سلام إسلام آباد وطالبان: تعارف فحوار فتأجيل

16 ابريل 2014
مراحل الحوار تهدف إلى بناء الثقة أولاً (getty)
+ الخط -

كان من المفترض أن تنطلق، في إسلام آباد، أمس الثلاثاء، جولة ثالثة من مفاوضات السلام بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان، وأن يلتقي وفد الحكومة بممثلي الحركة. وكان يتوقع أن يكون الاجتماع بالغ الأهمية، لأنه يتزامن مع أنباء تحدثت عن تعثر عملية الحوار بسبب الخلافات الداخلية لطالبان، ومطالبها الصعبة، لكنه أجِّل لأسباب غير معلومة حتى الآن.

وفي حين لم تكشف الحكومة عن أسباب تأجيل الاجتماع، يؤكد البروفيسور ابراهيم، أحد أعضاء الوفد الممثل لحركة طالبان، أنّ "العملية لم تتعثر، وأن الوفد ينتظر الإجابة من الجانب الحكومي للمضي قدماً"، مشيراً إلى أن "المرحلة المقبلة التي ستُعقد خلال يومين أو ثلاثة، ستركّز وبشكل أساسي على ملف تبادل الأسرى، وإعلان وقف اطلاق نار دائم".

وأطلقت الحكومة الباكستانية سراح 16 سجيناً من طالبان نتيجة الحوار المباشر الذي دار للمرة الأولى بين وفد الحكومة وقيادات طالبان في وزيرستان في 26 من مارس/آذار المنصرم، كما أنها تدرس إطلاق سراح المزيد من سجناء طالبان، لكنها تطلب من الجانب الثاني إطلاق سراح عدد من السجناء، في مقدمتهم أجمل خان، رئيس جامعة بشاور، وشهباز تأثير، نجل سلمان تأثير، الحاكم الأسبق لإقليم "بنجاب"، وحيدر علي جيلاني، نجل يوسف رضا جيلاني رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق. وهذا ما أشار إليه البروفيسور ابراهيم قائلاً إن "الحكومة الباكستانية طرحت وستطرح ملف المعتقلين الثلاثة في المرحلة المقبلة من المفاوضات، ويتعين على الحركة تبيان موقفها آنذاك".

ومن المواضيع الصعبة التي يمكن أن تكون على جدول أعمال المرحلة المقبلة من الحوار، مطلب الحركة إنشاء منطقة منزوعة السلاح في المناطق القبلية، لينسحب منها الجيش الباكستاني بهدف انعقاد المفاوضات فيها. يُعد هذا أكثر الملفات تعقيداً التي يواجهها المفاوضون من الطرفين؛ ففي وقت تصر فيه الحركة على إنشاء تلك المنطقة، لا يمكن للحكومة القبول بشرط كهذا، ولا سيما أن الأمر يعتبر نقطة خلاف بين الحكومة والجيش.

فالجيش الباكستاني، الذي خاض معارك ضارية مع مسلحي طالبان في المناطق القبلية، وخسر الكثير من رجاله هناك، لن يقبل بالانسحاب من أي جزء من المناطق القبلية، خاصة مع عدم وجود ضمانات تمنع المسلحين من السيطرة عليها.

وعلى الرغم من تأكيدات متكررة من الحكومة الباكستانية على نيلها دعم المؤسسة العسكرية في عملية السلام، غير أن الواقع يشير إلى وجود فجوة بينهما، لا سيما بسبب الإفراج عن المعتقلين والرضوخ إلى بعض مطالب الحركة.

كما تتعرض الحكومة الباكستانية لضغوط متزايدة من جانب بعض الأحزاب السياسية لترك هذه العملية والاعتماد على خيار عسكري، مثل حزب الشعب الباكستاني، وحزب عوامي القومي البشتوني، والحركة القومية المتحدة. وتعتبر الأحزاب المشار إليها أن عملية السلام مجرد تمثيلية تستغلها الحركة لتنظيم صفوفها، وتتهم حركة طالبان بالوقوف وراء الهجمات التي وقعت أثناء فترة وقف اطلاق النار. وقال القيادي في حزب الشعب الباكستاني، وزير الداخلية السابق، رحمن ملك، إن "هناك أدلة تثبت تورط طالبان في الهجمات التي شهدتها الساحة الباكستانية أخيراً، بالتالي على الحكومة التخلي عن هذه التمثيلية". كما تساءل كل من زعيم المعارضة في البرلمان الباكستاني، خورشيد شاه، وزعيم الحركة القومية المتحدة، الطاف حسين، عن مدى فعالية وقف اطلاق النار وعملية السلام مع طالبان، في ظل استمرار أعمال العنف والتفجيرات التي تحصد أرواح المواطنين، مطالبين الحكومة بـ"وضع استراتيجية موحدة تجاه كافة الجماعات المسلحة، واللجوء إلى حل عسكري للتصدي للأزمة الأمنية".

في المقابل، انقسمت حركة طالبان داخلياً بشأن الحوار مع الحكومة، وأعلنت بعض الفصائل عدم التزامها بوقف اطلاق النار المتفق عليه مع الحكومة، كجماعة أحرار الهند وجماعة جند الله. كما أن الحروب الداخلية بين فصائل الحركة التي أدت إلى مقتل العشرات من المقاتلين، يعتبرها البعض نتيجة للخلافات بشأن المفاوضات.

وفي ظل ضغوط متزايدة على الحكومة لترك عملية السلام والاعتماد على الحل العسكري، والصراعات الداخلية بين فصائل طالبان، ما مدى نجاح عملية السلام؟ هذا سؤال يرد في أذهان الكثير من الباكستانيين، ويرى المحللون والخبراء أن نسب نجاح عملية السلام بين الطرفين ضعيفة جداً.

وكانت عملية الحوار قد بدأت قبل أكثرمن شهرين، عندما أعلن رئيس الوزراء في 29-1-2014، تشكيل وفد من أربع شخصيات غير حكومية للتفاوض مع وفد يمثل حركة طالبان، لكنها تعثرت للمرة لأولى بعد انفجار استهدف في 13-2-2014 حافلة تقل عناصر من الشرطة في مدينة كراتشي، وبعد إعدام 23 من عناصر الحرس الحدودي. وتبنت الحركة مسؤولية الهجومين في حينها، فعلّقت عملية الحوار بشكل كامل، لكنها انطلقت من جديد بعد إعلان الحركة وقف اطلاق نار من دون قيد وشرط، لمدة شهر منذ بداية شهر أبريل/نيسان الحالي. وفي 12-3-2014، شكّلت الحكومة وفداً جديداً مكوّناً من المسؤولين الحكوميين ليحلّ مكان الوفد القديم، تمكّنوا بوساطة الوفد الممثل للحركة، من الذهاب إلى وزيرستان، والاجتماع المباشر مع قيادات طالبان، وقد نتج عن هذا الاجتماع قيام الحكومة بالإفراج عن 16 من المعتقلين غير المقاتلين، وأعلن الوفد الحكومي آنذاك أن الاجتماع الثاني بينه وبين قيادات طالبان سينعقد خلال أسبوع، لكن الأمور تباطأت بعد ذلك.

إنّ كل هذه الجهود المبذولة حتى الآن، وكل المراحل التي مرت عليها عملية الحوار، تهدف إلى بناء الثقة بين الطرفين لبدء مرحلة أساسية للحوار وصولاً إلى ابرام السلام، ما يعني أنّ الطريق أمام المفاوضات لا يزال طويلاً ومعقداً، وهو ما يدركه المتابع لسير العملية.

دلالات