في كل عيد، كما في كل رمضان من كل عام، يدعو ملايين المسلمين حول العالم أن يحلّ السّلام على بلادهم، لكن السّلام لم يحلّ بعد.
ترى صديقة أن السّلام لا يحلّ رغم الدعوات، حتى لا يفتقد المسلمون في تلك المناسبات أسباب التوجه إلى الله بالدعاء، مردفة: "لو حل السّلام فما الذي سيطلبه هؤلاء؟ يبدو أن تلك الأوضاع تناسب المسلمين أكثر".
بينما يرى صديق أن استجابة الدعوات لا علاقة لها بكثرة عدد من يرفعون أكفّهم إلى السماء ويرفعون أصواتهم بالدعوات، بل إن الله لن يستجيب لهؤلاء لأن دعواتهم، في رأيه، ليست صادقة وقلوبهم ليست طاهرة.
في ليلة رؤية هلال العيد، كنت بصحبة زملاء في السّحور الأخير، كنا من جنسيات عربية مختلفة، يجمعنا مكان عمل واحد، ومجالات عمل مختلفة، ويربطنا أيضاّ أننا بدون عائلاتنا في غربتنا.
كنا ستة، وأحضرت إحدى الزميلات شقيقتها، وأحضرت زميلة أخرى صديقتها. سريعاً تحوّلت الضيفتان إلى محور الجلسة، وكانت آراؤهما بالنسبة لمجموعتنا متنفساً لعدة ساعات قضيناها سوياً، حتى أنهما نافستا زميلنا الذي ينتظر زفافه بعد نحو أسبوعين فقط، والذي ناله الكثير من النصائح حول ما هو مقدم عليه، وأغلبها تجارب سلبية على حد قول واحدة من ضيفتينا، بينها أن "الزواج ضد السّلام".
في الليلة التالية، قضيت ليلة العيد بصحبة أربعة سوريين، سيدتان ورجلان، كل منهم ينتمي إلى منطقة من البلاد التي تمزّقها الحرب منذ أكثر من خمس سنوات. استشعرت المناطقية بوضوح في حديثهم، وخاصة أنني لم أكن أعرف ثلاثة منهم مسبقاً.
هم متفقون في كثير من الأشياء، يتبادلون المزاح والنكات، ولا يخلو الحوار أبداً من تباهي أحدهم بحسن أخلاق أهل منطقته، أو تباهي الآخر بمحاسن الطقس في مدينته، أو تباهي إحداهن بطيب طعام منطقتها، وتباهي الأخرى بأن ما تصنعه نساء مدينتها لا يمكن لأي سوريّة أخرى أن تصنعه في كل أنشطة الحياة.
يتجادلون ويتسامرون بأسلوب ينمّ عن صداقة ممتدة، ورغبة في الاستئناس في غربتهم الطويلة بمن يفهمون عاداتهم ويذكّرونهم ببلدهم، رغم عدم شكواهم من البقاء بعيداً عنه، بل وحتى تصريحات نادرة تؤكد عدم الرغبة في العودة إليه. فجأة تظهر وسط الكلمات في عيني أحدهم دمعات يحاول إخفاءها. ينجح أحياناً، ويفشل غالباً.
هم متفقون في كل شيء، خاصة حول ضرورة إسقاط النظام، لكنهم مختلفون في طريقة إسقاطه، وفي ترتيبات ما بعد السقوط.
في اليوم التالي، كنت وحيداً بلا ونيس ولا جليس، فقضيت الوقت أسترجع ما قيل خلال اليومين الأخيرين، وانتهيت إلى أننا كعرب بائسون لدرجة مزعجة، وربما لو عمّ السّلام لن نشعر به.