تكثر العشوائيات عند أطراف العاصمة السورية دمشق التي باتت تضمّ عدداً كبيراً من النازحين. أهل هذه المناطق يعيشون ظروفاً صعبة في ظل الفقر وسوء الخدمات. ولا يبدو أنّ الأوضاع هناك قد تتحسّن قريباً.
يلفّ دمشق حزام من الفقراء المهجّرين بغالبيّتهم من المناطق السورية الأخرى والباحثين عن مصدر رزق، ليشكّلوا جزراً هي عبارة عن مناطق سكن عشوائية صارت تحتضن أكثر من 40 في المائة من سكان العاصمة السورية، من دون أن يُؤمَّن لها الحدّ الأدنى من الخدمات الأساسية، ناهيك عن الازدحام السكّاني الشديد فيها.
تبدو العشوائيات المحيطة بدمشق متشابهة لجهة واقعها السيّئ، سواء في جنوب دمشق من منطقة التضامن وحتى نهر عيشة، أو في شرقها من مخيّم جرمانا وحتى الكباس وبرزه، أو في شمالها الممتد من سفح جبل قاسيون المطل على دمشق من ركن الدين إلى المزة 86، أو في غربها بحيّ السومرية. عند التجوّل في هذه المناطق، تسجّل فوارق نسبية، غير أنّ ما يجمعها هو عدم صلاحيتها للسكن.
من ينتقل من أحياء دمشق المنظّمة والتي تعاني من خدمات سيئة إلى العشوائيات، يكاد لا يصدق أنّه في مدينة واحدة. الطرقات مليئة بالحفر وسرعان ما تتحول إلى مستنقعات من الطين والمياه الآسنة، بمجرّد أن يهطل قليل من المطر أو أن يقرّر أحدهم شطف درج منزله. كذلك تتراكم النفايات في زوايا الطرقات، لتحوم حولها الحشرات والقوارض. وقد يبتلّ المرء في خلال سيره في شارع من جرّاء مياه الصرف الصحي، إذ إنّ أنابيب الصرف الصحي بمعظمها ليست تحت الأرض، ما يعرّضها إلى الكسر أو التآكل مع الزمن. أمّا أنابيب مصافي كثير من الأسطح والشرفات، فتصب كذلك في وسط الشوارع الضيقة أصلاً، لدرجة أنّه في إمكان الجيران مصافحة بعضهم البعض من على شرفات منازلهم. ولا شكّ في أنّ تلك الأسلاك المتشابكة على جدران مباني المناطق العشوائية وكذلك في سمائها، سوف تلفت نظر الزائر. وتلك ليست سوى أسلاك شبكتَي الكهرباء والهاتف.
أبو جابر رمضان في الستينيات من عمره ويقيم في حيّ دف الشوك جنوبيّ دمشق، يخبر "العربي الجديد": "جاء والدي في ستينيات القرن الماضي من ريف إدلب واشترى أرضاً مساحتها مائة متر، وبنى فيها غرفة واحدة ومرحاضاً ومطبخاً سقفها من الصفيح. كانت المنطقة ما زالت كناية عن بساتين، وقد اشتريناها بالتقسيط. في ذلك الوقت، كنّا نسمع أنّ الدولة ستستملك الأرض، فراح أصحابها يبيعونها على عجل". يضيف أبو جابر أنّه "مع الوقت، بات الناس يحضرون بعضهم بعضاً، حتى صارت المنطقة تمثّل خارطة سوريّة. وعُرفت بعض الشوارع بسكانها، كشارع الأدالبي حيث أسكن. بعد ذلك، وبسبب قربنا من وسط العاصمة، بدأت الدولة تمدّ أنابيب الصرف الصحي وخطوط الكهرباء والهاتف، إنّما بالحدّ الأدنى. ويوماً بعد يوم، راح عدد السكان يزيد وصارت الغرفة بناءً مؤلّفاً من خمس طبقات. وبعدما كنّا ستّة أشخاص، يعيش فيها اليوم نحو 30 شخصاً، علماً أنّ الخدمات المتوفّرة ما زالت على حالها". ويوضح أبو جابر أنّ "شبكة الصرف الصحي لم تراعِ زيادة الكثافة السكانية، لذا تنبع المياه الآسنة غالباً من المنازل. ويشير إلى أنّه "قبل نحو 15 عاماً، عمدنا إلى تغيير شبكة الصرف الصحي على حساب أهل الشارع. اليوم، تضاعف عدد السكان، لكنّنا لا نملك القدرة على تغيير البنى التحتية".
من جهته، أبو حسن العلي وهو في الخمسينيات من عمره ويقيم في منطقة عشوائية عند سفح جبل قاسيون، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أكثر ما نعاني منه هذه الأيام هو سوء خدمة الكهرباء. بالإضافة إلى التقنين، يؤدّي تهالك الشبكة كذلك إلى انقطاع في التيار الكهربائي. بعد الأزمة السورية، زاد عدد السكان في المنطقة وزاد بالتالي الطلب على الكهرباء. طالبنا بحلول وقدّمنا شكاوى عدّة، لكن لا حياة لمن تنادي. كأنّنا لسنا من أهل البلد". يضيف أبو حسن: "نعاني من ضعف ضغط المياه. فنحن نسكن منطقة جبلية، ونحن في حاجة إلى ضغط كبير لتصل المياه إلى الخزانات. ومع ضغط مضخات المياه، نجد صعوبة كذلك في ملء خزاناتنا. كذلك نعاني من سوء تمديدات شبكة الهاتف، ما يؤدّي كثيراً إلى انقطاع الأسلاك". ويسأل أبو حسن: "كيف وصل الوضع إلى هذا السوء؟ أين كانت الدولة عند إنشاء هذه المناطق؟ ألم تكن قادرة على إنشاء شوارع عريضة على الأقل وبناء شبكات صرف صحي جيدة ومدّ شبكتَي كهرباء وهاتف؟ ليست المباني وحدها عشوائية، بل الخدمات كذلك. من الواضح أنّها لم تخضع إلى أيّ دراسة أو رؤية استراتيجية".
في السياق، يحمّل ناشط من دمشق فضّل عدم الكشف عن هويته، النظام السوري مسؤولية الإهمال والواقع المزري. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "كثيرين من السوريّين الذين نزحوا من جرّاء الحرب، لجأوا إلى المناطق العشوائية، ما أدّى إلى ازدحام سكاني كبير، الأمر الذي زاد من البناء العشوائي في ظل الطلب المتزايد"، مضيفاً أنّ الخدمات تراجعت في خلال السنوات الماضية في ظل عدم توفّر تمويل لدى الوحدات الإدارية".