شتاء الإضرابات العمالية في تونس
يمثل شهر يناير/كانون ثاني من كل عام للتونسيين عموماً، والعاملين خصوصاً، شهر الحراك الاجتماعي بامتياز. فقد شهد، عبر تاريخ تونس الحديث، أحداثاً مهمة غيرت المشهد السياسي في تونس، ومن ذلك الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية تونسية وأعرقها) في سنة 1980، وأحداث مدينة قفصة (في الجنوب الغربي) في انتفاضة الخبز سنة 1984.
حافظ يناير 2015 على هذه القاعدة، حيث شهدت تونس العاصمة إضراباً في قطاع النقل دام ثلاثة أيام ونصف يوم، مرت كالدهر على ركاب حافلات النقل العمومي وعربات المترو. غادر هؤلاء الموظفون منازلهم صباحاً، في اتجاه مقرات أعمالهم على أمل العودة مساء، لكنهم فوجئوا بدخول أعوان شركة نقل تونس (كبرى الشركات الحكومية في قطاع النقل) في إضراب مفتوح عن العمل من دون إعلان مسبق. كان المشهد مؤسفاً في ذلك المساء: مصالح معطلة وامتحانات مؤجلة، ومدارس ومعاهد غادرها الطلبة بعضهم للعودة باكراً إلى الديار وآخرون لغايات أخرى، لم يتسن لهم بلوغها في الأيام العادية.
وتعود أسباب هذا الإضراب المفاجئ لأعوان شركة نقل تونس، إلى تراجع وزارة النقل عن تفعيل اتفاقية بينها وبين الطرف النقابي، سبق للطرفين إمضاءها في ديسمبر/كانون أول الماضي، وهو تراجع أصبح ميزة حكومة مهدي جمعة.
وليس واقع قطاع النقل في تونس في حاجة إلى منابر أو تحقيقات، أو غير ذلك من الأساليب للوقوف على علله المزمنة.
أما الطرف النقابي ممثلا في الجامعة العامة للنقل، فقد عاب عليه بعضهم عدم احترامه بنود الإضرابات الواردة في مجلة الشغل، والتي تنص، صراحةً، على أن يسبق كل إضراب هيئة إدارية قطاعية يتم إثرها إرسال برقية إعلام إلى الطرف الحكومي، وهي إجراءات لم يتم العمل بها في الإضراب الأخير. وقد ساهم هذا الخلل في الترتيب في تشويه صورة المنظمة العاملة في أذهان عامة الناس، وأصبح مصطلح "إضراب" الذي كان زمن المخلوع تآمراً ضد مصلحة البلاد، محل تندر من الجميع، كما ألقى بظلال من الشك على تحركات عمالية قادمة، أهمها إضراب المدرسين المقرر يومي 21 و22 يناير/كانون ثاني الجاري.