مهما اختلفت الظروف الاجتماعية والاقتصادية، تبقى الأناقة والمظهر اللائق من أولويات المرأة في مختلف سني حياتها. في سورية على سبيل المثال، ما زالت الثياب الجديدة متعة أساسية بالنسبة إلى كثيرات. ولأن تحقيق هذه الرغبة يفوق قدرة هؤلاء المادية في أحيان كثيرة، تلجأ عديدات إلى تبادل الثياب مع أخواتهنّ أو صديقاتهنّ. بالتالي يحصل الطرفان على ثياب جديدة من دون كلفة إضافية.
قمر (18 عاماً) من دمشق تشير إلى "قواعد متعارف عليها ضمنياً بين الفتاتين اللتين تتبادلان ثيابهم. وهي أن تكونان من المقاس نفسه وكذلك الذواق، وأن يحصل التبادل والإعادة في وقت واحد، وأن تحافظ كل منهما على ثياب الأخرى، والأهم من كل هذا أن يبقى الأمر سراً". وتشير قمر إلى أن هذه العادة لا تقتصر على الشابات فقط، إذ يلجأ إليها عدد من الشباب أيضاً، لكنها تبقى رائجة أكثر بينهنّ.
وعادة تبادل الثياب ليست جديدة بالمطلق في المجتمع السوري، إذ كان من الشائع أن تستعير الفتيات فساتين المناسبات والأفراح، خصوصاً أن هذا النوع من الثياب يبقى جديداً لفترة طويلة ولا تلبسه صاحبته إلا مرّات محدودة في العام. وقد أتت الحرب في البلاد مع ما رافقها من ظروف اقتصادية، لتنعش هذه العادة. وبات من الشائع أيضاً تبادل الثياب اليومية.
سارة (25 عاماً) من حمص تقول: "لدي ستّ أخوات. في السابق كنت أستعير فستاناً أو حلياً منهن حين أضطر إلى حضور مناسبة، أما اليوم فأعتمد على خزاناتهن أكثر. وأستعير حذاء أو بنطالاً أو معطفاً شتوياً أو أي شيء قد أحتاجه، خصوصاً أن راتبي لم يعد يكفي أكثر من مصاريف النقل والطعام. أنا لست من المهووسات بارتداء ثياب جديدة، لكن ثمن أرخص معطف شتوي يساوي أكثر من نصف راتبي".
من جهتها، تشير غنا (20 عاماً) من دمشق إلى أنّ "أكثر الثياب المتوفرة حالياً في الأسواق المحلية هي ذات نوعية رديئة. أما الثياب الجيدة فهي من ماركات العالمية، وأسعارها خيالية بالنسبة إلى الليرة السورية بما أنها مستوردة. أحياناً، نشتري معطفاً أو حذاءً واحداً أختي وأنا من دون أن نحدد لأيّ واحدة منا. ونتناوب عليه ولا نخجل من الأمر".
اقرأ أيضاً: "أم قصي" تساعد نساء مناطق حلب المحررة
في بعض الأحيان، لا تكون استعارة الثياب بين الأخوات مرضية للطرفين. وتعترف هدى (19 عاماً) من حلب أنها كثيراً ما تستعير ثياب أختها الكبرى من دون علمها. تقول: "أثق بذوق أختي كثيراً، أشعر دائماً بأن ثيابها أجمل من ثيابي، استعيرها منها على الرغم من أنها ترفض الفكرة. في أكثر الأحيان، أفعل ذلك من دون علمها، ونتشاجر عندما تكتشف الأمر. وأحياناً ترضى بذلك، في مقابل أن أقدّم لها خدمة ما".
أما سمر(21 عاماً) من حلب، فهي لطالما كانت مهووسة باقتناء الثياب الجديدة، حتى باتت خزانتها متخمة. وأخيراً، راحت والدتها تمنعها من شراء ما ترى أنه ليس ضرورياً، إذ ترى فيه تبذيراً. تخبر الشابة: "أفتح خزانتي كل صباح وأقف أمامها. أشعر بأنها فارغة. لذا أقصد جارتي في أكثر الأحيان وأفتح خزانتها وأستعير منها ثياباً جديدة. أتبادل الثياب معها لأن أصدقائي لا يعرفونها". تضيف: "لا أشعر بالرضا حين يراني الآخرون بثياب سبق وارتديتها وأنا معهم سابقاً، خصوصاً إذا كانت من مواسم سابقة. أدرك أن أكثر الناس يلبسون ثيابهم لوقت طويل لا سيّما في الظروف الحالية، لكنني لا أستطيع".
من جهة أخرى، ترفض شابات أخريات تبادل الثياب مع أي كان، إذ يعتبرنها "ملكية خاصة". تقول عبير (27 عاماً) من حماه إنها لا تتقبل على الإطلاق أن ترتدي ثياباً استخدمها غيرها، "إذ لا أجد هذه العادة صحية على الإطلاق. صديقات كثيرات اختلفن مع بعضهن بعضاً بسبب ذلك. غالباً ما تستغل الواحدة خزانة الأخرى أكثر، وينتهي الأمر بخلاف وربما بقطيعة. كذلك فإن الغيرة موجودة دائماً بين الفتيات". تضيف: "بالنسبة إلي، لا أستطيع أن ألبس ثيابي من جديد بعدما تستعيرها إحداهن، ولا أحب أن أراها على غيري وإن كانت أختي. وعلى الرغم من أنني لا أملك ثياباً كثيرة، إلا أن ما من مشكلة لديّ من ارتداء الثياب نفسها لفترة طويلة، طالما أنها أنيقة ونظيفة. أنا أمضي وقتاً طويلاً في السوق لانتقائها، وهي من الأمور التي تعبّر عن شخصيتي. بالتالي لا يمكن أن تناسب شخصية أخرى".
ياسمين (23 عاماً) من حماه تمتنع أيضاً عن مشاركة ثيابها مع أي كان. تقول: "كنت أفعل في السابق، لكنني اكتشفت أن مساوئ الأمر أكبر من مكاسبه، خصوصاً عندما لا يكون الآخر حريصاً عليها". وتشكو من أن "إحدى صديقاتي لم تعد لي بعد معطفي، وأنا محرجة من طلبه منها. أما هي، فما زالت ترتديه. واليوم توقفت كلياً عن استعارة الثياب أو إعارتها".
اقرأ أيضاً: سوريات وحيدات.. يواجهن لجوءهنّ ويتحدّين واقعهنّ