أربع سنوات ونصف من اللجوء السوري في لبنان، لم تجعل الأوضاع أسهل أو أيسر لا بالنسبة إلى مئات الآلاف الذين يزيد الشتاء الطويل القاسي أحوالهم سوءا، ولا للمنظمات الإنسانية الدولية التي تسابق طواقمها الزمن أواخر الصيف وفي الخريف لتوزيع المساعدات الإغاثية ومواد الدعم قبل حلول موسم الأمطار والثلوج.
دلال (23 عاما) أم لفتاتين وصبي، تتنقل مع عائلتها بين مخيمات البقاع العشوائية منذ ثلاث سنوات بحثا عن عيش أفضل، لكنها تقول إن "المساعدات قليلة، والمساعدات الطبية قليلة جدا. هناك الكثير من الناس العاجزين، ولا توجد مدارس كافية ولا شهادات معترف بها دوليا. نريد دعما شتويا أكثر. الشوادر تهترئ خلال الصيف والخشب كذلك أثناء الشتاء والمنظمات الدولية توزعها علينا مرة واحدة خلال العام، وهذا لا يكفي".
أطفال دلال لا يمكن تمييزهم عن غيرهم من الأطفال الذين يتراكضون في أرجاء المخيم بثيابهم المتربة ووجوههم التي لوحتها الشمس. وهم إذ كانوا فرحين بحريتهم وفترات لعبهم التي لا تنتهي والتي فرضتها عليهم ظروف اللجوء تغيب عن عقولهم الصغيرة المصاعب التي سيواجهونها لاحقا في غياب التعليم اللائق الذي يتمكن القليل منهم فقط من الحصول عليه.
وقالت أم عبد، التي تقيم في المخيم العشوائي عينه، وهي تغطي وجهها بنقاب أسود كما هي تقاليد أهل الريف السوري: "جئت قبل أربع سنوات وهذه السنة الخامسة. كنت أعيش في ريف حمص وأنا أرملة. لدي ابن واحد قتل هناك ولا أحد لدي ليعيلني على الإطلاق".
هذا العام بدأت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، والمنظمات غير الحكومية المتعاونة معها بتوزيع المساعدات الشتوية باكرا بدءا من شهر أغسطس/آب، كسبا للوقت وسعيا لحصول اللاجئين على الاحتياجات الضرورية قبل أن يفاجئهم الطقس بعواصف غير متوقعة.
وفي أحد مخيمات البقاع الكثيرة وقفت النساء والرجال والأطفال في طوابير وبأيديهم وثائق تسجيلهم لدى المفوضية للحصول على شوادر جديدة وأغطية عازلة للحرارة للخيم وأخشاب لتدعيمها.
وتقول تاتيانا عودة الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في البقاع، أثناء تواجدها في مرحلة التوزيع "في البقاع الذي يشكل 40 في المائة من مساحة لبنان يوجد أكثر من 1200 مخيم عشوائي كالذي نراه اليوم. وبعد أكثر من أربع سنوات من اللجوء بات الوضع والمعيشة أصعب بكثير. ولهذا جاهدنا هذا العام لننتهي من توزيع المساعدات الشتوية بدءا من شهر أغسطس/آب وقبل مجيء العواصف والأمطار".
اقرأ أيضا:مفوضية اللاجئين:4 ملايين لاجئ سوري في دول الجوار
وأضافت عودة عن تفاصيل برنامج المساعدات الشتوية الذي تنفّذه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان "في البقاع الشتاء قاس للغاية ودرجات الحرارة منخفضة جدا، كما نشهد عواصف ثلجية عديدة. ومن أهم المساعدات التي نقدمها المساعدات النقدية التي تعطى للعائلات المعوزة ليشتروا المحروقات وحاجاتهم. تغطي المساعدات 71 ألف عائلة، أي ما بين 350 ألفا و370 ألف شخص. نوزع الأغطية الشتوية على كل العائلات التي وصلت بعد شتاء عام 2014 خلال شهري سبتمبر/أيلول وأغسطس/آب وهم تقريبا 2400 عائلة. أما في المناطق النائية التي لا تشملها المساعدات النقدية مثل عرسال نوزع قسائم للمحروقات قيمتها مائة دولار شهريا".
تفاقم المصاعب
وتتزايد الصعوبات والأعباء المادية التي يضطر اللاجئون إلى تحملها مع مرور أكثر من أربع سنوات على بدء الصراع الأهلي في سورية مثل إيجارات الخيم والمساكن التي تؤويهم. إذ إن معظمهم يعيش في غرف غير مكتملة البناء أو مخيمات عشوائية مقامة على أراض خاصة وتختلف الايجارات بين حجم الخيمة أو الغرفة وموقعها وتتراوح بين 100 ألف و200 ألف ليرة شهريا (بين 66 و133 دولار شهريا) بالإضافة إلى بدل الكهرباء.
وأوضحت عودة أنّه "منذ يوليو/تموز 2015 انخفض التمويل واضطر برنامج الأغذية العالمي إلى الاقتطاع من الحصص الغذائية الشهرية وتقليصها إلى ما يعادل 13.5 دولارا يحصل عليها اللاجئون عبر بطاقات زرقاء تعطى لهم بعد أن انخفضت قبل ذلك من 27 دولارا مع بداية الأزمة، لتصبح بعد ذلك 19 دولارا وتصل في النهاية إلى 13.5 دولارا فقط توزع على خمسة أشخاص من كل عائلة في الشهر".
وذكرت أن المساعدات الشتوية تشمل الشوادر والأخشاب والقماش العازل لوضعها فوق الخيم لحفظ الحرارة داخلها في الطقس البارد، فضلا عن المساعدات المالية الشتوية التي تبلغ 147 دولارا لكل عائلة تقيم في مناطق ترتفع 500 متر عن سطح البحر، بغض النظر عن عدد أفرادها، وذلك على فترة أربعة أشهر هي فصل الشتاء. كما تقوم فرق تابعة للمفوضية بتحسين أراضي المخيمات وحفر الخنادق لتصريف المياه ومنع الفيضانات.
وأشارت إلى وجود برنامج خاص للعائلات الأكثر عوزا إذ تقدم لهم مبالغ نقدية شهرية. فضلا عن تزويد اللاجئين بالأدوات والمعدات اللازمة ليتمكنوا من جرف الثلوج بأنفسهم من حول خيمهم في الشتاء ومنع دخول المياه إليها والاعتماد على أنفسهم.
غير أن هذه المساعدات والجهود المبذولة على اتساع نطاقها لا تكفي على ما يبدو لتغطية كل حاجات اللاجئين. إذ تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن المنظمات الإنسانية حصلت على 840 ألف دولار تقريبا من أصل المبلغ الذي طلبته لتغطية احتياجاتها كاملة وهو مليار و867 ألف دولار تقريبا، أي ما يعادل 45 في المائة فقط، مما انعكس على خططها.
وتقول فاطمة (29 عاما) "لم يتحسن شيء من سنة إلى أخرى. أنظمة الصرف الصحي بدائية ومكشوفة وقرب الخيم. المياه ننقلها من مناطق بعيدة، إذ لا يوجد خزانات والبعض منا يعيش قرب الدواب. كما تنتشر الأمراض الجلدية والتنفسية بين الأطفال والطواقم الطبية تأتي لوقت وجيز وتذهب. وكلما قصدنا المستشفيات نضطر إلى دفع المال الكثير بدل الطبابة".
وتضيف فاطمة "لدينا تكلفة الطعام والمواد الغذائية ولوازم الأطفال، وهذا كله لا تكفي المساعدات المالية لتغطيته. نسمع عن الكثير من المساعدات التي تأتي لكن لا يصلنا منها شيء يذكر".
اقرأ أيضا:ما الذي يدفع اللاجئين السوريين باتجاه أوروبا؟!
سوزان (30 عاما) أم لخمسة أولاد أكبرهم يبلغ 13 عاما من ريف حمص، وهي غير مسجّلة على قوائم الأمم المتحدة لوجود أقارب لها في لبنان، لكنها تعيش في المخيم على حد قولها "كالشحاذين. زوجي لا يعمل والسكان يساعدوننا بما تيسّر. أعمل في البيوت وإيجار منزلي 200 ألف في الشهر. نعمل كل الشهر لتأمين الإيجار، وبالكاد نؤمن قوتنا كل شهر. أولادي لا يذهبون إلى المدارس لأنهم يحتاجون إلى طعام ومصروف هناك. فالأفضل أن يبقوا معي ويساعدونني".
وأضافت أميرة فلاحة (25 عاما) "لو قدرت على السفر لن أبقى هنا ساعة واحدة. المهم أن أخرج من هنا. فأنا لا أستفيد من أي شيء في هذا المكان" مشيرة إلى أنها تعيش في واحدة من تجمعات صغيرة من الخيم التي لا تعترف بها المنظمات الدولية كمخيم وبالتالي لا يحصل ساكنوها على المساعدات كما باقي سكان المخيمات العشوائية المسجّلة على قوائمهم.
حلقة مفرغة
ولا ترسم ميراي جيرارد، ممثلة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، صورة وردية لمشهد اللجوء، لكنها تشدد رغم إدراكها للمصاعب ووضع اللاجئين السيئ ماديا ومعنويا، على أن المنظمات الدولية الإنسانية والجمعيات المتعاونة معها تبذل كل ما بوسعها لمساعدة اللاجئين على تحمل واقعهم المضني.
وقالت جيرارد "في العام الماضي كان الشتاء حافلا بالمصاعب وطال خمسة أشهر، وكنا نعمل على مدار الساعة للتأكد من جهوزيتنا في الوقت المناسب، ومن إرساء شبكة أمان للأشخاص ذوي الأوضاع الأكثر عوزا للتأقلم مع الشتاء. نحن قلقون للغاية كيف سيتمكن الناس من قضاء فصل الشتاء وتحمله".
وأشارت جيرارد إلى النسبة غير الكافية من التمويل التي حصلت عليها المنظمات الدولية على الرغم من احتياجاتها الهائلة.
وقالت في هذا الصدد إن "المساعدات التي حصلت عليها المنظمات الدولية الإنسانية تقل عن 50 في المائة من احتياجاتها. بعض الدول المانحة زادت مساهماتها للبنان من ناحية المواد الغذائية والمساعدات المخصصة للأشخاص الأكثر عوزا، وبهذا سنتمكن من الاستعداد لمواجهة متطلبات فصل الشتاء الذي نأمل ألا يكون طويلا جدا هذا العام، لأننا لسنا متأكدين من الموارد التي سنحصل عليها في العام المقبل. لكننا قادرون على تغطية الأشهر الأولى من هذا الفصل على الأقل".
وأضافت أن المفوضية تحاول هذا العام، عبر مساعداتها المالية، الوصول إلى ضعف عدد العائلات التي وصلت إليها في العام الماضي. وأعربت عن أملها في تلبية الاحتياجات الضرورية لنحو 900 ألف لاجئ سوري مسجل على قوائمها، يشكلون أغلبية العدد الإجمالي للاجئين في لبنان حاليا.
وختمت بالقول "الناس جاءت مع مدخراتها. وبعد أربع أو خمس سنوات تلاشت وتلاشى معها الدعم الذي كانوا يعتمدون عليه لتغطية مثلا الحصص الغذائية. الآن ماذا يفعلون؟ هذا أمر صعب آخر. لقد باتت التكاليف أكثر والمدخرات أقل والشتاء قادم ومعه تأتي تكلفة التدفئة والأدوية المرتفعة. إنها دائرة مفرغة. ولهذا يمكننا أن نتفهم الظروف البائسة التي قد تدفع البعض لاتخاذ قرار القفز إلى المركب" والتوجه صوب أوروبا.