وفي حوار قديم، لبيب غوارديولا، وضع الفيلسوف الكتالوني بوسكيتس في منزلة أساطير اللعبة، وأكد أن لاعب وسط برشلونة هو أفضل ارتكاز دفاعي في العالم، نتيجة حسه التكتيكي رفيع المستوى، وقدرته على التحكم في مجريات اللعب بعقله قبل أقدامه، مثل اللاعبين الكبار كتشافي، بيرلو، وإنييستا.
الكلاسيكو
وفي الكلاسيكو الأخير بين ريال مدريد وبرشلونة، لم يسجل بوسكيتس أي هدف، ولم يصنع أي "أسيست"، وقام فقط بمراوغة واحدة صحيحة، لكنه قدم مباراة عظيمة بلغة التفاصيل، وأضاف عمقاً حقيقياً إلى تشكيلة برشلونة، مما أعطى أريحية كبيرة لخط الدفاع، وحرية مضاعفة لنجوم الخط الهجومي الأخير.
يقوم بوسكيتس بدور اللهو الخفي داخل المستطيل، فهو ليس باللاعب صديق الكاميرات، وتجده بعيداً تماماً عن نقاط التقييم العالية التي تصدرها شركات الإحصاءات سواء دفاعياً أو هجومياً، لكنه يقدم القيمة المضافة، فيما يعرف فنياً بـ"ما وراء التفصيلات"، ويجيب عن الأسئلة الإجبارية التي ترتبط بكيفية تأمين الخط الدفاعي، وطرق وصول التمريرات إلى صناع القرار في نصف ملعب الخصوم.
عبق التسعينيات
سارت قواعد كرة القدم في الألفية الجديدة وفق النظرة الإنجليزية، التي تعتبر لاعب الوسط أقرب إلى النسخة البدنية القوية، لكن بوسكيتس على النقيض تماماً، إنه اللاعب الذي يتصرف بالعقل، التفكير، الحسابات، وبكل تأكيد التمركز. لذلك تشعر عندما تشاهده وكأنك في حضرة نجم من التسعينيات، بكل ما عُرف عن هذه الحقبة من ذكاء كروي فطري.
بوسكيتس هو الارتكاز "Holding" الذي يبدأ دوره من أمام مرمى فريقه، وليس فقط من خط الوسط، ولا يكتفي بدوره في التغطية الخلفية وقطع الكرات، بل التمركز بين قلبي الدفاع عند بناء الهجمة، بالإضافة إلى تحركه المستمر في شكل قطري، حتى يُجبر الخصم على اتباعه ومراقبته، مما يجعل هناك فراغاً أكبر لتحرك زملائه.
يطلب بوسكيتس الكرة باستمرار، لذلك يتجمع حوله أكبر عدد ممكن من لاعبي الريال، ظناً أنه اللاعب الأقرب إلى استقبال الكرات، مما يُسهل كثيراً من مهام بقية فريقه، وبالتالي حصل ألبا على فرصة سهلة للهروب من الرقابة، والصعود إلى نصف ملعب الملكي بدون رقابة في الدقيقة 45 من عمر الشوط الأول.
قراءة اللعب
أخطبوط بادياً ليس قوياً في العرقلة أو السرعة الرهيبة، لكنه عبقري بحق في تمركزه، وشغله الفراغات أثناء فقدان الكرة. مع كل هجمة لريال مدريد، تجد بوسكيتس دائماً في المكان السليم، عينه على الكرة فقط وليس المنافس، لذلك قبل الوصول إلى لاعب الريال، يتحرك بوسكيتس ويحصل على الكرة بكل هدوء.
أفكار التمركز والحيازة بعبقرية سليمة، لأن العبرة فقط ليست في الاحتفاظ بالكرة، بل في حجز المكان المناسب لتضييق الخناق على الخصم، وإجباره على إعادتها لك من جديد، وهذا ما أتقنه بشدة سيرجيو. لذلك في حالة وجود هفوة من أحد زملائه، يصعد بوسكيتس في الوقت المثالي ويغلق زوايا التمرير أمام لاعب الريال.
الإحساس بالمكان
يمتاز الريال بوجود أكثر من صانع لعب، ولعب بوسكيتس على مقربة من أخطر نجوم أصحاب الأرض، لذلك ظهر كالظل بجوار خاميس رودريجز، ومنعه تماماً من التصرف بحرية في كل لمسة له، وحتى بعد نزول إيسكو، تصرف بوسكيتس بالطريقة الذكية نفسها، من خلال اختياره المكان الصحيح، ومن ثم الحصول على الكرة من اللاعب الخصم بدون عناء.
بدون هدف
لم يسجل بوسكيتس ولم يصنع أهدافاً أمام الريال، لكنه ساهم تقريباً في الأربعة أهداف، وذلك على النحو التالي:
في الهدف الأول: لعب برشلونة مجموعة تمريرات مكثفة، بالطول والعرض، إلى الأطراف وإلى الخلف، ولكن العبرة ليست أبداً بالتمريرات، فكل هذا العمل يتم من أجل صناعة الفرصة، عن طريق تمريرة طولية مفاجئة، كانت من بوسكيتس إلى المنطلق سيرجي روبرتو.
في الهدف الثاني: ضغط سواريز على حامل الكرة مودريتش، وجعل الكرة تطول منه، لتصل إلى صاحب التمركز المثالي، بوسكيتس، في الموعد اتجه نحو مرمى نافاس سريعاً، من الأخطبوط إلى راكيتيتش، ثم إنييستا.
في الهدف الثالث: معظم لاعبي الفريقين في جانب واحد، بوسكيتس ينقل اللعب سريعاً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، تجاه ألفيش الذي يلعبها إلى إنييستا، حتى لقطة التسديد.
في الهدف الرابع: بدأت اللعبة من الأساس عن طريق الثنائي بوسكيتس وإنييستا، من خلال تبادل الكرات في أضيق مساحة ممكنة.
لاعب ارتكاز
"لا أفضل أن يتحدث الناس عني، لا بالسوء ولا بالجودة، لا أحب عمل حوارات، ولا أملك حساباً على تويتر، حتى في طفولتي، لم أقلد والدي حارس المرمى، وبدأت كمهاجم في الفئات السنية، حتى انتهى بي الحال كلاعب ارتكاز، المكان الذي أعشقه، ويعكس شخصيتي داخل وخارج الملعب. لا أسجل أي أهداف، بل يفعل المهاجمون ذلك، ولا أشعر بالانزعاج، بل العكس تماماً، أقدس دوري وأحترمه، ولا أريد غيره"، كانت هذه التصريحات مقتطفات من حديث سابق لبوسكيتس مع الصحافي سيد لو.
ليصف اللاعب نفسه بأدق تفاصيل ممكنة، ويرضى بدور صديق البطل الذي لا تلحظه أضواء الكاميرات، لكنه في قلب كل مدربيه، لأنه بمثابة مندوبهم داخل الملعب.
اقرأ أيضاً: بالفيديو..متعة "التيكي تاكا"..هدف البرسا الأول جاء بعد 36 تمريرة