وتظهر الصورة التي التقطها مصور "فرانس برس" ياسويوشي تشيبا، في يونيو/حزيران الماضي، محمد يوسف الذي كان في الخامسة عشرة آنذاك، وهو يقف بين مجموعة من المحتجين في أحد أحياء الخرطوم، واضعاً يده على صدره ومنشداً قصيدة.
كان ذلك بعد وقت قصير من عملية فض الاعتصام الشعبي أمام مقر قيادة الجيش السودانية في الخرطوم التي قتل فيها 128 شخصاً، بحسب مصادر قريبة من المعتصمين، و87 شخصاً، بحسب مصادر رسمية.
Twitter Post
|
بعد نحو السنة، ومن منزله في الخرطوم، يروي يوسف لـ "فرانس برس": "كنت منتشياً بالهتاف من حولي، لكنني كنت أشعر بالحزن بسبب الشهداء الذين فُقدوا في ساحة فض الاعتصام والمفقودين الذين لا نعرف عنهم شيئاً". ويضيف "بعد تلاوة القصيدة، انتحيت جانباً، وبكيت". كان يوسف يرتدي في ذلك المساء قميصاً أزرق، فيما أضاء المتظاهرون أنوار هواتفهم المحمولة التي شكلت هالة من حوله، وكان يلقي الشعر بالموضوع باللهجة السودانية، بشغف وحماسة، "دقّوا النحاس من ضيّ... صوت الشوارع حي... مفيش تخاذل تب... ما فينا زول ئي" (اقرعوا الطبول مع أول ضوء للصباح... الصوت القادم من الشارع حي... ليس هناك تخاذل نهائياً... وليس بيننا ضعيف أو جبان".
وكان المحتجون يصيحون وراء كل بيت "ثورة". ويتابع الفتى "الناس الصابرة سنين والجمرة في إيدها، باكر النضال يثمر راويه دم الشهدا" (الذين صبروا لسنوات والجمر بأيديهم، غداً يثمر نضالنا الذي ارتوى بدماء الشهداء).
وكانت هذه القصيدة رائجة خلال الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في ديسمبر/كانون الأول في 2018 في السودان ضد عمر البشير، ونجحت في إسقاطه في إبريل/نيسان عام 2019. لكن الاحتجاجات تواصلت للمطالبة بتسليم الحكم للمدنيين. وفي الثالث من يونيو/حزيران الماضي، أقدم مسلحون بملابس عسكرية على تفريق المعتصمين بالقوة. ومنذ أغسطس /آب الماضي، يتولى مجلس سيادي انتقالي يضم عسكريين ومدنيين مقاليد الحكم في البلاد.
Twitter Post
|
ويسترجع يوسف ذكريات مساء 19 يونيو/حزيران الماضي، يوم التُقطت الصورة، ويروي أنه قُطع التيار الكهربائي في المنطقة تلك الليلة، بينما كان الجميع ينتظر كلمة لقيادات "تحالف الحرية والتغيير" الذي قاد الاحتجاجات، كما حجبت خدمة الإنترنت عن العاصمة السودانية. وبدأ المحتجون بالبحث عن مولد كهربائي، ووضعوا حواجز على الطرق المحيطة بهم لتأمين منطقة التجمع.
ويقول يوسف "الجميع كان متوتراً أو يخشى من أن تهاجم القوات الأمنية المنطقة". وشارك يوسف وأفراد أسرته في الاعتصام والاحتجاجات ضد البشير التي بدأت بسبب زيادة أسعار الخبز، منذ انطلاقها. ويقول إن السبب الرئيسي لمشاركته في الثورة هو "وقف سفك الدماء في دارفور".
واندلع القتال في إقليم دارفور غرب السودان في 2003، عندما حملت مجموعة من أقليات أفريقية السلاح ضد حكومة البشير، رافضة تهميش الإقليم سياسياً واقتصادياً. وبحسب الأمم المتحدة، قُتل 300 ألف شخص جراء النزاع، وشُرِّد 2,5 مليون من منازلهم. وتفاوض الحكومة السودانية الحالية لإنهاء هذا النزاع.
ويشعر يوسف "بالاستياء لأن المطالب الأساسية لم تتحقق، وهناك تباطؤ من الذين فوضناهم لتحقيق مطالبنا"، وأبرزها محاسبة المسؤولين عن فض الاعتصام وانتهاكات دارفور. لكنه يتمسك بالأمل "لكننا سنصبر. لكي يحلوا الأزمة، هؤلاء الناس (الحكومة) يحتاجون إلى وقت".
ووافقت الحكومة في فبراير/شباط على مثول البشير، المعتقل حالياً في سجن في الخرطوم، أمام المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحقه بمذكرة توقيف دولية بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" في دارفور.
ويدرس يوسف في مدرسة خاصة، إلا أنه منذ مارس/آذار لا يغادر منزله مع والديه وأربعة أشقاء وشقيقات بسبب تدابير الإغلاق الحكومية المتخذة للوقاية من فيروس كورونا المستجد. وبلغ عدد الإصابات في السودان حتى اليوم 162 بينها 13 وفاة.
ويحلم بأن يصبح مهندساً، ويقول إنه يستغل الوقت اليوم للمطالعة حول تاريخ السودان. وتقول أسرته إنه بعد انتشار صورته، صار أساتذته ورفاقه في المدرسة يلقبونه بـ "المناضل يوسف". ويقول والده يوسف عثمان، طبيب الأسنان والأستاذ الجامعي، "الصورة تحية للثورة السودانية".
(فرانس برس)