كان بائعو الأشرطة يزيّنون عرباتهم بصور المطربين، وتتعالى منها أصوات أحدث إصداراتهم. لكنّ أصوات الأغنيات لم تعد تختلط على مسامع المارّة كثيراً في عام 1988. كان صوت واحد يحتلّ الكورنيش من أوّله إلى آخره: صوت جورج وسّوف.
مع بداية التسعينيّات لم يعد جورج وسوف مجرّد مطرب يردّد الناس أغنياته. فقد صار هذا الشاب، ذو الوجه الطفولي والقامة المتوسطة "سلطان الطرب". وعندما نقول الطرب، فهذا يعني أنّ وسوف جمع الجيلين، القديم والجديد، في خامة صوته المتميّزة.
الكبار قبل المراهقين كانوا يردّدون خلف كل إطلالة له: الله الله يا وسّوف. إذ كانت أغنية "يلّي تعبنا سنين بهواه" مدخل المطرب، السوري الأصل، إلى مسامع ما يعرف بالـ"ذوّيقة". وجاءت ألحان شاكر الموجي بين جيلين تماماً، فردّدها الجميع.
تربّع وسّوف على عرش المغنى، من خلال سلسلة أغنيات ظلّت مدّة طويلة تحتلّ المركز الأوّل "روح يا روح الروح"، "بتعاتبني" و"ترغلّي".
كان وسوف عادلاً مع محبيه، فلهواة الطرب الشعبي غنّى "شطّة بطّة" وموّال "أنت وأنا"، ولهواة الطرب كان يأخذهم في سهراته إلى عالم أم كلثوم. لكنّ ذروة أعماله كانت في شريط "الهوى سلطان". أغنيتان من هذا الشريط كانتا بمثابة مفتاح أيّة علاقة غرامية لكلّ مراهق وفتاة. فإذا كانت الحبيبة بعيدة ترى الشاب يهديها على أثير الإذاعة "روحي يا نسمة"، وكلّما غازل أحدهم معشوقته يغنّي لها "حلف القمر".
لم يكن صوت وسّوف وحده مصدر النجاح. فأبو وديع لم يكن بوسامة المطربين التقليديين، لكنّه كان أجملهم في نظر جيلنا. يشبه وجهه وجه أيّ صبي يركل الكرة في الملاعب الرملية. يشبه وجهه وجوه العاملين في المطاعم حيث غنّى. وجه وسوف كان وجه الأزقّة البسيطة. تحيّته، لكنته، وتلك العفوية التي تشتبه عليك بين اللامبالاة والاستهزاء، جعلته سلطاناً في متناول الناس جميعاً.
حياة وسّوف ومواقفه وسيرته لاحقاً، منذ أن جاء إلى بيروت في سيارة أجرة، حتّى عمليته الجراحية في حنجرته، إلى مرضه أخيراً، كلّ ذلك جعل السلطان يكسر هالة النجم الذي لا يُطال. ولعل هذا ما يفسّر حجم الغضب الذي طاله من آلاف عشّاقه، خصوصاً السوريين. إذ قرّر السلطان أن تكون حاشيته ضبّاط مخابرات، وصار النجم الذي يشبهنا فنّان السلطة المحاط بنجوم الرتب العسكرية. كان ذلك، على كثيرين، أكثر إيلاماً من أخبار تدهور صحته.