تشهد محافظة حماه موجة غير مسبوقة من هجرة الكوادر الطبية إلى خارج سورية. إلا أن نسبة هذه الهجرة تعد مرتفعة من ريف المحافظة الشرقي، الذي تغيب عنه سلطة الدولة بمعناها الحقيقي، وتتحكم فيه عناصر "اللجان الشعبية" أو "لجان الدفاع الوطني"، ما يعرّض تلك الكوادر لممارسات من سلب وسرقة وخطف تدفعهم إلى الهجرة، بالإضافة إلى ملاحقة الحكومة أولئك الذين لم يتجاوزوا الأربعين من العمر، لجعلهم ينخرطون في جبهات القتال. تجدر الإشارة إلى أن مدينة سلمية في ريف حماه الشرقي، تعد إحدى أكثر المدن السورية غنى بحَمَلَة الشهادات العلمية نسبة إلى عدد سكانها، إلا أنها تكاد تخلو اليوم من الأطباء المتخصصين.
هجرة أم هرب
"في حالاتنا نحن الأطباء، هو هروب أو إبعاد قسري أكثر من كونه هجرة. يحصل هذا خارج إرادة الأطباء الذين هاجروا بغالبيتهم". هكذا يبدأ الطبيب وليد العمر (اسم مستعار) حديثه لـ "العربي الجديد". يقول إن ثمّة عوامل عدة تدفع كثيرين إلى الهجرة، منها ما هو شخصي من أجل إكمال الدراسة مثلاً. لكن العامل الأبرز يتمثل في عدم الاستقرار والخوف من فرض النظام على الأطباء الالتحاق بجبهات القتال والزج بهم في المعارك كمقاتلين، عدا عن تعرضهم للسلب بسبب اعتبارهم من أصحاب الدخول المرتفعة.
في الوقت الحالي، يعمل العمر في مستشفى سلمية الوطني. ويقول إن هجرة القسم الأكبر من الأطباء أثّرت سلباً على المستوى الطبي والصحي في المنطقة، علماً أن مستشفى سلمية يعد قريباً من قرى عدة. ويلفت إلى أن تدنّي مستوى تقديم الخدمات الطبية يجعل من الصعب تشخيص بعض الأمراض أو معرفة ماهية تلك المستعصية، بسبب الاعتماد على كوادر من الأطباء غير المتخصصين. في هذا الإطار، يضطر بعض المرضى إلى المغامرة والذهاب إلى دمشق أو حماه، متحمّلين خطورة السفر، عدا عن الضغط الهائل على الأطباء المتخصصين في تلك المدن.
معاناة من نوع آخر
إلى ذلك، تتحدّث هلا الطيّب، وهي مدرّسة في روضة أطفال في ريف حماه، عن معاناة من نوع آخر. تقول إنها لم تجرِ الفحص الدوري لعينيها منذ أربع سنوات، علماً أنها تضع نظارات طبية. لكن الطبيب الذي كان يتابعها هاجر إلى بريطانيا منذ بداية الأحداث في سورية، بعدما طلب منه الالتحاق في خدمة الاحتياط. ومنذ ذلك الحين، لم يأت طبيب بكفاءته إلى مدينة سلمية. تتابع أنه منذ نحو عام، جاء طبيب من دمشق لكنها لم تستطع العلاج عنده لأنه لا يفتح إلا مساءً، وهي تعيش في قرية في الريف.
اقــرأ أيضاً
أما سليمان السعدي وهو صاحب مكتبة، فيقول لـ"العربي الجديد": "نحارب بكل الوسائل وقد حُرمنا من الطبابة. ما هو مبرر أخذ طبيب من عيادته إلى جبهات القتال، وليس من طبيب أسنان غيره، حتى أنه تجاوز الخامسة والأربعين من عمره؟ يضيف: "كنتُ على موعد معه لإجراء عملية جراحية في الفك. ولدى ذهابي إلى موعدي، فوجئت أنه طُلب منه الالتحاق بجبهات القتال في دير الزور. ويوضح أن سلمية تشهد هجرة غير مسبوقة للأطباء والصيادلة، خصوصاً بعد تعرض أكثر من طبيب وصيدلي للخطف أو السرقة والتهديد.
سُرقت... فهاجرت
يقول الطبيب علي الحمصي الموجود حالياً في ألمانيا لـ"العربي الجديد" إن "على الرغم من الظروف الصعبة التي كانت تمرّ بها البلاد، لم أشأ أن أترك أهلي وبلدي. وكانت مهنتي كطبيب تشعرني بأنه من واجبي البقاء في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الناس، وأداء واجبي الإنساني". كان قد هاجر من حمص إلى مدينة سلمية. وقبل عامين، تعرّض لمحاولة خطف من قلب عيادته، بعدما دخل عليه شخصان مسلحان وهدداه بالقتل. "لم أستطع التملّص منهما إلا عندما أعطيتهما مفاتيح سيارتي وكل النقود التي كانت بحوزتي". يضيف أن جميع سكان المدينة يعرفون عن المسلحين، لكن أحداً لا يستطيع الوقوف في وجههم، خصوصاً أنهم رجال الدفاع الوطني الذين يستطيعون فعل ما يشاؤون بالمواطنين، من اعتداءات وسرقة وسلب تحت إطار الدفاع عن الوطن. وكلّ من يحاول الوقوف في وجههم، مصيره القتل بتهمة خيانة الوطن. يضيف أنه بعد حادثة السلب التي تعرض لها، "لم تسمح لي زوجتي أو حتى أطفالي بالذهاب إلى عيادتي. وقد وجدت أن أفضل حل لي هو الهجرة، إلى أن تستقر الأمور الأمنية في سورية، ويستطيع المواطن أخذ حقه".
أنس السلموني طالب في السنة الخامسة في كلية الطب ويقيم في المستشفى الوطني في مدينة سلمية، يقول لـ"العربي الجديد" إن "بحكم عملي في المستشفى، تعرضت لمواقف عدة دفعتني إلى لبحث عن أي طريق للهجرة والهرب إلى خارج سورية". يضيف: "أمّن لي صديق في ألمانيا منحة لمتابعة الدراسة هناك". يتحدث عن معاناته، لافتاً إلى "أنني اقتدت مرات عدة إلى أماكن مجهولة. وكان يأتي إليّ أشخاص من الأمن العسكري ويصطحبونني بسيارتهم لساعات عدة، لأجد نفسي في مكان مغلق فيه جرحى، ويطلب مني إجراء عمليات جراحية لهم. وبعد انتهائي من العمل، يعيدونني إلى بيتي بالطريقة نفسها". ويتابع: "أعتقد أنني ذهبتُ مرتين إلى حلب وأخرى إلى حمص. لكنني لم أتمكن من تحديد وجهة الرحلة الرابعة. وبسبب هذه الطريقة بالتعامل وغيرها، وجدت أن أسلم طريقة للمحافظة على حياتي هي السفر إلى الخارج".
اقــرأ أيضاً
هجرة أم هرب
"في حالاتنا نحن الأطباء، هو هروب أو إبعاد قسري أكثر من كونه هجرة. يحصل هذا خارج إرادة الأطباء الذين هاجروا بغالبيتهم". هكذا يبدأ الطبيب وليد العمر (اسم مستعار) حديثه لـ "العربي الجديد". يقول إن ثمّة عوامل عدة تدفع كثيرين إلى الهجرة، منها ما هو شخصي من أجل إكمال الدراسة مثلاً. لكن العامل الأبرز يتمثل في عدم الاستقرار والخوف من فرض النظام على الأطباء الالتحاق بجبهات القتال والزج بهم في المعارك كمقاتلين، عدا عن تعرضهم للسلب بسبب اعتبارهم من أصحاب الدخول المرتفعة.
في الوقت الحالي، يعمل العمر في مستشفى سلمية الوطني. ويقول إن هجرة القسم الأكبر من الأطباء أثّرت سلباً على المستوى الطبي والصحي في المنطقة، علماً أن مستشفى سلمية يعد قريباً من قرى عدة. ويلفت إلى أن تدنّي مستوى تقديم الخدمات الطبية يجعل من الصعب تشخيص بعض الأمراض أو معرفة ماهية تلك المستعصية، بسبب الاعتماد على كوادر من الأطباء غير المتخصصين. في هذا الإطار، يضطر بعض المرضى إلى المغامرة والذهاب إلى دمشق أو حماه، متحمّلين خطورة السفر، عدا عن الضغط الهائل على الأطباء المتخصصين في تلك المدن.
معاناة من نوع آخر
إلى ذلك، تتحدّث هلا الطيّب، وهي مدرّسة في روضة أطفال في ريف حماه، عن معاناة من نوع آخر. تقول إنها لم تجرِ الفحص الدوري لعينيها منذ أربع سنوات، علماً أنها تضع نظارات طبية. لكن الطبيب الذي كان يتابعها هاجر إلى بريطانيا منذ بداية الأحداث في سورية، بعدما طلب منه الالتحاق في خدمة الاحتياط. ومنذ ذلك الحين، لم يأت طبيب بكفاءته إلى مدينة سلمية. تتابع أنه منذ نحو عام، جاء طبيب من دمشق لكنها لم تستطع العلاج عنده لأنه لا يفتح إلا مساءً، وهي تعيش في قرية في الريف.
أما سليمان السعدي وهو صاحب مكتبة، فيقول لـ"العربي الجديد": "نحارب بكل الوسائل وقد حُرمنا من الطبابة. ما هو مبرر أخذ طبيب من عيادته إلى جبهات القتال، وليس من طبيب أسنان غيره، حتى أنه تجاوز الخامسة والأربعين من عمره؟ يضيف: "كنتُ على موعد معه لإجراء عملية جراحية في الفك. ولدى ذهابي إلى موعدي، فوجئت أنه طُلب منه الالتحاق بجبهات القتال في دير الزور. ويوضح أن سلمية تشهد هجرة غير مسبوقة للأطباء والصيادلة، خصوصاً بعد تعرض أكثر من طبيب وصيدلي للخطف أو السرقة والتهديد.
سُرقت... فهاجرت
يقول الطبيب علي الحمصي الموجود حالياً في ألمانيا لـ"العربي الجديد" إن "على الرغم من الظروف الصعبة التي كانت تمرّ بها البلاد، لم أشأ أن أترك أهلي وبلدي. وكانت مهنتي كطبيب تشعرني بأنه من واجبي البقاء في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الناس، وأداء واجبي الإنساني". كان قد هاجر من حمص إلى مدينة سلمية. وقبل عامين، تعرّض لمحاولة خطف من قلب عيادته، بعدما دخل عليه شخصان مسلحان وهدداه بالقتل. "لم أستطع التملّص منهما إلا عندما أعطيتهما مفاتيح سيارتي وكل النقود التي كانت بحوزتي". يضيف أن جميع سكان المدينة يعرفون عن المسلحين، لكن أحداً لا يستطيع الوقوف في وجههم، خصوصاً أنهم رجال الدفاع الوطني الذين يستطيعون فعل ما يشاؤون بالمواطنين، من اعتداءات وسرقة وسلب تحت إطار الدفاع عن الوطن. وكلّ من يحاول الوقوف في وجههم، مصيره القتل بتهمة خيانة الوطن. يضيف أنه بعد حادثة السلب التي تعرض لها، "لم تسمح لي زوجتي أو حتى أطفالي بالذهاب إلى عيادتي. وقد وجدت أن أفضل حل لي هو الهجرة، إلى أن تستقر الأمور الأمنية في سورية، ويستطيع المواطن أخذ حقه".
من جهته، يقول الطبيب أحمد السيد لـ"العربي الجديد" إن الوضع الطبي في محافظة حماه بشكل عام يعاني من مشاكل كبيرة في ما يتعلق بالأطباء، خصوصاً أن الأكفاء هاجروا بأكثرهم. يضيف: "أخيراً، وصل إلى مستشفى البر في مدينة سلمية شاب يعاني من ألم في رئتيه بسبب حادث سيارة. وبقي في المستشفى ثلاثة أيام من دون أن يتمكن الأطباء الموجودين من تشخيص حالته بشكل دقيق، نظراً لعدم وجود طبيب متخصص في الأمراض الصدرية وأمراض الرئة، ما أدى إلى زيادة النزيف لينتقل إلى دمشق للعلاج. هكذا تحملت عائلته مصاريف كبيرة، علماً أن عملية نقله وعلاجه كانت على حسابهم، بدءاً من سيارة الإسعاف التي استأجرت، وصولاً إلى مصاريف علاجه. وقد ازدادت حالته الصحية سوءاً بسبب المدة التي قضاها في مستشفى سلمية.
أنس السلموني طالب في السنة الخامسة في كلية الطب ويقيم في المستشفى الوطني في مدينة سلمية، يقول لـ"العربي الجديد" إن "بحكم عملي في المستشفى، تعرضت لمواقف عدة دفعتني إلى لبحث عن أي طريق للهجرة والهرب إلى خارج سورية". يضيف: "أمّن لي صديق في ألمانيا منحة لمتابعة الدراسة هناك". يتحدث عن معاناته، لافتاً إلى "أنني اقتدت مرات عدة إلى أماكن مجهولة. وكان يأتي إليّ أشخاص من الأمن العسكري ويصطحبونني بسيارتهم لساعات عدة، لأجد نفسي في مكان مغلق فيه جرحى، ويطلب مني إجراء عمليات جراحية لهم. وبعد انتهائي من العمل، يعيدونني إلى بيتي بالطريقة نفسها". ويتابع: "أعتقد أنني ذهبتُ مرتين إلى حلب وأخرى إلى حمص. لكنني لم أتمكن من تحديد وجهة الرحلة الرابعة. وبسبب هذه الطريقة بالتعامل وغيرها، وجدت أن أسلم طريقة للمحافظة على حياتي هي السفر إلى الخارج".