مع وصول مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية إلى الحدود السورية، بقيادة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني، الذي يرافق المقاتلين ميدانياً، بموازاة تصريحات حادة من قبل مسؤولي مليشيات كردية تسيطر على جزء واسع من تلك الحدود، إزاء هذا التقدم لمليشيات "الحشد"، يطرح البعض احتمال حصول اشتباك بين الطرفين اللذين يحسبان فعلياً اليوم على جبهة النظام ــ روسيا ــ إيران، ما يدفع كثيرين إلى استبعاد حصول مواجهة من هذا النوع. ورغم أن الطرف الكردي السوري يمكن أن يكون متضرراً من التمدد الإيراني المتوقع على الحدود، لتهديده بشكل واضح محاولات ترسيخ إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية، يبقى واضحاً أن المقاتلين الأكراد السوريين لا يستعجلون المواجهة. واستمرت، لليوم الثاني على التوالي، جولة قاسم سليماني على المناطق الحدودية العراقية ــ السورية لجهة الحسكة، بعد سيطرة مليشيات "الحشد"، مدعومة بالطيران الحكومي العراقي، على قرى حدودية عدة أبرزها أم جريص التي تمثل أولى مضارب عشيرة شمر العربية في العراق، الممتدة على طول البادية الغربية والشمالية للعراق، وتتصل مع مناطق شرق سورية وغرب الأردن وشمال السعودية. ووصف القيادي في "الحشد"، فالح الموسوي، زيارة "السيد سليماني" بأنها "تفقدية" وفقاً لوصفه في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد". وباتت مليشيات "الحشد الشعبي" تسيطر حالياً على خمس قرى فقط تبعد نحو 6 كيلومترات عن أولى المدن السورية المأهولة بالسكان ضمن محافظة الحسكة التي تتواجد فيها وحدات كردية مقربة من نظام الأسد وإيران. في السياق ذاته، نفى المتحدث باسم مليشيات الحشد، أحمد الأسدي، نبأ دخول مقاتليه إلى سورية. وقال الأسدي، في بيان، "الأنباء التي أفادت بدخول الحشد إلى مناطق سورية عارية عن الصحة تماماً". بدوره، اعتبر السياسي السوري الكردي المقرب من "الاتحاد الديمقراطي"، ألدار خليل، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "من السابق لأوانه الحديث عن مواجهة كردية ـ شيعية في شمال شرقي سورية"، مضيفاً، أنه "إذا دخلوا سورية سندرس الأمر حينها".
في الجهة المقابلة، سارع المتحدث باسم "قوات سورية الديمقراطية"، العقيد طلال سلو، إلى التأكيد بأن "قواته ستتصدّى لأي محاولة من قبل الحشد الشعبي للدخول لمناطق سيطرتها في شمال شرقي سورية" قبل أن يستدرك قائلاً "إنهم (أي الحشد) ليسوا أعداءنا". وترتبط سورية مع العراق بحدود طويلة تصل إلى أكثر من 600 كيلومتر، وتسيطر الوحدات الكردية على نحو 200 كيلومتر منها، من منطقة عين ديوار في المثلث السوري العراقي التركي، وحتى منطقة الهول جنوب الحسكة، حيث تبدأ حدود سيطرة تنظيم "داعش"، المسيطر على بلدة مركدة ومحيطها. وهي آخر البلدات في الحدود الإدارية لمحافظة الحسكة، التي تليها الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور.
من جهتها، تحاول أطراف كردية، أبرزها حزب "الاتحاد الديمقراطي" ترسيخ أقدامها في شمال شرقي سورية، في مساع واضحة لتكريس إقليم ذي صبغة كردية ترفضه تركيا، وتعمل على إفشاله، كونها ترى في "الاتحاد الديمقراطي" الذي يترأسه صالح مسلم، نسخة سورية من حزب "العمال" الكردستاني.
وتحاول مليشيات "الحشد الشعبي" تعزيز مواقعها على الحدود العراقية السورية، تمهيداً للتحرك على طول الحدود مسافة نحو 150 كيلومتراً باتجاه مدينة القائم، أبرز معاقل تنظيم "داعش" في غربي العراق.
من جانبه، أبدى المعارض السوري الكردي، صلاح بدر الدين، اعتقاده بأنه "لا يوجد تناقض كبير بين أجندة مسلّحي قوات سورية الديمقراطية ومسلحي الحشد الشعبي"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "على الصعيد السياسي، الطرفان متفقان من الجانب الاستراتيجي على قضايا المصير السوري والوضع العام بالمنطقة، وكلاهما مواليان للمشروع الإيراني -الأسدي وضد الثورة السورية ومع إثارة الفتنة العنصرية المذهبية".
وأشار بدر الدين إلى أن "الطرفين مستعدان للتواطؤ مع أية جهة إقليمية أو دولية لتحقيق الأهداف المشتركة"، معرباً عن قناعته بأنه "من غير المستبعد حصول سباق، ومنافسات حول النفوذ والمصالح الجزئية الحزبية والفئوية". وأضاف أنه "لن تصل الأمور إلى درجة المواجهة". وأوضح أن "هناك صراعات داخلية بين جماعات قوات سورية الديمقراطية لم تعلن بعد تفاصيلها الكاملة"، مضيفاً أن "هناك خلافات بين أصحاب القرار، خصوصاً السوريين منهم، وبين مركز قنديل (مركز قيادة حزب العمال الكردستاني)، ومن معه حول مسائل سياسية داخلية وخارجية، من بينها موضوع إيران، والحشد الشعبي وغير ذلك من الأمور".
أما الطرف العربي في المنطقة الشرقية من سورية، فيبدو الطرف الأضعف في معادلة الصراع. وعن هذا الموضوع، يعرب قيادي في فصيل يتبع المعارضة السورية المسلحة، عن قلقه من "اقتراب الحشد الشعبي من سورية". ويرى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المليشيات الإيرانية تؤسس لحروب طائفية شيعية سنية، وهذا يحقق مشروع الفوضى الذي تعمل عليه إيران للتمدد في المنطقة". ولا يجد القيادي فارقاً بين "داعش" و"الحشد الشعبي"، معتبراً أن "كليهما يتغذيان على التطرف الأعمى، ودخول الحشد الشعبي إلى المنطقة يعني حدوث مجازر لا يستفيد منها إلا الفكر الذي أنتج تنظيم داعش". وطالب التحالف الدولي بـ"وضع حدٍّ لتمدد الحشد الشعبي على الحدود الشرقية السورية".