سعاد عبد القادر تحمل أهوال ذكرى مجزرة تلّ الزعتر

12 اغسطس 2020
ارتكبت مجازر عدة بحق الفلسطينيين في الحرب الأهلية (كلود صالحاني/ Getty)
+ الخط -

مجازر عدة تعرض لها الفلسطينيون في بلادهم على يد الصهاينة، وفي شتاتهم على يد من يفترض أنّهم أشقاؤهم. في مثل هذا اليوم من عام 1976 سقط مخيم تلّ الزعتر، وكشف سقوطه عن مجزرة كبيرة ارتكبت بحقهم بعد حصار طويل

في الثاني عشر من أغسطس/ آب 1976، وفي عزّ حرب السنتين، الفصل الأول من الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)، وقعت مجزرة تلّ الزعتر، في مخيم تلّ الزعتر للاجئين الفلسطينيين، الذي كان يضم نحو خمسة آلاف فلسطيني، إلى الشرق من العاصمة بيروت. وحصدت المجزرة أرواح عدد كبير من أهالي المخيم، بالإضافة إلى المفقودين والجرحى.
سعاد عبد القادر، المقيمة اليوم في مخيم المية ومية للاجئين الفلسطينيين، شرقي مدينة صيدا، جنوب لبنان، شاهدة على تلك المجزرة. تقول لـ"العربي الجديد": "سكنّا بالقرب من مخيم تلّ الزعتر قبل المجزرة بستة أشهر تقريباً، ريثما تنتهي أعمال الترميم في البيت الذي كنا ننوي أن نسكن فيه في الدورة ببيروت. كنا نقيم في الطبقة الرابعة من المبنى الذي كان يقع في منطقة على خطي التماس بين المخيم وقوات الكتائب اللبنانية (حزب يميني كان له دور أساسي في حرب السنتين). هذه المنطقة كانت محايدة، لكنّها كانت على المحور بشكل أساسي". تصف حال الناس في المخيم عندما كانوا يسمعون صوت الرشاش الثقيل، مضاد الطائرات، أو "الميم ط" كما كانوا يسمونه، ينطلق من المخيم فتقول: "كانوا يشعرون حينما يعلو صوت الرشاش بالسعادة، فقد كان يعطيهم الأمان والاطمئنان، لكن عندما صمت تماماً علموا أنّ المخيم انهار".

تتابع: "حوصر المخيم، وفقد أهله الطعام والشراب، فلا مواد غذائية تدخل إليه، وحتى المياه التي كانوا يحضرونها من البئر اختلطت بدماء جثث الشهداء التي ألقيت فيه، ومع الوقت لم يعد في المخيم طعام، وعندها اقتحم الأهالي معملاً قريباً لإحضار الطعام منه، وهو معمل للتمر والعدس، وصار الناس ينقعون العدس بالماء ويجبلونه كالطحين، ويضعونه على الصاج ويخبزونه كما لو أنّه خبز، حتى يسدوا جوعهم. أما الشبان المدخنون فدخانهم كان من أوراق الشجر اليابسة التي راحوا يفركونها بأيديهم، ليصنعوا منها السجائر. وبالنسبة للإنارة، كانوا يذيبون الشمع ويضعونه في الزجاجات الفارغة، ويضعون فيها خيوطاً، ليدوم الضوء في البيوت مدة أطول".
تضيف: "في مخزن التفاح القريب في المخيم، مات عدد كبير من الناس، وهذا المخزن كان الناس يدخلون إليه لإحضار التفاح ومعظمه فسد بسبب بقائه فترة طويلة، فيحاولون أن ينقذوا منه ما لم يفسد ليأكلوه، كما كانت هناك مجموعات من الشبان تخرج من المخيم لإحضار الطعام، فمنهم من يعود سالماً، فيما يُقتل آخرون". وتردف: "أذكر أنّ مجموعة شبان نعرف بعضهم، جلسوا إلى جانب مبنانا، ليستريحوا من جولة قتال، وكانوا يريدون الذهاب إلى البئر لإحضار الماء، وبعد أخذهم قسطاً من الراحة، حاولوا الوصول إلى البئر فمنهم من أصابته النيران فقتل، ومنهم من عاد وقد أصيب، وربما خسر طرفاً".
تقول سعاد: "عندما سقط المخيم، وخرج الناس منه، كانت شاحنات النقل تسحب شباناً مربوطين بها، وأذكر أن امرأة كانت بالقرب من الشاحنات طلبت إحضار عدد من الشبان، فأحضروا لها أكثر من سبعة، وعندما وصلوا إليها راحت تضربهم بعصا رفش كانت في يدها، وكانت تمسك الشاب من شعره، وتنزله إلى الأرض، ثم تضربه الضربة القاتلة على رأسه، وتطلب إحضار المزيد وهي تقول إنّها لم تشفِ غليلها". تتابع: "هذا عدا عن الشبان الذين كان يجري صفّهم أمام الحائط، وما هي إلا لحظات حتى نراهم قد سقطوا على الأرض، فقد كان عناصر الكتائب يطلقون النار عليهم من مسدسات كاتمة للصوت. وشاهدنا شخصاً من آل كروم ربطت إحدى رجليه بسيارة، والأخرى بسيارة، وقُسم نصفين. وفي أثناء تقطيعه، سمعنا صوت عظامه وهي تتكسر، وبعد ذلك رموه قرب الطريق، فيما إحدى السيارتين وهي فان، عادت وسارت عليه".

المرأة
التحديثات الحية

تضيف حول أهوال المجزرة: "كانوا يفرزون النساء الكبيرات في السنّ وحدهن، بعيداً عن الصبايا، وفجأة تختفي الصبايا ولا نعود نراهن، وكانت أعمارهن تتراوح بين 17 و25 وربما أكبر. أولئك البنات أخذن إلى جهة مجهولة ولم نعد نعلم عنهن شيئاً، وبعد مدة صارت تصل إلى مسامعنا أخبار عنهن، أنّه جرى تعذيبهن بشراسة". وتضيف: "كانت أمي من النساء الجميلات، وكانت حينها في الثلاثين من عمرها، وعندما علمت بأخذ الشابات لبست ملابس كثيرة حتى تبدو بدينة جداً، كما لطخت وجهها، كي لا تؤخذ ويعتدى عليها".
تختم سعاد ذكرياتها المرة: "في تلك المجزرة مات عدد من الناس جوعاً، ولم تعد هناك إمكانية للمقاومة بعد حصار المخيم، وحتى الجريح لم يكن باستطاعة أهل المخيم علاجه، فكانوا يكتفون بوضع الماء والملح على الجرح، ومن كان يصاب بقدمه أو بيده كانت تبتر خوفاً من تسمم جسده".