ويستولي على السلطة من دون إعلان انتخابات رئاسية مبكرة، إلى جانب عزل الرئيس المنتخب.
الخطيئة السادسة: الموافقة على فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية من دون الوقوف ضد
الخطيئة السابعة، عدم القدرة حتى اللحظة على الاعتراف بالخطأ، وجعل المطالبة بالحرية ومبادئ حقوق الإنسان مبدأ يشمل الجميع، بغض النظر عن موقفهم السياسي والأيديولوجي. وهذا يطرح، مرة أخرى، إعادة تعريف معانٍ تم تشويها في السنوات الخمس الماضية، مثل معنى التضامن السياسي الذي يجب أن يتأسس على مبدأ المساواة بين الجميع والحرية والعدالة للجميع، وليس على أساس الانتماء الأيديولوجي والسياسي كما ذكرت. فخلال السنوات الخمس الأخيرة، ساهمت المعارضة في هزيمة نفسها، وتعميق الانقسام السياسي بينها وبين مكوناتها المختلفة، وهو ما أصبح جزءا من رؤيتها وتحركاتها، وهو ما يعني عدم قدرتها على تجاوز أزمتها الداخلية، وعدم محاولتها التمركز حول قضايا أكثر رحابةً واتساعا، تساهم في إيجاد حل للأزمة والموقف الراهنين. وفي السياق نفسه، يبدو أيضا أن المعارضة نفسها غير مدركة لاحتياجها إلى مرحلة جديدة، تتأسس على المصالحة الوطنية. والمصالحة هنا تعني إطلاق الحوار بين الأطراف المختلفة (الأطراف التي تدعو إلى العمل السياسي السلمي أداة للتغيير)، فبدون حوار بناء بين تلك الأطراف، للوصول إلى رؤيةٍ مشتركةٍ، أساسها الحرية والديمقراطية، لن تستطيع المعارضة أن تقدم نفسها مرة أخرى بديلا لنظام استباح كل شيء في سبيل بقائه في السلطة.