في قلب العاصمة الأردنية عمان، وتحديداً في نهاية شارع طلال بمنطقة سقف السيل، يقع "سوق الجمعة"، المعروف باسم "سوق الحرامية"، إذْ يضمُّ نحو 30 محلاً صغيراً، وأكثر من 50 بسطة، ليكون ملاذاً للمواطنين غير المقتدرين مادياً في شراء حاجاتهم.
تتنوَّع البضائع الموجودة في السوق، وجميعها مستعملة، من الخردوات والكهربائيّات وأفران الغاز والأدوات الصحية وبعض النحاسيات والتحف الشرقية، إضافة إلى المراوح وخلاطات "المولينكس"، والمكانس الكهربائية والتلفزيونات القديمة.
كما أن تجار السوق امتهنوا أيضاً تصليح كافة الأدوات بلا استثناء، بحثاً عن رزقهم من هذه المهن الشريفة، وخاصة أن السوق يشهد رواجاً وانتعاشاً اقتصادياً في فصل الشتاء، نظراً لإقبال الناس على شراء المدافئ بكافة أنواعها، أو تصليح المدافئ الموجودة عندهم في الأساس، وإجراء الصيانة لها استعداداً لفصل الشتاء.
ولا يخلو السوق من زيارات الوفود السياحيَّة خلال فترات الصباح، والتقاط الصور التذكارية في أرجاء السوق العابق برائحة الزمان، ومهنٍ انقرضَت ولا توجد إلا في هذا السوق، وأبرزها على الإطلاق "مصلح البوابير"، بالإضافة إلى وجود مقهى صغير مختص بتأمين احتياجات العاملين في السوق من القهوة والشاي وكافة المشروبات الساخنة، ضمن طقوس جميلة، ربما لا يجدها الزائر إلا في "سوق الحرامية".
يوضَّح أمجد العياصرة، صاحب أقدم محل في السوق، ورثه عن والده، لـ"العربي الجديد"، أنَّ اسم السوق المعروف بـ"سوق الحرامية" فيه ظلم للمكان ولأصحاب المحال، إذْ إنَّ اسمه الحقيقي "خان الخليلي" على غرار الأسواق الموجودة في مصر أو سورية. ولأنَّ البضائع الموجودة مستعملة، يعتقد الجميع أنَّها وصلت إلى المكان بطريقة غير شرعية ومن خلال السرقة، وهذا الأمر الذي يرفضه التجار جملةً وتفصيلاً. ويؤكد العياصرة أن جميع المحال التجارية الموجودة في السوق مرخصة من قبل أمانة عمان الكبرى، والجميع يدفع الضرائب، مطالباً بتغيير اسمه إلى "سوق الشرفاء". ويشير العياصرة إلى أنَّ المقيمين في السوق حالياً هم من أصحاب المحلات، وكل واحد منهم لديه بيته وعمله، وبالتالي هم ليسوا "حرامية" بالتأكيد، مضيفاً أنَّ الناس سابقا كانوا يخافون النزول إلى سوق الحرامية، أما الآن، فأصبح السوق مفتوحاً للجميع. ويبين أن السوق يضم أدوات للبناء و"بطاريات الحنفيات". وكان السوق يحتوي على بازارات للتحف، اختفت في الوقت الحالي، بسبب انخفاض عدد السياح القادمين إلى السوق، إثر افتتاح العديد من البازارات في أماكن أخرى.
ويقول أشرف صديق، وهو عامل يحمل الجنسية الباكستانية، إن أغلب بضائع السوق تأتي من "السرّيحة"، وهم أشخاص يبحثون داخل الحاويات في الليل، ويجدون بعض الأغراض بدون معرفة قيمتها الحقيقية، فيبيعونها داخل السوق، لتجد لها زبائن يبحثون عن بعض القطع النادرة لبعض الحاجيات المنزلية لديهم؛ إذ إن العديد من الزبائن هم من عمان الغربية.
من ناحية أخرى، يقول أحد أقدَم تُجّار السوق حالياً، ميخائيل هلسة، إنَّه يعمل فيه منذ 50 عاماً، ويبيع حاليا الملابس المستوردة من أوروبا، مُشيراً إلى أنّ السوق اختلف عما كان عليه سابقاً بشكل كبير؛ إذ كان يبيع القمصان بـ5 دنانير، أما الأن فيبيع 5 قمصان بدينارين فقط؛ إذ كانت الأمور المادية أفضل من الوقت الحالي بدون مقارنة.
ويقول أحمد البرديني، الذي يعمل في السوق منذ 1987، إن المحل الذي يعمل فيه قائم منذ أكثر من 35 عاما؛ إذ يعمل في صيانة "بوابير الكاز" التي تستعملها الكثير من العائلات في الشتاء للتدفئة وتسخين المياه للاستحمام، إضافة إلى عمله في صيانة الأراجيل لكبرى محلات "الكوفي شوب" في عمان الغربية.
في هذا السياق، يقول الكاتب عصام قضماني: "هذا سوقٌ للبؤساء، يذهبُ إليه الباحث عن أقلّ التكاليف، ويبيعُ فيه المحتاج لأقلّ قدرٍ من المال. وفيه سلعٌ باليٌة، ملامحها تشبه ملامح روادها، وتشبِع تفاصيل حياتهم، أفراحهم وأحزانهم، يفرح المتسوق فيها إن عثر على مدفأةٍ نصف متعافية بثمن بخس، فيحملها عائداً إلى بيته، وأمله أن يلتف الأولاد حولها، حتى لو كان سطحها خالياً من الكستناء، فربما رغيف خبز يكفي وزيادة".