02 أكتوبر 2024
سياسة المحاور في المنطقة العربية
ثمّة اليوم ثلاثة محاور إقليمية كبرى، تتنافس على استقطاب العالم العربي، وهي الإيراني والتركي والسعودي الإماراتي. وقد بدأت هذه المحاور تتبلور وتظهر بقوة على السطح، منذ اندلاع ثورات الشعوب العربية عام 2011 وما تلتها من ثوراتٍ سارعت في إحداث تحولاتٍ كبرى، أدت إلى إعادة النظر في المنطلقات العقائدية والإيديولوجية والسياسية التي لم تعد المحدد الوحيد لبناء تحالفات دوغمائية، كالتي كانت سائدة إبّان فترة الحرب الباردة.
وليست سياسة المحاور أمرا جديدا في المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا، التي لم تهدأ فيها الصراعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على خلاف باقي دول المعمورة ومناطقها. فهذه المنطقة ظلت دائما مسرحا لانعكاسات صراعات خارجية بين قوى دولية كبرى، تحركها مصالحها، وتسعى إلى تحقيق أهدافها.
وفي ظل الاضطرابات الكبرى التي تشهدها المنطقة اليوم، عادت سياسة المحاور لتبرز بقوة، مؤججة التنافس بين أطراف المثلث الإقليمي الأساسية التي تتحكم في أوراق اللعبة داخله، وهي إيران وتركيا والحلف السعودي الإماراتي، فهذه القوى الإقليمية التي تعتبر اليوم الأكثر تأثيرا في صناعة خريطة تفاعلات المنطقة، تسعى كل منها إلى استقطاب الدول التي تسير في ركبها، أو هي في حاجة ماسة إلى دعمها، لتقوية محورها في مواجهة منافسها.
فبعد الانقلاب العسكري الذي شهدته القاهرة عام 2013، تراجع دور مصر الإقليمي والعربي، وهي الدولة العربية الكبرى التي كانت مؤهلة لبناء وقيادة محور عربي قوي، يقود كل الدول
العربية. لكن بعد الانقلاب على أول رئيس مصري منتخب بطريقة ديمقراطية، سينخرط حاكم مصر العسكري في محور أكبر، هو المحور المضاد لثورات الشعوب العربية، بقيادة السعودية والإمارات. وهو يعتبر محرّك الثورات المضادة لكل تغيير ديمقراطي في المنطقة، ويستمد نفوذه من قوته المادية ومن تقاربه مع إسرائيل، واعتماده على تواطؤ أميركا، يشمل كل دول الخليج، ما عدا قطر وعُمان، ويمتد إلى مصر وحتى شرق ليبيا في المناطق التي يسيطر عليها المشير خليفة حفتر المدعوم من الإمارات ومصر. وقد سعى هذا المحور، في البداية، إلى بناء ناد للملكيات العربية، يضم دول الخليج بالإضافة إلى الأردن والمغرب، وعلى الرغم من أن المسعى فشل، إلا أن خيط الود والتقارب لم ينقطع بين الدول الملكية.
وفي مقابل هذا المحور الذي يستمد عقيدة وجوده الإيديولوجية من محاربة المد الإيراني، يوجد المحور الإيراني الذي يعتمد على انتمائه العقائدي الشيعي، لتسهيل تغلغله في المنطقة. وبدأ مبكرا في استقطاب الدول ذات الأكثرية الشيعية، في لبنان والعراق مثلا، واستغل الحرب في سورية، والفوضى التي دخل إليها اليمن، لفرض نفسه قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.
وإلى جانب هذين المحورين، سعت تركيا، القوة الإقليمية الناهضة، إلى بناء محورها المرتكز على الإسلام السياسي قاسما مشتركا، قبل أن تنتكس تجارب هذا التيار السياسي في الحكم في أكثر من دولة عربية، لتعيد صياغة تحالفاتها الجديدة، معتمدة على قوتيها، الاقتصادية والعسكرية، فقامت بتوطيد علاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع قطر، واتجهت نحو القارة السمراء لتعزيز علاقاتها مع السودان، وإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر، بعد أن ركزت وجودها في الصومال وجيبوتي، وتبني اليوم علاقات أقوى مع تونس والجزائر وموريتانيا.
ما تشهده اليوم المنطقة العربية من حالة استقطاب حادة، لم يسبق أن عرفتها في السابق، استوجبتها التطورات السياسية المتلاحقة التي أدت إلى تعقُّد المشهد السياسي الإقليمي، بعد التدخلين، الروسي والإيراني، في شؤون المنطقة، وتراجع الدور الأميركي المقصود، وبروز قوى إقليمية مؤثرة وطموحة. وما يميز التحالفات الجديدة أنها ليست إيديولوجية، وإن كان
الإيديولوجي يتداخل فيها مع السياسي والاقتصادي والعقائدي، إلا أن دوره أصبح يتراجع، مفسحاً المجال أمام المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لأقطاب هذه المحاور التي تبنى على حساب مصالح الشعوب العربية. لكن هذا لا ينفى دورها السلبي في المساهمة في تمزيق المنطقة، وفي القضاء على كل محاولات التغيير الديمقراطي التي حملت شعاراتها ثورات شعوبها، وفي إضعاف القوة العربية، ما أخلّ بمعادلة التوازنات الإقليمية المتأرجحة، والمختلة أصلا، لصالح القوى المعادية للمصالح العربية. وقد أدخلت سياسة المحاور المنطقة مرحلة استقطاب حاد، قد تصل مستقبلا إلى مرحلة الصدام، وما الأزمات التي تشهدها المنطقة اليوم والحروب المشتعلة في أكثر من دولة عربية إلا انعكاس لحدة الصراع بين مصالح (وأغراض) هذه المحاور التي تمزق المنطقة العربية.
لقد أعطت ثورات الشعوب العربية الأمل في قيام تحالف عربي قوي، قطبه الأساسي في مصر، وركائزه هي الديمقراطيات العربية التي أجهضت بعد القضاء على ثورات شعوبها. وكان من شأن ذلك التحالف، لو كتب له أن يرى النور، أن يعيد بناء التوازن الإقليمي في المنطقة، وأن يستعيد استقلالية القرار العربي الموزع اليوم بين المحاور التي تقتسم الخارطة العربية، ويحمي المنطقة من التدخلات الأجنبية التي لا تخدم سوى مصلحة بلدانها.
الغائب الكبير في سياسة هذه التحالفات والمحاور هذه، هي إرادة شعوب المنطقة، ومهما تقوّت هذه التحالفات عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ستظل هشة أمام كل الإرادة الحقيقية للشعوب العربية، عندما يحين موعد استعادتها زمام أمورها.
وليست سياسة المحاور أمرا جديدا في المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا، التي لم تهدأ فيها الصراعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على خلاف باقي دول المعمورة ومناطقها. فهذه المنطقة ظلت دائما مسرحا لانعكاسات صراعات خارجية بين قوى دولية كبرى، تحركها مصالحها، وتسعى إلى تحقيق أهدافها.
وفي ظل الاضطرابات الكبرى التي تشهدها المنطقة اليوم، عادت سياسة المحاور لتبرز بقوة، مؤججة التنافس بين أطراف المثلث الإقليمي الأساسية التي تتحكم في أوراق اللعبة داخله، وهي إيران وتركيا والحلف السعودي الإماراتي، فهذه القوى الإقليمية التي تعتبر اليوم الأكثر تأثيرا في صناعة خريطة تفاعلات المنطقة، تسعى كل منها إلى استقطاب الدول التي تسير في ركبها، أو هي في حاجة ماسة إلى دعمها، لتقوية محورها في مواجهة منافسها.
فبعد الانقلاب العسكري الذي شهدته القاهرة عام 2013، تراجع دور مصر الإقليمي والعربي، وهي الدولة العربية الكبرى التي كانت مؤهلة لبناء وقيادة محور عربي قوي، يقود كل الدول
وفي مقابل هذا المحور الذي يستمد عقيدة وجوده الإيديولوجية من محاربة المد الإيراني، يوجد المحور الإيراني الذي يعتمد على انتمائه العقائدي الشيعي، لتسهيل تغلغله في المنطقة. وبدأ مبكرا في استقطاب الدول ذات الأكثرية الشيعية، في لبنان والعراق مثلا، واستغل الحرب في سورية، والفوضى التي دخل إليها اليمن، لفرض نفسه قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.
وإلى جانب هذين المحورين، سعت تركيا، القوة الإقليمية الناهضة، إلى بناء محورها المرتكز على الإسلام السياسي قاسما مشتركا، قبل أن تنتكس تجارب هذا التيار السياسي في الحكم في أكثر من دولة عربية، لتعيد صياغة تحالفاتها الجديدة، معتمدة على قوتيها، الاقتصادية والعسكرية، فقامت بتوطيد علاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع قطر، واتجهت نحو القارة السمراء لتعزيز علاقاتها مع السودان، وإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر، بعد أن ركزت وجودها في الصومال وجيبوتي، وتبني اليوم علاقات أقوى مع تونس والجزائر وموريتانيا.
ما تشهده اليوم المنطقة العربية من حالة استقطاب حادة، لم يسبق أن عرفتها في السابق، استوجبتها التطورات السياسية المتلاحقة التي أدت إلى تعقُّد المشهد السياسي الإقليمي، بعد التدخلين، الروسي والإيراني، في شؤون المنطقة، وتراجع الدور الأميركي المقصود، وبروز قوى إقليمية مؤثرة وطموحة. وما يميز التحالفات الجديدة أنها ليست إيديولوجية، وإن كان
لقد أعطت ثورات الشعوب العربية الأمل في قيام تحالف عربي قوي، قطبه الأساسي في مصر، وركائزه هي الديمقراطيات العربية التي أجهضت بعد القضاء على ثورات شعوبها. وكان من شأن ذلك التحالف، لو كتب له أن يرى النور، أن يعيد بناء التوازن الإقليمي في المنطقة، وأن يستعيد استقلالية القرار العربي الموزع اليوم بين المحاور التي تقتسم الخارطة العربية، ويحمي المنطقة من التدخلات الأجنبية التي لا تخدم سوى مصلحة بلدانها.
الغائب الكبير في سياسة هذه التحالفات والمحاور هذه، هي إرادة شعوب المنطقة، ومهما تقوّت هذه التحالفات عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ستظل هشة أمام كل الإرادة الحقيقية للشعوب العربية، عندما يحين موعد استعادتها زمام أمورها.