يبدو أن التصعيد الأميركي ضد تنظيم "داعش" قد بدأ يأخذ مفاعيله على شكل سباق محموم بين النظام والمعارضة، للاستفادة، قدر المستطاع، من تبعات هذا التوجه، كل وفق حساباته السياسية والعسكرية.
ويسعى النظام، بكل ما يستطيع، إلى الاستفادة من هذا التوجه في استعادة شرعيته الدولية، التي فقدها منذ الثورة السورية، إذ من المرجح أن يشارك النظام في ضرب التنظيم، في حال تمت مهاجمة مواقعه من قبل واشنطن، بالتزامن مع تسويق إعلامي كبير لما يقوم به.
لكن النظام لن يكترث بتحقيق مكاسب ميدانية على الأرض، وذلك لأسباب كثيرة أهمها طبيعة المناطق، التي يسيطر عليها التنظيم حالياً، والتي كانت تشكل عبئاً على النظام، بالإضافة إلى فقدان النظام ثكناته العسكرية في تلك المناطق، التي كانت تشكل نقاط ارتكاز في سيطرته على المنطقة، والتي من الصعب إعادة إنشائها، بالنظر إلى الإنهاك الذي أصاب الجيش النظامي.
كما تصعّب المساحات الصحراوية الشاسعة من مهمة قوات النظام، إضافة إلى المكون السكاني المعادي للنظام في تلك المناطق، التي خضعت لفترة لا بأس بها لقوات المعارضة، يضاف إليها أن محيط المناطق، التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، هو في معظمه بيد فصائل المعارضة.
وقبل القرار الأميركي بإعلان الحرب على "داعش"، لم تكن قوات النظام معنية بالهجوم على التنظيم، ما لم يبادر الأخير إلى مهاجمتها، حتى أن الفترة، التي سبقت إعلان التنظيم ما سمي "دولة الخلافة"، عرفت نوعاً من التنسيق غير المعلن بين قوات النظام والتنظيم، على ضرب المعارضة المسلحة، وحصارها إن تسنى لهما ذلك.
ويبدو أن النظام قد نجح، إلى حد بعيد، في تطبيق استراتيجيته، التي اتبعها منذ بداية الثورة السورية، والتي تقوم على تشجيع كل ما يساهم في انتشار التطرف، وصولاً إلى خلق كيان متطرف، يستعيد النظام من خلال فتح جبهة قتال معه الشرعية الدولية التي فقدها، ويضمن استمراره أطول فترة ممكنة. إلا أن نجاح هذه الاستراتيجية يبقى مرهوناً بمدى تقبل المجتمع الدولي، وفي مقدمته واشنطن، بالاعتماد على النظام كشريك في هذه الحرب، والذي تشير التصريحات الأميركية إلى أنه أمر غير وارد حتى الآن، مع بقاء احتمال التنسيق غير المعلن على الصعيد العملياتي، في مقابل سكوت مؤقت عنه طوال فترة الحرب على "داعش".
في المقابل، تمتلك بعض فصائل المعارضة المسلحة فرصة قوية للدخول كشريك في التحالف الدولي الجديد، مع حسابات مختلفة عن حسابات النظام، إذ تسعى، من خلال هذا التحالف، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، يأتي في مقدمتها تشكيل نواة لمؤسسة عسكرية مدعومة دولياً، بالسلاح والتدريب، بالإضافة إلى السيطرة على المناطق، التي يتم طرد تنظيم "داعش" منها.
وأكد مصدر مطلع في الائتلاف الوطني المعارض، رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، أن "وفوداً من الائتلاف ستزور عدداً من الدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، من أجل التباحث في موضوع الضربة المحتملة للتنظيم في سورية"، مشيراً إلى أنه "من الطبيعي أن تتولى المعارضة إدارة المناطق التي سيطرد منها تنظيم (داعش)".
وأوضح المصدر أن "المعارضة المسلحة قامت بخطوات جدية للمساهمة في القضاء على داعش، إذ شهدت الفترة الأخيرة توحد معظم الفصائل في مختلف الجبهات، كما أعلنت من جبهة حلب خلال اليومين الماضيين معركة (نهروان الشام) بهدف محاربة التنظيم".
ويمكن التمييز بين مرحلتين مر بهما الصراع بين "داعش" وفصائل المعارضة المسلحة: الأولى هي مرحلة تأسيس "الجبهة الإسلامية" وإعلان الحرب على "داعش" وطردها من محافظة إدلب، وقد شهدت هذه المرحلة إعلان حرب شاملة على التنظيم، من جميع فصائل المعارضة (بما فيها جبهة النصرة، التي تنسق لأول مرة مع فصائل المعارضة الأخرى) مدعومة بحاضن شعبي قوي عانى من ممارسات "داعش"، وكان عاملاً مهماً في الانتصار، الذي حققته الجبهة على التنظيم.
أما المرحلة الثانية، فقد بدأت مع إعلان التنظيم "دولة الخلافة" وسيطرته على مناطق واسعة في العراق، واستيلائه على أسلحة وعتاد من الجيش العراقي، مكنته من فرض نفوذه في المناطق، التي يسيطر عليها في سورية، وتميزت هذه المرحلة بانكفاء المعارضة المسلحة إلى الدفاع عن مواقعها حين تتعرض لهجمات التنظيم.
وأكد قائد ميداني لإحدى فصائل المعارضة، التي تقاتل على جبهة حلب، رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، أن "الاستراتيجية التي تتبعها معظم الفصائل تختلف كثيراً عما يصرح به لوسائل الإعلام، فبعد إعلان تنظيم (داعش) ما سمي دولة الخلافة، اتبعت معظم الفصائل سياسة تقوم على عدم فتح جبهات قتال مع التنظيم، ما لم يبادر هو بالقتال، والسبب في اتباع هذه السياسة هو نقص التمويل، والتفرغ قدر المستطاع لجبهات القتال مع النظام".
وأوضح أن "الوضع الآن قد تغير بعد إعلان المجتمع الدولي الحرب على (داعش) كأولوية، إذ تم الاعلان عن معارك ضد النتظيم تكون المبادرة فيها لفصائل المعارضة، لأنها أول من حارب (داعش) وهي أكثر المتضررين من هذا التنظيم الذي سيطر على المناطق، التي كانت في حوزة المعارضة، ويجب أن تغتنم هذه الفرصة لاستردادها".