تسبّب هجوم النظام السوري والمليشيات مدعوماً بغارات روسية، المتواصل على شمال حلب، بمأساة إنسانية كبيرة مع نزوح آلاف المدنيين السوريين من المنطقة وتشرّدهم قرب الحدود التركية. ويأتي ذلك تزامناً مع ارتفاع الحديث عن إمكان حصول تدخّل عسكري للسعودية وحلفائها في سورية، أثار تخوّف النظام.
وتواصلت المعارك والقصف الروسي العنيف على ريف شمال حلب أمس السبت، مقابل إصرار واضح من المعارضة على المواجهة، حيث تستميت في الدفاع عن مدن الريف وبلداته. وسيطرت المليشيات على المزيد من المواقع إثر تمكّنها من فتح طريق من شرق مدينة حلب إلى بلدتي نُبّل والزهراء منذ أيام، إثر قصف من الطيران الروسي. وأفاد الناشط الإعلامي، ياسين أبو رائد، بأن المليشيات تقدّمت إلى الشرق من بلدة الزهراء لتسيطر على بلدتي ماير، ورتيان، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الطيران الروسي دمر بشكل كامل بلدة رتيان ومعرست الخان القريبة منها، إضافة إلى تدميره بشكل شبه كامل بلدة عندان على الرغم من كونها بعيدة عن خط الاشتباك، حيث شن عليها نحو 120 غارة خلال خمسة أيام.
وأوضح أبو رائد أن حركة النزوح من مدن وبلدات وقرى ريف حلب الشمالي لا تزال مستمرة جراء القصف الجوي، مشيراً إلى أن آلاف المدنيين هُجروا من بيوتهم، وأغلبهم اتجه نحو الحدود السورية التركية وسط ظروف "مأساوية"، في واحدة من أقسى موجات النزوح خلال سنوات الثورة، حيث بدأت ترتفع أصوات محذرة من إفراغ هذا الريف من أهله.
من جهته، أفاد الصحافي فراس ديبا، بأن مثلث ريف حلب الشمالي (تل رفعت، مارع، أعزاز) بات معزولاً تماماً عن مدينة حلب، موضحاً أن مدينة مارع محاصرة من ثلاث جهات من قِبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والذي يرصد نارياً الجهة الرابعة. وذكر ديبا أن مدينة حلب ليست محاصرة، مشيراً إلى أن طريق الكاستيلو لا يزال مفتوحاً باتجاه الريف الغربي، ومن ثمّ إلى مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وريفها.
وظهرت دعوات من عدة أطراف تحض كتائب الجيش السوري الحر على توحيد الجهود لمواجهة هذه الهجمة الكبيرة من قِبل قوات النظام وروسيا، ووضع استراتيجيات جديدة تواكب التطورات الميدانية، خصوصاً في ظل تأكيد روسيا المتكرر أنها لن توقف قصف الطيران على الرغم من الدعوات من جهات أممية وقوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية لإيقاف قصف المدنيين.
اقرأ أيضاً: الائتلاف السوري يطالب مجلس الأمن بإدانة "العدوان الروسي"
وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس العسكري في حلب سابقاً العميد زاهر الساكت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الخيار الأمثل أمام فصائل الجيش السوري الحر لصد الهجمة هو الدخول إلى قلب مدينة حلب، ومن عدة اتجاهات وتوجيه الضربات لقوات النظام والمليشيات الموجودة في محيط المدينة لإرباكها. وأشار الساكت إلى أن السيطرة العسكرية القائمة على سياسة "الأرض المحروقة"، وهي التي اتبعها الطيران الروسي شمال حلب "لا تعني الانتصار"، داعياً إلى التحوّل إلى "حرب العصابات، خصوصاً أنه ليس لدى النظام قوات كافية للإمساك بالأرض".
وأوضح الساكت أن "خسارة معركة لا تعني نهاية الحرب"، مشيراً إلى أن المعارضة السورية قادرة على خوض "حرب المدن والانتصار فيها"، مؤكداً أن الحرب داخل المدن "تحيّد الطيران". ولفت إلى أن الطيران الروسي "أحرق الأرض" أمام قوات النظام والمليشيات لكي تتقدّم ولولا قصف الطيران "الوحشي" لما استطاعت هذه القوات التقدم في ريف حلب الشمالي، ولا في أي منطقة في سورية.
ويبقى المدنيون السوريون من يدفع الثمن الأكبر لهمجية روسيا والنظام، مع تجمّع ما يقارب 35 ألف نازح على الحدود السورية التركية خلال اليومين الماضيين. وأعلن والي ولاية كيليس التركية المواجهة لمحافظة حلب، سليمان تابسيز، ارتفاع عدد النازحين السوريين على الحدود خلال اليومين الماضيين إلى ما بين 30 و35 ألف مواطن سوري، بينما من المرجح ارتفاع العدد خلال الساعات المقبلة إلى 70 ألفاً مع استمرار الغارات الروسية العنيفة على المنطقة.
وشدد تابسيز على أن "حدودنا ليست مغلقة، ولكن في المرحلة لا نرى بأن هناك حاجة لإدخال النازحين السوريين إلى داخل الأراضي التركية"، موضحاً "أننا قمنا بتقديم مساعدات لهم من خيم وطعام وأغطية، وأقمنا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة حوالي 8 مخيمات على الجانب السوري من الحدود، أمّنت المأوى لحوالي 60 ألف لاجئ، ونعمل على رفع قدرة هذه المخيمات".
وبينما تتعرض الحكومة التركية لضغوط شديدة من قبل الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق اللاجئين، من خلال تغيير سياساتها في منح تأشيرات الدخول أو السماح للاجئين السوريين للدخول إلى أراضيها، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بعد اجتماع مع نظرائه الأوروبيين في أمستردام أمس، أن تركيا لا تزال تعتمد "سياسة الحدود المفتوحة" أمام اللاجئين السوريين، من دون تحديد موعد للسماح لآلاف السوريين العالقين على معبر حدودي مع تركيا بالدخول إلى بلاده.
اقرأ أيضاً: احتشاد آلاف السوريين على الحدود التركية يخلق "كارثة إنسانية"