تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الأشهر الأخيرة، من انتزاع مناطق عدة في ريف حلب، كانت سابقاً تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة. وبات التنظيم اليوم يحكم قبضته على أغلب الريف الشرقي ويتوغّل في ريف المحافظة الشمالي، في وقت احتفظت فيه قوات النظام السوري بالجزء الجنوبي الشرقي من مدينة حلب، لتتقدّم باتّجاه الشمال الغربي من الريف، بعد سيطرتها على المدينة الصناعية والسجن المركزي والمناطق المحيطة به.
ويبدو أنّ سقوط المدينة لم يعد بعيداً، بعد تقليص النظام وتنظيم "داعش" رقعة الأراضي التي في يد قوات المعارضة، المنهمكة بالقتال على جبهتي النظام و"داعش" منذ مطلع العام الحالي، ما أدّى إلى استنزافها بشكل كبير. وبالكاد تتمكّن فصائل المعارضة اليوم، من الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها، من دون أن تُحرز أيّ تقدّم منذ مطلع العام الحالي على مختلف جبهات القتال في مدينة حلب وريفها.
وتعكس تحذيرات المسؤولين الدوليين من سقوط حلب، ومطالبتهم التحالف الدولي بتكثيف جهوده للحؤول دون ذلك، مدى الخشية الدوليّة من سقوط المدينة جدياً. وكانت تركيا أول المتخوفين من هذا المصير، مع تحذير وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، خلال مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماعه مع قيادة الأركان التركيّة، منتقداً "ازدواجيّة المعايير في سياسة التحالف الدولي، بتركيز ضرباته ضد تنظيم "داعش" في عين العرب، وغضّ الطرف عن المجازر التي يرتكبها الأسد في مناطق سوريّة عدّة، خصوصاً في محيط مدينة حلب"، على حدّ تعبيره.
ولعلّ الحذر التركي يرتبط بخوف حقيقي من أزمة إنسانيّة جديدة قد تواجهها تركيا في حال سقطت حلب، ما سيشكل ضغطاً كبيراً على حدودها، خصوصاً بعد استقبالها أخيراً لأكثر من 200 ألف لاجئ بعد هجوم "داعش" على عين العرب. واستغلّ أوغلو المؤتمر لإعادة التذكير بمشروع تركيا بإقامة "منطقة آمنة"، على الحدود السورية، مشدّداً على ضرورة فرضها لأن بلاده ستواجه مشكلة كبيرة بخصوص مسألة اللاجئين في حال سقطت مدينة حلب.
ويوازي التخوّف التركي حذر فرنسي من النهاية المأساوية التي تنتظر المدينة، وهو ما أعرب عنه وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، الذي اعتبر، في مقال نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسيّة، أنه "بعد عين العرب، يجب إنقاذ حلب". ويرتبط هذا الحذر بإدراك فرنسا، أنّ حلب هي آخر معاقل المعارضة المعتدلة في سورية، خصوصاً بعد انهيار جبهة "ثوار سورية" وبعض فصائل "الجيش الحر" أمام "جبهة النصرة" في إدلب، وتقدّم "داعش" في مناطق واسعة من سورية.
وتعتبر فرنسا، وفق وزير خارجيتها، أنّ "بشار الأسد وداعش هما في حقيقة الأمر، وجهان لبربريّة واحدة"، وهما "يلتقيان في إرادة مشتركة تتمثّل في القضاء على القوى الثوريّة المعتدلة في سورية". وتنطلق فرنسا من هذا الواقع للتأكيد على وجوب "تركيز جهودها والتحالف على المدينة؛ بغية تحقيق هدفين واضحين: تعزيز مساندتنا القوى الثوريّة السوريّة المعتدلة، وحماية السكان المدنيين من الجرائم التي يرتكبها التوأمان: داعش والأسد"، على حدّ تعبير فابيوس. ولم يغفل الأخير التحذير من أنّ "التخلّي عن حلب هو الحكم على 300 ألف رجل وامرأة وطفل بخيار رهيب".
ويبدو أن سياسة التحالف الدولي في عين العرب، باتت محل انتقاد أطراف عدّة، فقد سبق تصريحات فابيوس، تأكيد الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أنّ "عين العرب لا تختصر كلّ مهمّة التحالف"، مشدداً على أن "المدينة الرئيسة في المعركة هي حلب".
وتقابل المعارضة السوريّة، ممثلة بالائتلاف الوطني، الحذر الدولي من سقوط حلب، بالسخط، بعد أن باتت محرجة بين ترحيبها بقوات التحالف الدولي، وبين سياساته التي لم تخدمها، وسط تباطؤ المجتمع الدولي في تسليح الجيش الحر، خصوصاً بعد موافقة الكونغرس على ذلك. ويستدعي الوضع القائم تصعيداً في نبرة الخطاب السياسي، مع انتقاد نائب رئيس "الائتلاف"، محمد قداح، سياسة التحالف الدولي واصفاً إياها بأنّها "غير مجدية وانتقائيّة، سواء لناحية الجهات التي تقوم بدعمها، أو لناحية اقتصار ضرباتها على "داعش" وإهمال الأسد".
من جهته، يحذر الناطق الرسمي باسم الائتلاف الوطني السوري، سالم المسلط، من أنّ "استمرار التحالف الدولي في التغاضي عن جرائم الأسد، سيؤدي لانفجار وشيك لا يمكن التنبؤ بنتائجه على المستوى الشعبي، الذي بدأ يفقد ثقته بسياسة التحالف". ويرى أنّ ذلك "لن يصبّ في مصلحة الأسد وحسب، وإنّما في مصلحة تنظيم "الدولة الإسلامية"، من حيث توسّعه في الجغرافية السورية، وازدياد عدد المتطوعين فيه، أفراداً وجماعات".
وتجد تحذيرات المسلط ترجمتها الميدانيّة، خصوصاً بعد نجاح تنظيم "داعش" في استقطاب بعض الفصائل العسكريّة التي أعلنت انضمامها إلى صفوفه، مع بدء ضربات التحالف الدولي على سورية. وكان آخرها "لواء العقاب" في ريف حماة الشرقي، إضافة إلى تسرّب العديد من العناصر من فصائلهم العسكرية والاتجاه إلى مبايعة التنظيم، كما حدث مع "جبهة أنصار الدين"، التي تضم أربعة فصائل مقاتلة، كانت تُعتبر حيادية في قتال "داعش". واستطاع التنظيم جذب عدد كبير من عناصر تلك الفصائل بعد ضربات التحالف.
في موازاة ذلك، تنتظر حلب اليوم مصيراً مجهولاً، وسط غياب دور فاعل لقوات التحالف، وتراجع كتائب المعارضة، وفي ظلّ حصار خانق يفرضه كل من تنظيم "داعش" وقوات النظام، اللذين لم يلتقيا حتّى اليوم في معركة على جبهة حلب. ولم تشهد خطوط التماس بين الطرفين أيّ اشتباكات منذ تشكّلها في بداية الصيف الماضي، على عكس ما شهدته خطوط التماس بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة، وخطوط التماس بين قوات "داعش" وقوات المعارضة.