هناك من يقول: بقي بشار الأسد رئيساً رغم التوقعات والرهانات على سقوطه، ولم يكن الاقتصاد بوابة انهيار الدولة العميقة، التي بناها الأسد الوارث -على نحو مختلف لما بنيت عليه ليبيا وتونس وحتى مصر مبارك- كما ذهب الحالمون بالربيع والديمقراطية والعدالة في منح الفرص وتوزيع الدخل.
دون أن يفنّد القائل، أسباب وثمن بقاء الأسد الابن على كرسي السلطة، أو حتى من يتحكم بكل ما ينسب لبشار الأسد، ولا يتطرق المحاجج للدور الذي قام به الرئيس الصوري وبالأخص حول المؤامرة التي ادعى أنه اكتشفها منذ أيام ثورة السوريين الأولى، وكيف نفذها حتى ما قبل فصلها التقسيمي الختامي، رغم ادعائه أنه باق ليتصدى لها.
مع ذلك، وبالتسليم جدلاً بمنطق الواقع، ترى ماهي الأثمان التي دفعها بشار الأسد من واقع سورية ومصير أهليها؟ حتى سكت الكبار عن جرائمه التي وصلت ضرب السوريين بالأسلحة الكيماوية؟ وما الضرائب التي مني بها الاقتصاد السوري، والتي لن تنتهي آثارها وتبعات إعادة ترميمها لأجيال.
قصارى القول: بدد بشار الأسد احتياطي سورية من القطع الأجنبي البالغ قبل آذار/مارس 2011 نحو 18 مليار دولار، بل وزادت ديون سورية الخارجية على 11 مليار دولار، وأوصل عبر سياسته الممانعة نسبة الفقر لأكثر من 52 في المائة بعد أن أصبح نحو 4.5 مليون سوري تحت خط الفقر الشديد.
وربما غني عن القول إن خسائر سورية عبر الحرب على الثورة تعدت 250 مليار دولار، وفق أقل التقديرات، مما يطرح سؤالاً، ليس على مدعي صمود الأسد فحسب، بل وعلى من يطيل في عمره ليوصل سورية لما رسموا لها أن تصل.
ماذا بقي لدى الرئيس السوري من رشاوى ليدفعها لقاء بقائه على قيد الحكم بعد القتل والتخريب والتهجير وتأجير حتى ثروات سورية، لشركاء العقيدة في طهران وعودة ثنائية القطبية في موسكو، بل وإيصال السوريين لطلب أي خلاص، ينجيهم من الذبح هنا وبراميل موت من هناك ؟!.
في محاولات البحث عن إجابة، ربما لم يبق لدى النظام والاقتصاد السوري ما يغري ويدفع لسكوت من قال "ارحل" منذ أول دم أريق في الثورة، اللهم إلا بعض سياسة تقتضيها المرحلة والمنطقة وخلق نموذج يقاس عليه الشرق الأوسط الجديد، وخاصة بعد الاستغناء عن نوري المالكي في العراق، ولملمة متطرفي الكون للبدء بإعادة رسم الجغرافيا على حسب مقتضيات التاريخ.
نهاية القول: ثمة مساع محمومة اليوم، لطرح "أصول سورية" للبيع، في عملية خصخصة لملامح قطاع حكومي، لم تبق منه الحرب، إلا بعض موجودات ثابتة، إذ تعدت الوقائع مراحل التخمين، بعد الترويج لدخول شركات ورساميل إيرانية وصينية وروسية على خط تمويل النظام المفلس، ولو عبر مقايضة الشركات السورية بالسلاح أو الغذاء ليضمن، وإن لأجل، قوت وبقاء من يقف معه في التصدي للمؤامرة الكونية.
بيد أن الأسد تناسى، أو ربما فات مستشاروه النصح، أن رأس المال إن كان جباناً يتردد في الاستثمار في مناخات غير مؤاتية، فهو ليس أحمق ليدخل في دوائر نار لن تخمد لعقود، مما يعني أن هذا الأمل ضرب من الأحلام، وعلى الأرجح لن يجد الأسد الابن من يشتري بقاءه، مهما كسر في السعر وعاند وأسرف في الترويج.