07 نوفمبر 2024
شبح صدّام
بعد ثبوت مسؤولية السعودية الرسمية عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، بدأت وسائل إعلام عالمية في تشبيه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالرئيس العراقي الراحل صدّام حسين، من حيث تركز السلطات في يده، وقمعه الوحشي معارضيه، وهو ما ذكرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، ومجلة فورين بوليسي الأميركية، وغيرهما. وبالفعل تثبت الأحداث قبل هذه الجريمة وبعدها مقدار التشابه بين الاثنين، ولكن فيما هو أكبر من مجرّد انتهاكات حقوق الإنسان، فهناك "التنمّر على الجيران" الذي مارسه بن سلمان وصدّام، الأول على اليمن ولبنان وقطر، وإلى حدٍّ ما مع الكويت وسلطنة عمان، والثاني على إيران ثم الكويت. كما أنشأ بن سلمان مليشيا أمنية وعسكرية خاصة به، ولاؤها لشخصه، أطلق عليها اسم "النمر"، مماثلة لقوات "فدائيي صدّام" في العراق.
ويمكن القول إن حرب اليمن التي دخلها ولي العهد السعودي تشبه الحرب العراقية الإيرانية التي دشنها صدّام بعد فترة قليلة من استيلائه على السلطة، مع الفارق بين حجم المعارك وأعداد الضحايا والخسائر الهائلة التي نتجت من الحرب العراقية الإيرانية. لكن الحربين تتشابهان، من
حيث استنزافهما القدرات المالية والعسكرية للسعودية والعراق، وفي مبرّرها مواجهة الخطر الإيراني.
وبعد الإعلان عن حصار قطر في يونيو/ حزيران 2017، والكشف عن مخطط تم إجهاضه لغزو قطر عسكرياً، قال بعضهم إن ذلك المخطط، إذا تم تنفيذه، سيكون شديد الشبه بما قام به صدّام عندما غزا بقواته الكويت في 1990، مع ما يثيره ذلك من شبهة وجود ضوء أخضر أميركي في الحالتين. ولكن النكسة الحقيقية لمحمد بن سلمان لم تكن في حصار قطر، بعد إجهاض مخطط الغزو، بل في جريمة اغتيال خاشقجي، لأن نتيجتها متشابهة، إلى حد كبير، بالنسبة لبن سلمان مع غزو الكويت بالنسبة لصدّام، فقد تحوّل ولي العهد إلى شخص منبوذ دوليا، وأصبحت صورته في الحضيض، وصار مادة للصحف الغربية للكتابة عنه، وعن سياساته وانتهاكاته، وامتنعت الشركات والمؤسسات والشخصيات الكبرى عن التعامل معه، وأضحى لا يستطيع السفر إلى أميركا أو أوروبا، أو أيٍّ من الدول الكبرى، ما عدا دول العالم الثالث، أو دولاً كبيرة لا تكترث كثيرا بالجريمة، مثل الصين والهند وباكستان وروسيا، وهي العزلة نفسها تقريباً التي عاشها صدّام حسين، وجعلته لا يستطيع مغادرة العراق، حتى كثر الحديث عن ضرورة استبدال بن سلمان وعزله من ولاية العهد، وهو الخطر نفسه الذي شعر به صدّام بعد طرد القوات العراقية من الكويت.
ويتمثل التشابه الأكبر في تبعات الحدثين على الرجلين، فقد قرّرا تعويض الفشل الكبير والهزيمة على المستوى الخارجي بتكثيف حملة القمع داخليا، لإعطاء رسالة تفيد باستمرار القوة والسيطرة على الأوضاع، وعدم التراجع عن سياسة القبضة الحديدية. وكما قال الباحث يزيد صايغ، "عند التعرض للضغوط؛ فإن الحكام المستبدين لا يتنازلون عن السلطة، بل يضاعفون من قوتهم، مهما كلف الأمر"، فقد ارتكب نظام صدّام حسين مجازر بعد هزيمته في الكويت، مثلت امتداداً لمجازره قبل غزو الكويت (حلبجة والدجيل وحملة الأنفال وغيرها)، أبرزها
إعدام خمسمائة شخص بعد الانتفاضة في مناطق العراقيين الشيعة، وقمع "الانتفاضة الشعبانية" في البصرة، وغيرها من حالات القمع والتعذيب والانتهاكات.
وفي حالة بن سلمان، توقع مراقبون تغييرا في سياسته الداخلية، عبر إطلاق سراح المعتقلين من مشايخ دين ونشطاء سياسيين وحقوقيين ومفكرين من شتى الاتجاهات، والبدء في إجراء مصالحةٍ داخليةٍ واستيعاب الآراء الأخرى. لكنه بدلا من ذلك، قام بتعويض عجزه الخارجي بحملة اعتقالاتٍ جديدة، شملت عشرات النشطاء، كما أعدم 37 شخصا بتهمة "الإرهاب"، وذلك بعد شهر من نشر مجلة إنسايدر أن السعودية ستحطّم رقما قياسيا جديدا هذا العام في تنفيذ عقوبة الإعدام، كما جاءت تقارير إعلامية على نية السلطات السعودية تنفيذ حكم الإعدام في الدعاة الثلاثة: سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، فضلاً عن منع أسر المعتقلين من السفر، بالإضافة إلى وفاة معتقلين بسبب التعذيب أو الإهمال الصحي، مثل تركي الجاسر، وسليمان الدويش، وأحمد العماري. وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن النشطاء المعتقلين يتعرّضون لتحرّش جنسي وتعذيب شديد، عبر الضرب والصعق الكهربائي ودرجات الحرارة المنخفضة والحرمان من النوم.
وهناك أوهام العظمة وإمكانية تحدّي العالم بأسره، فقد نشر تركي الدخيل، المقرّب من بن
سلمان، مقالاتٍ عن ثلاثين إجراء يمكن أن تتخذها القيادة السعودية، إذا فرض الغرب عقوبات على المملكة على خلفية مقتل خاشقجي. وكشفت تقارير استخباراتية أن السعوديين لجأوا إلى الصين، للمساعدة في توسيع برنامجهم للصواريخ الباليستية، وكذلك يحاولون الحصول على كميات متزايدة من التكنولوجيا النووية من شركات عالمية، وهو ما يشبه برنامج صدّام للأسلحة النووية الذي كان الحجة الأساسية لغزو العراق واحتلاله عام 2003. ويبدو أن ذلك التوجه جاء بسبب "صدمة" بن سلمان من الغضب الدولي لمقتل خاشقجي، وشعوره بـ"الخيانة"، وفق "وول ستريت جورنال" التي أفادت بأن ولي العهد أخبر مستشار الرئيس ترامب وصهره، جاريد كوشنر، أنه "سيبحث في مكان آخر ولن ينسى أبدًا كيف انقلب الناس ضده". ولكن إذا كان بن سلمان يتحرّى سيرة صدّام حسين، ويصر على اتخاذها منهاجا وقدوة، فإن نهاية صدّام يجب أن تكون ماثلة أمام عينيه، وهو يقوم بذلك.
وبعد الإعلان عن حصار قطر في يونيو/ حزيران 2017، والكشف عن مخطط تم إجهاضه لغزو قطر عسكرياً، قال بعضهم إن ذلك المخطط، إذا تم تنفيذه، سيكون شديد الشبه بما قام به صدّام عندما غزا بقواته الكويت في 1990، مع ما يثيره ذلك من شبهة وجود ضوء أخضر أميركي في الحالتين. ولكن النكسة الحقيقية لمحمد بن سلمان لم تكن في حصار قطر، بعد إجهاض مخطط الغزو، بل في جريمة اغتيال خاشقجي، لأن نتيجتها متشابهة، إلى حد كبير، بالنسبة لبن سلمان مع غزو الكويت بالنسبة لصدّام، فقد تحوّل ولي العهد إلى شخص منبوذ دوليا، وأصبحت صورته في الحضيض، وصار مادة للصحف الغربية للكتابة عنه، وعن سياساته وانتهاكاته، وامتنعت الشركات والمؤسسات والشخصيات الكبرى عن التعامل معه، وأضحى لا يستطيع السفر إلى أميركا أو أوروبا، أو أيٍّ من الدول الكبرى، ما عدا دول العالم الثالث، أو دولاً كبيرة لا تكترث كثيرا بالجريمة، مثل الصين والهند وباكستان وروسيا، وهي العزلة نفسها تقريباً التي عاشها صدّام حسين، وجعلته لا يستطيع مغادرة العراق، حتى كثر الحديث عن ضرورة استبدال بن سلمان وعزله من ولاية العهد، وهو الخطر نفسه الذي شعر به صدّام بعد طرد القوات العراقية من الكويت.
ويتمثل التشابه الأكبر في تبعات الحدثين على الرجلين، فقد قرّرا تعويض الفشل الكبير والهزيمة على المستوى الخارجي بتكثيف حملة القمع داخليا، لإعطاء رسالة تفيد باستمرار القوة والسيطرة على الأوضاع، وعدم التراجع عن سياسة القبضة الحديدية. وكما قال الباحث يزيد صايغ، "عند التعرض للضغوط؛ فإن الحكام المستبدين لا يتنازلون عن السلطة، بل يضاعفون من قوتهم، مهما كلف الأمر"، فقد ارتكب نظام صدّام حسين مجازر بعد هزيمته في الكويت، مثلت امتداداً لمجازره قبل غزو الكويت (حلبجة والدجيل وحملة الأنفال وغيرها)، أبرزها
وفي حالة بن سلمان، توقع مراقبون تغييرا في سياسته الداخلية، عبر إطلاق سراح المعتقلين من مشايخ دين ونشطاء سياسيين وحقوقيين ومفكرين من شتى الاتجاهات، والبدء في إجراء مصالحةٍ داخليةٍ واستيعاب الآراء الأخرى. لكنه بدلا من ذلك، قام بتعويض عجزه الخارجي بحملة اعتقالاتٍ جديدة، شملت عشرات النشطاء، كما أعدم 37 شخصا بتهمة "الإرهاب"، وذلك بعد شهر من نشر مجلة إنسايدر أن السعودية ستحطّم رقما قياسيا جديدا هذا العام في تنفيذ عقوبة الإعدام، كما جاءت تقارير إعلامية على نية السلطات السعودية تنفيذ حكم الإعدام في الدعاة الثلاثة: سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، فضلاً عن منع أسر المعتقلين من السفر، بالإضافة إلى وفاة معتقلين بسبب التعذيب أو الإهمال الصحي، مثل تركي الجاسر، وسليمان الدويش، وأحمد العماري. وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن النشطاء المعتقلين يتعرّضون لتحرّش جنسي وتعذيب شديد، عبر الضرب والصعق الكهربائي ودرجات الحرارة المنخفضة والحرمان من النوم.
وهناك أوهام العظمة وإمكانية تحدّي العالم بأسره، فقد نشر تركي الدخيل، المقرّب من بن