وظلت العلاقة بين البلدين توصف بأنها الأكثر توتراً في المنطقة بسبب سياسيات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، التي تصفها السعودية بالعدائية ضد شعبه وجيرانه. وازدادت تلك العلاقة توتراً بعد تأييد حكومة المالكي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وإطلاق يد الميليشيات في المناطق العراقية، وأخيراً مهاجمة ساحات الاعتصام في الحويجة والفلوجة وقتل العشرات من المعتصمين.
إلا أنه منذ تشكيل حكومة العبادي في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، زارت ثلاثة وفود عراقية رفيعة المستوى الرياض. كان أولها وزير الخارجية إبراهيم الجعفري ثم رئيس الجمهورية فؤاد معصوم وأخيراً رئيس البرلمان سليم الجبوري، فيما من المقرر وفقاً لتسريبات حكومية زيارة وفد حكومي يرأسه العبادي للرياض قبيل انعقاد مؤتمر المصالحة الوطنية العراقية الذي يجري الترتيب له برعاية أميركية ودعم خليجي وأردني واضح، فيما لم يزر أي وفد سعودي بغداد بعد الزيارات العراقية الثلاث.
ووفقاً لرئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، فإن الرياض وافقت على إعادة فتح سفارتها في بغداد بعد 24 عاماً من إغلاقها عقب حرب الخليج الأولى وتسمية سفير مقيم فيها.
من جهتها، تكشف مصادر حكومية عراقية لـ"العربي الجديد" عن "وجود شروط سعودية لعودة علاقتها مع العراق إلى ما يمكن وصفه بالطبيعية". وتشير المصادر من داخل حكومة العبادي إلى أن "السعودية ترغب بنظام سياسي عراقي غير طائفي، والتخلي عن دعم الأسد ولو سياسياً وتحقيق مطالب العرب السنة".
وقالت المصادر إن "جميع الطلبات السعودية التي تطرقت إليها خلال زيارة مسؤولين عراقيين لها، جاءت في ورقة البرنامج الحكومي العراقي بشكل أو آخر، لكن ضمن جدول زمني قد يستمر لأكثر من عامين". ووفقاً للمصادر، فإن هذا الأمر "يجعل تطوير تلك العلاقة رهينة بأحداث قد تطرأ خلال الفترة المقبلة، وتساهم سلباً أو إيجاباً في تحقيق المصالحة بين البلدين الجارين، مشيرةً إلى أنها "لن تخلو خلالها من العصي الإيرانية وتقلّب مزاج العملية السياسية بالعراق أو سياسة السعودية الخارجية".
ويمكن للسعودية تأدية دور مهم وفعال في العراق من خلال إقناع الشارع بالحوار ونبذ التنظيمات المتطرفة، فضلاً عن دعم الشخصيات الصحيحة التي يمكن أن تخلق بدورها نخبة سياسية قادرة على إدارة الطائفة السنية في البلاد، بعد نجاح المالكي في إسقاط غالبيتهم شعبياً أو سياسياً.
وعلى الرغم من مقاطعة الرياض للحزب الإسلامي العراقي (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق)، إلا أنها قد تجد نفسها مجبرة على التعامل معه، على اعتبار أنه أبرز الأحزاب، وأكثرها نفوذاً وتنظيماً في البرلمان أو الشارع العراقي.
في المقابل، فإن بغداد ستكون مستفيدة من عودة العلاقات وبدء التحرك السعودي في العراق، إذ ستكون قد كسبت جبهة سياسية باردة وايجابية، وكذلك جبهة أمنية أقل سخونة من السابق. كما أن عودة العلاقات تعني استئناف ضخّ النفط العراقي عبر ميناء ينبع السعودي من خلال الخط الاستراتيجي العملاق بين البلدين المتوقف منذ 24 عاماً، وذلك في وقتٍ يحتاج فيه العراق حالياً إلى رفع سقف الإنتاج والتصدير لمواجهة العجز الكبير في الميزانية.
في المقابل، ستكون الرياض قد حصلت على مكسب واحد، يتمثل في كسب نقطة لصالحها في ساحة تنافسها مع طهران في المنطقة.
ويؤكد النائب العراقي، محمد الجاف، أن "إيران تبدي انزعاجاً واضحاً من الحرارة الأخيرة في العلاقات السعودية العراقية وزيارة المسؤولين العراقيين المتكررة للرياض". ويلفت إلى أنه "يمكن التحقق من ذلك من خلال تأكيدات وزير الخارجية إبراهيم الجعفري وعدد من نواب التحالف الوطني (المؤيد لإيران) على أن إعادة تطبيع العلاقة مع الرياض لن تكون على حساب طهران، والمقصود هو نفوذ إيران في العراق".
من جهتها، تسعى الولايات المتحدة لإعادة العراق إلى حاضنته العربية من خلال بوابة السعودية ضمن عملية تقليم أظافر إيران في العراق. كما أنها تحاول تهيئة قاعدة عربية سنيّة مستقرة، بعدما تأكدت أنها قادرة على إرباك جميع أوراقها. كذلك تسعى الإدارة الأميركية إلى سحب العراق من المعسكر الإيراني الروسي الداعم للرئيس السوري.
ويقول المحلل السياسي العراقي فؤاد علي، لـ"العربي الجديد" إن "الولايات المتحدة تدفع بالقادة العراقيين الجدد لتحسين العلاقات مع السعودية بأي شكل من الأشكال لأسباب عدة، أهمها أن أربعة فصائل مسلحة يمكن السيطرة عليها من خلال الرياض لتكون نداً معارضاً لتنظيم داعش، وهي الجيش الإسلامي، جيش المجاهدين، كتائب ثورة العشرين وقوات العشائر المسلحة المعروفة باسم المجلس العسكري لعشائر العراق".
ويوضح علي "أنّ المكاسب التي سيحققها العراق في حال تطبيع العلاقات وعودتها إلى سابق عهدها أكثر بكثير من التي ستحققها السعودية، لكن هناك من يحاول وضع العصي في عجلة تطوير العلاقة"، متهماً "الجناح المحافظ في التحالف الوطني الذي يتزعمه المالكي، والذي يرى في عودة تلك العلاقات تهديداً لمصالح إيران التي تمثل حليف أعضاء التحالف الأول. وبالتالي هم ينفذون رغبة إيرانية داخل التحالف والبرلمان".
كلام يؤكده القيادي في التيار الصدري حسين البصري، بقوله لـ"العربي الجديد" إن "السعودية، في حال كانت جادة في الملف العراقي، يمكن أن تؤدي دوراً إيجابياً لتبريد الساحة السنية بالدرجة الأولى".
ويرى البصري أنّ "القادة العراقيين سيقبلون بأي صفقة تعيد أو تساعد على إعادة الأمن والاستقرار للعراق، ووقف نزيف الدم بما في ذلك بيع الأسد"، في إشارة إلى موقف حلفاء إيران في العراق المؤيد للأسد.
ويضيف البصري: "الجميع بات مقتنعاً بأن الوضع العراقي رهينة صفقات دولية كبيرة، تتعلق بسورية والصراع السعودي الإيراني، ونحن يجب أن نقدم مصالحنا على مصالح غيرنا".