توفي خلال الأيام القليلة الماضية الماضية ثلاثة سجناء، في السجن المركزي، الواقع جانب مخيم حندرات للاجئين الفلسطنيين، في ريف حلب الشمالي (7 كيلومترات عن مدينة حلب السورية)، نتيجة نقص الدواء والعناية الطبية، يضافون إلى أكثر من (635) حالة وفاة داخل السجن، منذ إعلان الجيش الحر وكتائب إسلامية محاصرته، في 27 مارس/آذار الماضي، تمهيداً لاقتحامه.
ويضمّ السجن نحو خمسة آلاف شخص، ويتألف من ثلاثة مبانٍ، يُستخدم إحداها لاعتقال الشباب المعارض، ويتبع السجن لوزارة الداخلية.
ولا يكاد يمر يوم من دون أن يموت سجين، إما بفعل عوامل لوجستية، أو لأهداف انتقامية من قبل قوات النظام، بعيد خسارتها لأية منطقة عسكرية.
وربما يفسر ذلك بعض الشيء، مقتل هذا العدد الكبير، بعد نية اقتحام كتائب المعارضة المسلحة السجن قبل نحو عام، بهدف تحرير سجنائه، وأغلبهم من معتقلي الأحداث السياسية الأخيرة، والذين اقتادتهم قوات النظام إلى سجن حلب المركزي، بعد رحلة من التعذيب في مقارّ مختلف الأفرع الأمنية في حلب وريفها، ومحافظات أخرى.
وبعد هجوم المعارضة الشهير على السجن، في السادس من فبراير/شباط الماضي، تداول الناشطون حينها أخباراً عن تحرير السجن المركزي بالكامل، وتحرير آلاف السجناء معه.
لكن ما حدث أن قوات النظام حصّنت نفسها من جديد، وتصدت لكتائب المعارضة المسلحة التي تغلب عليها الكتائب الإسلامية، كـ"جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية"، ولم يخرج سجين واحد، على حد قول معتقل خرج من هناك قبل نحو ثلاثة أشهر، بل أكدت قوات النظام أنها ستحول السجن إلى "مقبرة للأسرى".
ونُقل السجناء من ملحق السجن إلى المبنى الرئيسي، لاستعمالهم دروعا بشرية ضد ضربات المعارضة، وازداد عدد الضحايا، بسبب الجوع الناتج عن نقص الأطعمة، والبرد الناتج عن ندرة أدوات التدفئة، التي سبّبها نقص مادة المازوت المخصصة للسجناء.
وكان قد توفي 120 سجيناً، جراء المعارك التي دارت بين قوات النظام والمعارضة، ولجأت إدارة السجن إلى تعذيب سجناء حتى الموت، وتحميلهم مسؤولية هذا الهجوم بشكل مباشر أو غير مباشر، ناهيك عن تضييق الحصار أكثر، وقطع الطعام والشراب عنهم فترات طويلة، تخللها السماح لمنظمة الهلال الأحمر، بتقديم بعض المساعدات الغذائية، بعد اتفاق بين إدارة السجن والمعارضة، إلا أن بقايا هذه المساعدات كانت تصل إلى السجناء، في حين تستحوذ قوات النظام على الجزء الأكبر.
والواقع أن فعل الانتقام من السجناء بفعل الاقتحام كان أقل وقعاً من فعل الحصار، ويفيد تقرير صادر عن مركز "توثيق الانتهاكات في سورية"، أن 400 حالة وفاة سجلت بين 1 أبريل/نيسان و13 منه، بسبب الحصار.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى التي تتعلق بالثورة، إذ قام السجناء بعصيان في أواخر تموز/يوليو 2012، واستعانت قوات النظام بعناصر من الحرس الجمهوري، أطلقوا النار على بعض السجناء، فيما تكفلت إدارة السجن بتعذيب آخرين.
وترافق ذلك مع عمليات تحقيق شملت نحو 500 سجين، وتوفي على إثر هذه الحادثة نحو 30 سجيناً، حسب تقارير حقوقية.
وارتفع عدد الضحايا بفعل العوامل غير المباشرة، والتي باشرت بها قوات النظام بعد ذلك، وزادت من أحكام السجناء ستة أشهر إضافية، وحرمتهم من الاتصال بأهاليهم، وسط انحسار كميات الطعام والدواء، حتى بدأ حصار المعارضة، والتي زادت أوضاع السجناء سوءًا.
وما يجب الوقوف عنده أيضاً، هو حقيقة التفريق بين السجناء المتهمين بالأحداث السياسة (مثيري الشغب) عن المتهمين بجرائم جنائية، حيث تكمن مهمة السجناء مرتكبي الجرائم بأعمال رقابية على السجناء السياسيين، وربما تصل سلطاتهم إلى حد الضرب والشتم والإهانة، وهو سلوك يبرر، ربما، حقيقة الاصطفاف الموجود بين الطرفين (سجناء الجرائم وقوات النظام).
وسواء كان اقتحام المعارضة للسجن، نعمة على السجناء أم نقمة، أو كان الحصار أشد إيلاماً أم أقل، فإن الثابت أن قوات النظام، لم تكن بحاجة منذ انطلاق الثورة، وربما قبلها، إلى مبرر لعمليات الانتقام ضد السجناء، وربما يفيد التذكير هنا بالصور التي وصل تعدادها إلى 55 ألف صورة، لـ11 ألف معتقل عُذبوا حتى الموت في سورية، ونشرتها أخيراً شركة "كارتر" البريطانية، وتشمل عمليات اقتلاع للأعين والخنق والحرمان من الأكل لفترات طويلة، وسرّبها صف ضابط برتبة رقيب في الجيش السوري، عمل مصورا في مجال الطب الشرعي.