33 عاماً على تحرير شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي لها، لكن بات معها التنسيق المصري الإسرائيلي في أوجه، إذ يشهد تنفيذ عمليات داخل سيناء، واجتياح إسرائيلي للمجال الجوي المصري بشكل دائم.
وعلى مدار عام ونصف العام تقريباً منذ بدء عمليات الجيش المصري في سيناء، بدعوى مواجهة الجماعات المسلّحة، لم تتوقف انتهاكات الجيش تجاه أهالي سيناء.
وهو ما يحصل تحديداً في قرى مدينتي الشيخ زويد ورفح، فضلاً عن تأزم الأوضاع المعيشية بفعل وقف الأنشطة التجارية.
اقرأ أيضاً: تردي الأوضاع الأمنيّة يكبّد سيناء خسائر فادحة
ولم يتمكن الجيش المصري من حسم معركته مع تنظيم "ولاية سيناء"، الذي أعلن مبايعته لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أواخر العام الماضي، فيما ظلت تنمية سيناء حلماً مغلفاً بالوعود الكثيرة التي ذهبت أدراج الرياح.
تنمية سيناء
عانت سيناء على مدى عقود من تهميش كبير، وتحديداً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، حتى جاءت ثورة يناير، وظن البعض أنها المخلّص من مشكلات متراكمة في "أرض الفيروز".
عقب ثورة 25 يناير، تزايدت الدعوات لتنمية سيناء، وكلّف المجلس العسكري حينها كمال الجنزوري بوضع الحكومة خطة تنموية شاملة في سيناء في كل المجالات، تستهدف جذب ثمانية ملايين مصري للإقامة والعمل في سيناء، إضافة إلى إنشاء محافظة ثالثة في منطقة وسط سيناء التي تتمتع بثروات معدنية وطبيعية كبيرة ويمكن إقامة مجموعة من الصناعات الكبرى فيها.
مع إجراء الانتخابات الرئاسية، وفوز محمد مرسي، تطرقت الحكومة في أغسطس/ آب 2012، لسرعة إجراءات تدعيم جهاز تنمية سيناء، وتوفير الاحتياجات والكوادر البشرية المطلوبة، وصاحب ذلك الإعلان عن تخصيص 10 ملايين جنيه للجهاز.
في يونيو/ حزيران 2013، أطلق مرسي خطة الدولة العاجلة للتنمية الشاملة في سيناء، بتخصيص مبلغ 4.4 مليارات جنيه كاستثمارات عامة في سيناء.
وعقب الانقلاب، رصدت حكومة حازم الببلاوي 4.4 مليارات جنيه لتنفيذ مشروعات التنمية في سيناء، منها 2.2 مليار جنيه من الخطة الاستثمارية و1.8 مليار جنيه من مشروعات الخطة العاجلة، و400 مليون جنيه من موازنات الهيئات الاقتصادية، وهو ما بدا أنه استكمال للخطة التي وضعها مرسي.
في المقابل، ربط الثنائي، الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، تنمية سيناء بمشروع تنمية محور قناة السويس والقناة الجديدة.
أزمات معيشية
وتعاني سيناء أزمات معيشية يومية، تتعلق بطبيعة عمليات الجيش اليومية ضدّ أهالي سيناء، خصوصاً في ظل وجود حظر التجوال، الذي كبّد أهالي سيناء خسائر فادحة، لجهة توقف نشاطات التجارة.
وتنقطع الخدمات بشكل يومي عن مختلف أرجاء سيناء، دون توضيح الأسباب من الحكومة والنظام الحالي، وهو ما عدّه البعض معاقبة للأهالي.
وأطلق نشطاء من سيناء وخارجها، حملة للمطالبة بإلغاء حظر التجول المفروض في المحافظة، وخصوصاً أنه يعود بالعبء على المواطنين، ولم يكن عاملاً حاسماً لمواجهة المسلحين. ودشنوا هاشتاغ "كفاية حظر"، وهي صرخة أطلقها أهالي سيناء إثر إعلان تمديده لثلاثة أشهر جديدة بدلاً من انتهائه أواخر إبريل/ نيسان الحالي.
التهجير
لعلّ أخطر ما في عمليات الجيش المصري، هو تهجير أهالي الشريط الحدودي. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، بدأت الحكومة المصرية بإنشاء منطقة عازلة على الشريط الحدودي مع قطاع غزّة، بعمق 500 متر كمرحلة أولى، قبل أن تزيدها إلى ألف متر في مرحلتها الثانية، من أجل محاصرة الإرهاب والقضاء على الأنفاق الحدودية.
وعلى الرغم من تأكيدات محافظ شمال سيناء، عبد الفتاح حرحور، في أكثر من مناسبة، الانتهاء من اختيار موقع مدينة رفح الجديدة، وإعطاء مَن جرى هدم منازلهم تعويضات مالية، غير أنه لا وجود لما ذكره على أرض الواقع، بحسب مصادر قبلية في سيناء.
وتدرس الحكومة المصرية والجيش زيادة المنطقة العازلة إلى بضعة آلاف (3 إلى 5 آلاف) كيلومتر خلال الفترة المقبلة، وهو ما لم يتم الإعلان عنه رسمياً، بيد أنه لا يزال في طور الدراسة.
ويعاني أهالي سيناء، وتحديداً في إطار المنطقة العازلة، من التشرّد وعدم وجود مأوى لهم ولعائلاتهم، حتى إن أعمال هدم المنازل في إطار خطة الحكومة، تمت خلال الأشهر السابقة في ظل امتحانات الطلاب وبرودة الطقس، دون اعتبار لأي شيء من قبل الجيش والحكومة.
انتهاكات
ناهيك عن هجمات المسلّحين، فإنّ أهالي سيناء يتعرضون أيضاً لانتهاكات من قبل الجيش، من قتل عشوائي واعتقالات، وسط تساؤلات حول قصف الجيش المصري لمنازل المدنيين بين الفترة والأخرى في سيناء، وتحديداً مدينتي الشيخ زويد ورفح.
ويعتبر مراقبون أن قصف منازل الآمنين من مدفعية الجيش وقذائف الدبابات، لا يمكن تفسيره إلا في ضوء سلسلة عمليات انتقامية من أهالي سيناء.
وتشمل عمليات قصف الجيش بمختلف أنواع طائرات "الأباتشي" والطائرات من دون طيار، "الزنانة"، وأخيراً مقاتلات "إف 16"، فضلاً عن الاعتقالات العشوائية.
وقُتل ما يزيد عن عشرة أشخاص وأُصيب عدد مماثل، مساء الأربعاء قبل الماضي، بنيران قوات الجيش المصري في الشيخ زويد.
وقالت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، إنّ المدفعية المصرية المتمركزة في "كمين الوحشي"، في مدينة الشيخ زويد، أطلقت قذائفها على منازل لعائلات منصور وعلي الهبيدي، في قرية الظهير، شرق الشيخ زويد، فقتلت على الفور عشرة أشخاص من بينهم سيدات، وأصابت أكثر من عشرة آخرين إصابات بعضهم خطيرة.
وأضافت أن "حملات الجيش التي يقوم خلالها بمداهمة وقصف منازل المواطنين عشوائياً على صعيد واسع، وسط انتهاكات مستمرة، تشكّل المصدر الرئيسي لتعاطف بعض أهالي سيناء مع الجهاديين الذين يحاربون الجيش".
وبحسب المصادر، فإن المخبرين الذين يعتمد عليهم الجيش من أهالي سيناء ويعرفون باسم "الجواسيس"، لهم دور كبير في حملاته، وإذا كان لدى هؤلاء خصومة مع أحد الأهالي فيتم هدم جميع المنازل في المنطقة، نظراً لأن الضابط لا يعرف الكثير عن طبيعة المنطقة وتعقيداتها عادة.
تنسيق إسرائيلي
التنسيق المصري الإسرائيلي حاضر بقوة في إطار العمليات العسكرية في سيناء، وهو أمر لا يخفيه الإعلام الإسرائيلي بين الحين والآخر، وهو ما يعكس التحوّل الذي باتت عليه العلاقات المصرية والإسرائيلية، فمن عدوٍ يسترد منه الأرض، إلى شريك في العمليات على تلك الأرض نفسها.
ولا يخفى على أحد في سيناء دخول الطائرات من دون طيار مجهولة، ويعتقد بشكل واسع أنها إسرائيلية، الأجواء المصرية لتنفيذ عمليات قصف وتحديداً أهداف داخل سيناء.
وتعرف تلك الطائرات لدى الأهالي بـ"الزنانة"، لأن صوتها معروف ومميّز عن طائرات "الأباتشي" التي يستخدمها الجيش بشكل أساسي في عملياته، فضلاً عن انضمام طائرات "F16" للعمليات ضدّ المسلحين، على حد تعبير الجيش.
وأخيراً، لا بد من ذكر "ولاية سيناء"، الذي تطورت قدراته عقب مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية"، بشكل بات أكثر إزعاجاً للجيش المصري، من خلال العمليات التي يقوم بها التنظيم على مدار عام ونصف العام.
اقرأ أيضاً: "داعش مصر" تهاجم "سلمية" الإخوان بعد حبس مرسي