على مدى أحد عشر عاماً، لم يكن سليم الجبوري يطمح إلى أن يتولى أكثر من منصب متقدم في كوادر "الحزب الإسلامي" العراقي، في بلدته الصغيرة، التي عرفت بنزعتها الدينية الريفية، لكن عمله في منظمات مدنية، فضلاً عن دخوله البرلمان في العام 2010 والتغييرات في المشهد السياسي العراقي، كل ذلك مهّد له ليجد نفسه اليوم الثلاثاء رئيساً لمجلس النواب العراقي.
وحصل الجبوري، على 194 صوتاً من بين أصوات 273 نائباً حضروا الجلسة وشاركوا في عملية التصويت، علماً أن عدد الأصوات المطلوب للفوز بهذا المنصب هو 165 صوتاً من اجمالي عدد أعضاء البرلمان البالغ عددهم 328 نائباً.
وأفاد مصدر سياسي مطلع إن انتخابه تم بناءً على صفقة عقدت بين التحالف الشيعي والكتل السنية، تقضي بالموافقة على الجبوري لرئاسة البرلمان مقابل موافقة "متحدون" على مباركة مرشح التحالف الوطني لرئاسة الوزراء، على أن يكون غير رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي. وهو ما باركته الكتل الكردية أيضاً.
وكان الجبوري قد أوجد لنفسه الكثير من الأعداء، خلال تصديه لمهمة انتهاكات وجرائم حقوق الإنسان في العراق، عبر عمله في منظمات مدنية محلية، وإقليمية، وأخيراً برلمانية.
الجبوري يكثر من حركته وزياراته للمعتقلات والسجون، الأمر الذي جعل معظم أعدائه من صنف خاص؛ جنرالات الجيش والشرطة، وقادة المليشيات. وهو الأمر الذي يفسر إصدار نحو 10 مذكرات اعتقال بحقه، بتهم إرهابية مختلفة، من بينها سبع تصل عقوبتها إلى الإعدام، كتفخيخ سيارات، والانتماء لتنظيم "القاعدة". لكنها ألغيت جميعاً بعدما سلّم نفسه، في بغداد، يوم 23 من الشهر الماضي، للشرطة العراقية، عقب ساعات قليلة من انتهاء مدة الحصانة الدستورية له كنائب بالبرلمان.
وأعلن الجبوري، من سجنه، عن رغبته بمواجهة جميع التهم الموجهة ضده ودحضها، وهو ما أكسبه احتراماً واسعاً في الشارع العراقي، وأحرج حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، فضلاً عن الجهاز القضائي العراقي، الذي أقر في 29 من الشهر نفسه، إسقاط جميع التهم الموجهة ضد الجبوري، لعدم ثبوتها، واعتبارها كيدية.
ينحدر "المتهم ـ البريء"؛ وأصغر رئيس برلمان في العراق منذ العهد الجمهوري، سليم عبد الله أحمد عمر الجبوري (1971)، من مدينة المقدادية، شمال محافظة ديالى.
عمل الجبوري، الحامل لشهادة الدكتوراه في القانون، مدرساً في ثانوية عامة ببلدته، ثم أستاذاً في كلية القانون بجامعة ديالى، ثم جامعة النهرين، قبل أن يصبح رئيساً لمفوضية الانتخابات في محافظة ديالى.
تسلّم الجبوري منصب رئاسة تحرير جريدة حمورابي، ليكون بعدها كاتباً بجريدة دار السلام، التابعة لـ"الحزب الإسلامي".
رشح في العام 2010، وفاز بالانتخابات البرلمانية، ليتسلم مسؤولية رئيس لجنة حقوق الانسان البرلمانية؛ المهمة التي سببت له مشاكل عدة، إذ بات "المطلوب رقم واحد" في البلد الذي يخسر يومياً عشرات الأفراد فيه حقهم الإنساني الأوّل؛ "حق الحياة".
يقول المحامي محمد القيسي، وهو أحد المقربين من الجبوري إن تسلم الأخير لمنصب رئاسة البرلمان، له رمزية كبيرة لـ"الإخوان المسلمين"، ولسنّة العراق. يصفه القيسي بـ"الجريء". وهذا ما يترجمه الجبوري عبر إطلاق التصريحات، والاتهامات بشكل مباشر، ولا سيما في ما يتعلق بملف الانتهاكات.
وكان الجبوري قد حاز، في الانتخابات الأخيرة، على المرتبة الثالثة بمحافظة ديالى، قبل أن تتهيأ الظروف ليصبح رئيس البرلمان.
وسبق له أن قال في حديث لـ"العربي الجديد": "لم أرغب بالمنصب، وقيادات التحالف هي من رشحتني، والظرف يحتم التصدي للتحديات التي نمر بها كعراقيين، وآمل النجاح وبقوة، ولن يزيدني المنصب بشيء بقدر ما هو مسؤولية".