في 10 فبراير/شباط 2013 افتتح الملك الأردني عبدالله الثاني الدورة غير العادية لمجلس الأمة الأردني السابع عشر (الحالي)، الذي أُفرزت غرفته التشريعية الأولى (مجلس النواب) في انتخابات نيابية جرت في 23 يناير/كانون الثاني 2013 في أعقاب موجة احتجاجات شعبية طالبت على مدار أكثر من عامين بإحداث إصلاحات سياسية ومحاربة الفساد المستشري في البلاد، وهي المطالب التي لم تتحقق واستعيض عنها بخطة ملكية للإصلاح المتدرج لم تلبِ مطالب العديدين في الحركات الشعبية والشبابية والقوى الحزبية.
الملك عبد الله الثاني، الذي استخدم صلاحياته الدستورية ليحل في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2012 مجلس النواب السادس عشر، في محاولة لتطويق الغضب الشعبي الذي رأى في مجلس النواب تعبيراً صارخاً عن تزوير إرادة الشعب ومحاباة الفساد وحماية المفسدين، وقف أمام مجلس النواب السابع عشر ليضع جملة من الأعراف السياسية (غير الملزمة) التي ستضبط إيقاع الحياة السياسية في البلاد مستقبلاً، معلناً أن طموحه النهائي يتمثل بتطوير الحياة السياسية وصولاً إلى قيام حكومات برلمانية تشكلها الأغلبية النيابية. هذا الطموح يبدو مستحيلاً حتى الآن في ظل ثبات الحياة الحزبية على التراجع وغياب قانون انتخاب يُمكّن من بناء تحالفات سياسية تضمن وجود أغلبية نيابية تحت قبة البرلمان.
العرف السياسي "الملكي" الأول تمثّل بمشاركة الملك لصلاحياته الدستورية في اختيار رئيس وزراء البلاد مع مجلس النواب من خلال مشاورات نيابية يجريها أعضاء المجلس وكتله النيابية لاختيار رئيس الحكومة من بين أسماء محددة يقترحها الديوان المكي، ويقوم الملك في نهايتها بتكليف من تُجمع عليه المشاورات النيابية بتشكيل الحكومة. هذه المشاورات أدت في 9 مارس/آذار 2013 إلى نتيجة متوقّعة بإعادة تكليف رئيس الوزراء عبدالله النسور بتشكيل الحكومة، تلبية لرغبة ملكية واضحة ببقاء النسور في الدوّار الرابع (مقر رئاسة الحكومة). لكن انتقادات وُجّهت أخيراً لـ"عرف المشاورات" على اعتباره غير دستوري، من قِبل رئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة، المقتنع أن إقالة الحكومة "غير الشعبية" والتي خاض مع رئيسها مناكفات سياسية وشخصية في بعض الأحيان، يمنعها "عرف المشاورات" الذي يستهلك وقتاً طويلاً غير متوفر.
أما العرف السياسي "الملكي" الثاني، فكان ربط مجلس النواب والحكومة بمعادلة الثقة، على أن يستقي المجلس ثقته من الشارع لضمان بقائه، وتستقي الحكومة ثقتها من المجلس كضمانة للبقاء، وهي معادلة كررها الملك في كثير من المناسبات.
وبالنظر إلى المناخ السياسي السائد داخل المملكة المستقرة، التي تغيب عنها المعارضة المؤثرة، وبالاعتماد على الأعراف التي وضعها العاهل الأردني، والتي لا توجد ظروف طارئة تبرر الخروج عليها، فإن الحديث النشط عن قرار وشيك بحل مجلس النواب الذي تنتهي مدته دستورياً في 23 يناير/كانون الثاني 2017 والدعوة لانتخابات مبكرة، وهو القرار الذي سيصاحبه دستورياً رحيل الحكومة التي وجهها الملك في كتاب التكليف لبلورة برنامج عمل يستمر أربع سنوات، يصبح ضرباً من ضروب العبث السياسي.
لكن ما يُنظر إليه على اعتباره عبثاً، قد يتحوّل إلى واقع سياسي، خصوصاً بعد أن صادق الملك في 13 مارس/آذار الماضي على قانون الانتخابات الجديد بعد أن أقره من مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان، وهو القانون الذي مثّل الحلقة الأخيرة في خطة الإصلاح المتدرج التي أعلنها الملك تمهيداً للانتقال إلى الحكومات البرلمانية التي تشكّلها الأغلبية النيابية. قانون قال المتحدث باسم الحكومة محمد المومني قبل أيام إن البلاد ستدخل من خلاله مرحلة تاريخية جديدة، لم تجد فيه المعارضة أية بارقة أمل لمستقبل تدير فيه البلاد حكومات برلمانية.
ويعزز من تلك الشواهد تاريخ الحياة النيابية في البلاد، والتي شهدت منذ انطلاقها في أكتوبر/تشرين الأول 1947، حل اثني عشر مجلساً نيابياً قبل إتمام مدتها الدستورية من أصل ستة عشر مجلساً، فيما يبقى مصير مجلس النواب السابع عشر (الحالي) معلّقاً بالإرادة الملكية، التي قد تمنحه فرصة إكمال مدته الدستورية، أو تحله استناداً للصلاحيات التي منحها الدستور للملك، والتي استخدمها في حل ثلاثة مجالس نيابية من أصل أربعة منذ توليه عرش المملكة في 7 فبراير/شباط 1999، ليبقى بذلك عمر مجالس النواب ومواعيد إجراء الانتخابات النيابية لغزاً عصياً على الاستقرار كعرف سياسي تحدده مواعيد ثابتة.