يدرس أمين عبد الرحمن أبو بكر (20 عاما)، من مدينة جنين، شمال الضفة الغربية، في إحدى الجامعات الفلسطينية، ولكنه قرر بالتزامن مع ذلك، الالتحاق بمركز للتدريب المهني، وأظهر مهارات فريدة في مجال الديكور والدهان، وهو ما قاده للفوز بالمرتبة الأولى على مستوى فلسطين في مسابقة أطلق عليها اسم (Palestine Skills)، ما فتح الباب واسعاً أمامه في الحصول على فرص عمل رغم أنه ما زال على مقاعد الدراسة الجامعية.
يقول أبو بكر في حديث مع "العربي الجديد" إنه يواصل الدراسة الأكاديمية في الجامعة، ولكنه يجد نفسه في الجوانب المهنية، فالمهنة تجعلك قادراً على إعالة نفسك وأسرتك في المستقبل".
ولا يملك 100 ألف طالب وطالبة ملتحقين بالجامعات الفلسطينية، الحماسة والحظ، ليجمعوا ما بين المهني والأكاديمي، ولكن أبو بكر خلق لنفسه في مرحلة مبكرة من حياته واقعا مختلفاً، عن عشرات الآلاف من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل، وليس لديهم أفق للعمل في مجال دراستهم.
ويفيد جهاز الإحصاء الفلسطيني (حكومي)، بأن معدل البطالة بين الخريجين الشباب، بلغ 53% خلال الربع الأول من العام الجاري 2017، (36% للذكور و69% للإناث)، وهو ما يكشف عن فجوة هائلة ما بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، في فلسطين.
وبيّنت نتائج مسح أجراه "الإحصاء" أن أقلية من الشباب تبلغ 16% أتمت الانتقال إلى عمل مستقر أو مُرض في مرحلة ما بعد التخرج من الجامعة، إذ يختار الآلاف من الخريجين العمل في مجالات مختلفة عن تخصصاتهم لتجنب البطالة.
ووفقا للمصدر ذاته، يسجل الخريجون من تخصص العلوم الطبيعية أعلى معدل بطالة ويبلغ 70% (48% للذكور و78% للإناث)، بينما سجل الخريجون من تخصص الصحة أدنى معدل بطالة إذ بلغ 32% (19% للذكور و49% للإناث).
وخلال الربع الثاني من العام الجاري، سجلت المعدلات العامة للبطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة مستواها الأعلى منذ 3 سنوات، وبلغت 29 % (44% في غزة و20% بالضفة)، مقارنة مع 27 % في الفترة ذاتها من العام الماضي.
ويبلغ عدد العاطلين عن العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة قرابة 400 ألف شخص، أكثر من نصفهم في قطاع غزة الذي يتعرض لحصار إسرائيلي مستمر منذ 11 عاماً.
وفي اليوم العالمي للشباب الذي يصادف الثاني عشر من أغسطس/ آب، أفاد جهاز الإحصاء الفلسطيني، في تقرير له بأن نسبة الشباب في الفئة العمرية ما بين (15-29) سنة، تشكل 30% من إجمالي السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، علما بأن تقديرات عدد السكان في فلسطين منتصف العام 2017 تشير إلى أن إجمالي عددهم بلغ نحو 4.95 ملايين نسمة.
وحمل التقرير، الذي وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، تضخماً في أعداد العاملين في قطاع الخدمات على حساب القاعدة الإنتاجية المُنبتة لفرص العمل الجديد، وأفاد بأن نسبة الشباب العاملين في قطاع الخدمات بلغت 24% في الربع الأول من العام، مقابل 27% يعملون في قطاع التجارة والمطاعم والفنادق، و18% في قطاع البناء والتشييد، ويلتحق 17% من الشباب العاملين بقطاع الصناعة، في حين بلغت نسبة العاملين في قطاع الزراعة 8% فقط.
ويقول وزير العمل الفلسطيني، مأمون أبو شهلا: إن "توفير الحياة الكريمة للشباب لا يمكن إلا من خلال الارتقاء بقدراتهم لتتواءم مع احتياجات السوق المحلية والمتطلبات القائمة في الأسواق المحيطة".
ويضيف: " نحتاج إلى عدة سنوات لحل مشاكل حملة شهادات الجامعات العاطلين عن العمل، لكون تخصصاتهم لا تتناسب مع احتياجات السوق بسبب تشوّه النظام التعليمي، والانصراف عن التعليم المهني، الذي لا تتعدى نسبة الملتحقين به 3 % من الشباب، مقابل 70% يلتحقون ببرامج الدراسات الإنسانية".
ويوضح الوزير الفلسطيني، الذي كان يتحدث أخيراً خلال ندوة عامة لتشجيع التعليم المهني، أن الحياة الكريمة المستقرة للشباب لا يمكن أن تكون بالانتظار سنوات من أجل الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي، ولا حتى بالبحث عن وظيفة مكتبية في أيّ من القطاعات الأخرى، وإنما بالتدريب الذي يمكن من خلاله اكتساب مهارات مهنة تؤسس لمشروع خاص.
ويتابع: "فلسفة الحصول على الشهادة الجامعية من أجل المباهاة الاجتماعية لم تعد ذات معنى، والمطلوب هو حياة كريمة قائمة على مشاريع تشغيل خاصة بالشباب بدلا من الوظائف".
وحول الحلول التي تتبناها حكومته من أجل مساعدة الأجيال الجديدة، في تجنب تجربة البطالة للخريجين العاطلين عن العمل، يقول أبو شهلا إن "العمل جار لإتاحة مزيد من المهارات والتدريب للشباب، وهو ما يتطلب عدداً كبيراً من مراكز التدريب المنهية المتخصصة، ويحتاج لمعدات حديثة، ومدربين أكفاء، ومناهج متطورة، وهناك عمل لمضاعفة عدد وإمكانيات مراكز التدريب خلال 3- 5 سنوات".
وأطلقت الحكومة الفلسطينية هذا العام، بدعم من ممولين أجانب، مشروعاً لتطوير قدرات مراكز التدريب المهني القائمة، من خلال تأهيل مدربين في تخصصات جديدة، لاستقطاب مزيد من الطلبة الراغبين في الانخراط في هذا القطاع.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، عن خطة تدريجية لدمج التعليم المهني والتقني في التعليم العام للصفوف السابع والثامن والتاسع الأساسية.
ويقول جهاد الدريدي، مدير التعليم المهني في وزارة التربية والتعليم، لـ "العربي الجديد"، إن "كل ما يتعلق بالتعليم والتدريب في هذا المجال يتم بالتنسيق مع القطاع الخاص وبناء على احتياجات السوق".
ويوضّح الدريدي أن تطوير أداء مراكز التدريب يتم من خلال إضافة معايير قياسية، للتدقيق على الأداء، ورصد أداء المدربين من أجل تخريج كوادر مؤهلة في المهن المختلفة.
وفي مؤشر على مدى تدهور الأوضاع المعيشية، جاءت نتيجة مسح أجري في عام 2015 وأظهر أن 24% من الشباب (15-29) سنة في فلسطين لديهم الرغبة في الهجرة إلى الخارج.
ويبدو أن للأوضاع السائدة في قطاع غزة دوراً في زيادة نسبة الرغبة في الهجرة إلى الخارج، إذ بلغت نسبة الشباب الذين يرغبون في الهجرة إلى الخارج في القطاع 37% مقابل 15% في الضفة الغربية.
ويقول الخبير الاقتصادي الفلسطيني، بكر إشتية، إن "الفارق في معدلات البطالة ما بين الضفة الغربية، وقطاع غزة يعود إلى وجود 140 ألف عامل من الضفة في السوق الإسرائيلية، بينما تحرم سلطات الاحتلال الإسرائيلي كافة عمال قطاع غزة من ذلك، وهو ما يكشف عن عمق تبعية الاقتصاد الفلسطيني إلى إسرائيل، ومدى الانكشاف الذي يمكن أن يحصل في حال قرر الاحتلال الاستغناء عن العمالية الفلسطينية متذرعة بأسباب أمنية أو سياسية".
ويوضح إشتية في حديث مع "العربي الجديد" أن قدرة الاقتصاد الفلسطيني على خلق فرص عمل تقلصت خلال النصف الأول من العام الحالي بـ 12 ألف عامل، في المقابل زاد عدد العاملين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 خلال الفترة ذاتها بـ 11 ألف عامل، ما يعني أن هناك تبعية مفرطة للاقتصاد الإسرائيلي.
ويضيف أن "القطاع العام الفلسطيني مشبع تماما، ولا يمكنه استقطاب موظفين جدد، في حين لا تساعد فرص الاستثمار المحدودة أمام القطاع الخاص في خلق فرص العمل بما يتناسب مع الزيادة في أعداد الأيدي العاملة، مما يعني أن الارتقاء بفكر ريادة الأعمال، لكي يصبح الشاب مستثمرا وصاحب عمل يبدو الخيار الأكثر واقعية"، مشيرا إلى أن هذا الخيار يتطلب مؤسسات تمويل، وأذرع تسويق، ودعما فنيا من خلال التدريب والتأهيل.
وكان البنك الدولي قد أكد، في تقرير له في أبريل/نيسان الماضي، أن كافة الإجراءات المتخذة، حتى الآن، لتحفيز نمو الاقتصاد الفلسطيني غير كافية، وبقي الاقتصاد يعاني من عقبات وقيود رئيسية ناتجة في الأساس من الاحتلال الإسرائيلي.
ودعا البنك إلى إجراء تغييرات في السياسات، لتخفيف المخاطر وتهيئة بيئة أكثر حيوية ونشاطا لتنمية القطاع الخاص، وخلق الوظائف، وتحقيق النمو، وزيادة كفاءة وفعالية الإنفاق الحكومي.