تتكاثر الأسئلة حول المشهد في شبه جزيرة سيناء شرقي مصر في مرحلة ما بعد الظهور المفاجئ لتنظيم "جند الإسلام"، الموالي لتنظيم "القاعدة"، في مواجهة تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، وسيناريوهات العلاقة بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة. واعتماداً على ما جاء من تهديدات في بيان تنظيم "جند الإسلام"، فإن التوقع الأكبر يشير إلى أن العلاقة بين الطرفين ستكون ذات طابع عدائي، وعليه قد تشهد الأسابيع المقبلة مواجهات ميدانية وإعلامية بين التنظيمين، خصوصاً أن تنظيم "ولاية سيناء" لن يمر مرور الكرام على ما جاء في بيان "جند الإسلام" من اتهامات وتهديدات.
وهنا يتساءل كثير من المهتمين بمتابعة ما يحدث على الحدود الشرقية لمصر، عن موازين القوة لدى التنظيمين، وإمكانية دخولهما في مواجهة عسكرية. ويتصدر الجماعات المسلحة في سيناء كلها تنظيم "ولاية سيناء" من حيث العدد والعدة، إذ يمتلك نحو 700 مسلح، على الأقل، وفقاً لمصادر قبلية، بالإضافة إلى عتاد خفيف ومتوسط، ومركبات ذات دفع رباعي، ظهرت جميعها في عشرات الهجمات ضد قوات الأمن في شمال ووسط سيناء على مدار الأعوام الماضية. وفي المقابل، فإن تنظيم "جند الإسلام" يعرف بكثرة مؤيديه، على عكس "ولاية سيناء" الذي لا يحظى بأي دعم من الحاضنة الشعبية في سيناء، ويعاني من قلة في العناصر البشرية مقارنة مع "ولاية سيناء"، وكذلك نقص في الأسلحة والعتاد. إلا أن هذه الأرقام يمكن أن تتغير في حال تلقى التنظيم دعماً من الأطراف الأخرى في سيناء، أو من التنظيم الأم خلال المرحلة المقبلة، مع اختفاء الدعم الخارجي لتنظيم "ولاية سيناء" في ظل تردي أوضاع التنظيم في سورية والعراق خلال الأشهر القليلة الماضية.
وبالحديث عن الأطراف الأخرى التي قد تدعم "جند الإسلام" في مواجهة غريمه "داعش"، فإن التنظيم قد يتلقى دعماً من القبائل التي لاقت صنوفاً من العذاب والإذلال على يد "ولاية سيناء"، مع العلم أن القبائل لديها القدرة على الدعم والإسناد، نظراً إلى أعدادها الكبيرة، وأعمالها الواسعة طيلة السنوات التي سبقت الحرب في سيناء، التي بدأت في يوليو/تموز 2013. وعلى وجه الخصوص، قد يسعى عدد من الشخصيات من قبيلة الترابين، المدعومة من أجهزة أمنية مصرية إلى دعم التنظيم من تحت الطاولة، بعد فشل مشروع تشكيل مجموعات عسكرية من قبيلة الترابين، والتي دخلت في مواجهة عسكرية مع "ولاية سيناء" مطلع إبريل/نيسان الماضي، إلا أنها منيت بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات. كما يمكن لبقية التنظيمات السلفية الجهادية الصغيرة أن تقف إلى جوار "جند الإسلام" في مواجهة تنظيم "ولاية سيناء"، طمعاً في الحصول على مساحة للعمل والنشاط الدعوي والعسكري خلال المرحلة المقبلة، في ظل أن "ولاية سيناء" يحاربهم، ويضيق عليهم حركتهم، ونشاطاتهم، باعتبارهم طرفاً معادياً يجب تحييدهم عن المشهد. وإضافةً إلى ما سبق، يمكن للأجهزة الأمنية، أن تسرب الدعم اللوجستي للتنظيم العائد للساحة، عبر وسطاء أو تجار أسلحة، لما فيه من مصلحة بتخفيف الضغط عن قوات الأمن، وإضعاف تنظيم "ولاية سيناء".
أما السيناريو الثاني، أن يتفق التنظيمان على العمل المشترك في سيناء، فيعطي لكل منهما مساحة ونفوذا، ويمكن أن يتجه "ولاية سيناء" إلى ذلك في ظل حالة الضعف التي يعانيها التنظيم الأم في سورية والعراق، وكذلك قد يروق هذا السيناريو لتنظيم "جند الإسلام" لعدم مقدرته على حسم المعركة في ظل التفوق العسكري لصالح "ولاية سيناء". وفي أحسن الأحوال، سيبقى المشهد على حاله، بأن لا يلتفت تنظيم "ولاية سيناء" لما جرى أخيراً، مع إعطاء مساحة ضيقة وتحت نظره لتنظيم "جند الإسلام" خلال المرحلة المقبلة، مع تخفيف الضغط على المدنيين، وبذلك يظهر المشهد وكأنه إذعان من التنظيم لصالح "جند الإسلام"، إلا أنه يشكل امتصاصاً لغضب الأخير، وتهدئة للأطراف التي بدأت تتململ في سيناء دعماً لتنظيم يجدد نشاطه حالياً.
وتعليقاً على ذلك، قالت مصادر قبلية مطلعة على المشهد، لـ"العربي الجديد"، إن تصرفات "ولاية سيناء" خلال العامين الماضيين لم تلق قبولاً من عدد من القيادات الميدانية في التنظيم من أبناء سيناء، متوقعاً أن يكون لهم إسهامات خفية في نشاط تنظيم "جند الإسلام" بما يحقق الردع لتنظيم "ولاية سيناء" ويوقفه عن انتهاكاته ضد المدنيين. وأوضحت المصادر أن ازدياد قوة "جند الإسلام" ولو بدرجات بسيطة، قد ينعكس بالسلب على "ولاية سيناء"، بحدوث انشقاقات في التنظيم، خصوصاً من أبناء سيناء من دون المساس بأهاليهم الذين تعرضوا لظلم كبير من التنظيم على مدار السنوات الماضية. وتشكّلت في سيناء بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، عدة مجموعات مسلحة خرجت من رحم تيار "السلفية الجهادية" المتأصّل منذ جماعة "التوحيد والجهاد"، وكان أبرزها جماعة "أنصار بيت المقدس"، قبل مبايعتها "داعش"، وتغيير الاسم إلى "ولاية سيناء". وكانت بعض المجموعات المسلحة تنفذ عمليات مسلحة من دون أن تعلن عن نفسها، لعدم لفت الأنظار إليها. وظهر اسم "جند الإسلام" بعد مبايعة "أنصار بيت المقدس" لتنظيم "داعش" فجأة خلال العام 2015، إذ خرجت الجماعة بشريط مصور تعلن فيه استهداف مبنى الاستخبارات الحربية في رفح خلال العام 2013، فضلاً عن بعض العمليات الأخرى ضد قوات الجيش.
وكان تنظيم "القاعدة" في سيناء قد أعلن ارتباطه رسمياً بالتنظيم الأم في أفغانستان، في يناير/كانون الثاني 2012، حين أصدر بياناً باسم "أنصار الجهاد في سيناء" بايع فيه زعيم تنظيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، على السمع والطاعة. وفي وقت سابق كان التنظيم يعمل تحت ما يعرف باسم "تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة- كتائب الشهيد عبد الله عزام"، والذي أعلن مسؤوليته عن تفجيرات في شرم الشيخ وطابا في 2004 و2005، والتي أدت إلى مقتل وإصابة العشرات، إذ كان وقتها الارتباط بتنظيم "القاعدة" فكرياً لا تنظيمياً.