انطلقت ضجة إعلامية كبيرة فور إعلان منظمة الشفافية الدولية عن تقدم مصر في مؤشر الفساد من المرتبة 118 إلى المرتبة 98، لكن مدير المركز المصري للشفافية والنزاهة شحاتة محمد شحاتة يؤكد في مقابلة مع "العربي الجديد" عدم صحة المؤشر.
هذا نص المقابلة:
هذا نص المقابلة:
*تقدمت مصر 20 درجة في مقياس مكافحة الفساد في آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، هل سبب ذلك اتخاذ الحكومة خطوات فعلية لمواجهة الفساد؟
إن المقاييس والمؤشرات الدولية يمكن التلاعب بها بسهولة، بينما يكون الواقع مختلفاً تماماً. والسبب الرئيس لتقدم مصر 20نقطة، يعود فعلياً إلى اعلان الحكومة الراهنة عن نواياها مواجهة الفساد عبر اجراءات معينة. وبالتالي فإن الأمور لا تزال في إطار النوايا، وليس لها علاقة بما يحصل على أرض الواقع.
*ما هي الاجراءات التي كانت فارقة في ترتيب مصر عالمياً في الفساد؟
إعلان الحكومة الراهنة عن تأسيس اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد، والإعلان عن تجهيز الحكومة لقانون الوظيفة العامة، ولجنة استرداد الأموال المنهوبة. وتفعيل العلاقات مع العديد من الجهات مثل البنك الدولي الذي يعتد برأيه في تقارير منظمة الشفافية ومكافحة الفساد.
*هل هذا يعني أن معدل الفساد في مصر ما زال كما هو؟
معدل الفساد في مصر يتزايد بصورة كبيرة، ويكفي ان الفساد اضاع على مصر ما يقرب من 357 مليار جنيه في هيئة واحدة تابعة لوزارة الاسكان وتدعى هيئة المجتمعات العمرانية. وهو ما يوازي مرة ونصف مرة عجز الموازنة العامة للدولة. ويكفي أن "بنك ناصر الاجتماعي" قام ببيع قصر البارون، احد القصور الاثرية، بقيمة 5300 جنيه للمتر المربع، في حين ان الثمن الحقيقي للمتر المربع يتراوح ما بين 25 ألف جنيه و30 ألف جنيه وفقاً لما ورد بتقرير جهاز المحاسبات والهيئة العامة للخدمات الحكومية. ناهيك عن الاخبار اليومية التي تتداولها الصحف المصرية عن مكافآت لسبعة من مكتب وزير الاسكان وصلت الى 1.2 مليون جنيه في 7 أشهر، إضافة إلى آلاف القضايا التي يخشى الموظفون الإبلاغ عنها.
*ما هي اسباب خوف البعض من الإبلاغ عن حالات الفساد في مصر؟
هناك قانون تحدثنا عنه منذ عهد مبارك وهو قانون حماية الشهود والمبلغين. وعلى الرغم من قيام ثورتين وتبعتهما موجتان من التحركات، فإن القانون لم ير النور، وأعتقد أنه لن يراه.
*لماذا لا ترى أنه هناك نية لإقرار قانون حماية الشهود والمبلغين في الفترة المقبلة، بالرغم من ان مصر على موعد مع برلمان جديد خلال أشهر؟
اذا لم تفعّل الدولة قانون مراقبة أداء المرشحين على الانتخابات البرلمانية المقبلة، فلن يأتي للبرلمان سوى نواب الحزب الوطني، الذين أعلن أحدهم عن ترشحه للانتخابات البرلمانية بالرغم من تورطه في تعذيب وتجويع المصريين على مدار فترة حكم الحزب الوطني. إضافة الى غياب العدالة الاجتماعية وتلخيصها في وزارة العدالة الانتقالية التي لا تفعل شيئا يذكر سوى مزيد من اهدار المال العام.
*ما هي أسباب ازدياد الفساد في مصر خلال الفترة الماضية برأيك؟
هناك العديد من الأسباب أهمها حال التدهور الأمني والانفلات خلال الفترة الماضية، وكذلك احساس الموظفين والمسؤولين في الدولة بأن دولة مبارك لا تزال قائمة. بذا، عادت الأدراج المفتوحة وغابت الدولة تماماً عن الرقابة والمتابعة والمحاسبة. إضافة الى ان هناك الكثير من الإجراءات التشريعية التي ينبغي ان تقوم بها الحكومة بصورة فورية لغلق مزاريب الهدر.
*ما هي أبرز هذه الإجراءات التشريعية التي تتحدث عنها؟
اولاً، لا بد من إقرار قانون حماية الشهود والمبلغين لفتح المجال امام المصريين للإبلاغ عن اي حالة فساد يواجهونها بدءاً من الموظف الصغير الذي لا يعمل دون ان يحصل على رشوة، مروراً بوكيل الوزارة وانتهاءً بالوزير. ومن ثم تعديل قانون المزايدات والمناقصات وضرورة وضع عقوبة واضحة لمن يخالف احكام القانون. ثم سن قانون الوظيفة العامة وقانون إتاحة المعلومات. وكذلك، توفير شبكة تكنولوجية لتوفير الخدمات للمواطنين، وإقرار قانون الكسب غير المشروع واخيراً إطلاق برامج التوعية للمواطنين والموظفين.
*هل للفساد تأثير على التنمية في مصر؟
بالطبع، حيث إن الفساد هو الآفة الأساسية التي تهدر ثروات مصر، والتي تجعل القرارات فيها غير مستقلة. وفي دراسة حديثه اجراها مركز الشفافية ومكافحة الفساد، تبيّن مثلاً، أن ما يقارب 37 مليار دولار هو اجمالي الفارق بين السعر الحقيقي للمصانع والاراضي التي تم بيعها وخصخصتها وبين أسعارها الواقعية. حيث تم التفريط بالمؤسسات والمعدات، في الوقت الذي تزداد فيه معدلات البطالة، والانتحار جوعاً. كما أن القضاء على الفساد السياسي والاداري في مصر سيجعل من هذه الدولة في موقع متمايز بين الدول المتقدمة.
*كيف يؤثر الفساد على تحقيق العدالة الاجتماعية؟
التأثيرات كثيرة. إذ في الوقت الذي يضيع على مصر مليارات الدولارات من التفريط بالمصانع والشركات الرابحة مثل شركة بيسكو مصر التي تعد من اكثر الشركات ربحية في البلاد، والتي تركتها الحكومة فريسة سهلة في ايدي مستثمرين، لا أحد ينظر بمصير ما يزيد عن 4 آلاف عامل معرضين للتشريد والبطالة والموت جوعاً. وهذا الواقع ينسحب على العشرات من الشركات والقطاعات الهامة مثل قطاع الادوية والغزل والنسيج .
*هل يمكن تحديد المسؤولين عن تزايد معدلات الفساد في مصر؟
للأسف الفساد في مصر قديم للغاية، وبدأ منذ عهود بعيدة، الا انه انتشر وتفشى في عهد مبارك. حيث حدث ما يعرف بتزاوج المال بالسلطة، فانجبا موظفين فاسدين، وتشريعات فاسدة، واجراءات شكلية. وقد تراجع هذا التزاوج قليلاً في حكم الإخوان، ليس بسبب اجراءات فعلية اتخذها الحكم على ارض الواقع، بل لانه كانت هناك حالة من الضبابية التي دفعت برموز نظام مبارك ورجال اعماله للتواري والابتعاد عن الساحة. وهو ايضاً ما دفع الموظفين الى الاستقامة ولو لوقت قليل. إلا انه خلال العام الحالي عادت الامور إلى ما كانت عليه في السابق.
وأعتقد أنه لا يوجد حتى الآن ارادة سياسية لمكافحة الفساد واجتثاثه. ولا سيما أن الفساد في مصر ينقسم إلى فساد سياسي واخر اداري. حيث يؤدي الفساد السياسي وغياب الارادة وعدم الانشغال بقضايا المواطنين، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية، الى تقوية رجال الاعمال الفاسدين والاستيلاء على مقدرات الوطن والتصرف بها وفقاً لمصالحهم . كل ذلك يتم على حساب الفقراء. وهو ما ينتج منه فساد اداري، ويعود الفساد الإداري في جزء منه لغياب العدالة الاجتماعية، بينما يعود الجزء الاكبر لسوء الإدارة وتزاوج السلطة بالمال.
*لكن الحكومة اعلنت أخيراً عن استراتيجية لمواجهة الفساد، ألا يعتبر ذلك خطوة أولى إيجابية؟
أعتقد أن الاستراتيجية المعلنة هي مجموعة من الأماني لا علاقة لها بأرض الواقع. حيث تسعى تلك الاستراتيجية لمكافحة الأعراض ولا تكافح المرض نفسه. إذ لم تضع الاستراتيجية المعلنة آليات واضحة وفترات زمنية لمكافحة الفساد. كما انها تركت الأمر برمته في يد ما اسمته لجنة مكافحة الفساد، والتي تتكون من النيابة الادارية والنيابة العامة، دون ان تضع اليات تنسيق بين هذه الجهات. وكانت رسالة تلك الاستراتيجية مكافحة الفساد، والحد من آثاره السلبية على كافة النواحي الادارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونشر الوعى حول هذه الآثار، ورفع قدرات أجهزة مكافحة الفساد، والتعاون مع كافة الجهات المعنية المحلية والاقليمية والدولية في مكافحة الجرائم المتعلقة به، مع مراعاة المعايير الدولية، وتحقيق أفضل الممارسات. ولكن، لم يتم تحديد أي وسيلة لتفعيل وتطبيق تلك الأحلام وما هي العقوبات الرادعة والقوانين التي يكون من شأنها الحد من الفساد.
*ما هي الخطوات العملية الأساسية التي يجب أن تُضاف الى الاستراتيجية لتصبح أكثر فاعلية؟
الأولية تتعلق بوضع عقوبات رادعة لمن يتورط في قضايا الفساد، وأن يتزامن ذلك مع تعديلات جوهرية في القوانين والتشريعات التي ترتبط بتلك القضية مثل قوانين الاسناد المباشر والمناقصات والمزايدات. إضافة الى ضرورة ان يكون هناك هيئة وطنية لمكافحة الفساد، تتكون من كل الجهات بما فيها منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المهتمة بمكافحة الفساد. وان يكون دور تلك الجهات التنسيق بين الهيئات المختلفة التي تتولى التحقيق في قضايا الفساد. اضافة إلى ضرورة ان تسعى الدولة الي ارساء القانون وتعميمه على الجميع. فمن غير المعقول ان تنفرد احدى الهيئات بمزايا لا يتمتع بها جموع المصريين، أو أن تكون ميزانيتها سرية أو غير خاضعة للمراقبة والمحاسبة.
كما لا بد من تفعيل الأهداف الرئيسية للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، عبر الارتقاء بمستوى أداء الجهاز الحكومي والإداري للدولة، وتحسين الخدمات الجماهيرية. وأيضاً يجب إرساء مبادئ الشفافية والنزاهة لدى العاملين في الجهاز الاداري للدولة وسن وتحديث التشريعات الداعمة لمكافحة الفساد وتطوير الاجراءات القضائية لتحقيق العدالة.
كذلك، لا بد من دعم الجهات المعنية بمكافحة الفساد والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع مستوى الوعي الجماهيري بخطورة الفساد، وأهمية مكافحته. وكل ذلك يرتبط ببناء ثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة وتعزيز التعاون المحلي فى مجال مكافحة الفساد وتعزيز التعاون الاقليمي والدولي فى مجال مكافحة الفساد ومشاركة منظمات المجتمع المدني فى قضايا مكافحة الفساد.
*هل الفساد يوجد أيضاً في القطاع الخاص المصري؟
نعم، الفساد يمتد من العام الى الخاص، طالما أن الدولة غائبة عن المراقبة والمحاسبة. وفي مصر الفساد لا يفرق بين القطاع العام او القطاع الخاص، ففي القطاعين تبقى ادراج الموظفين مفتوحة وتبقى الدولة غائبة عن الحساب.
مصر وتقارير الفساد:
أعلنت منظمة الشفافية الدولية، في مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن مصر من ضمن الدول التي حققت أكبر تحسن في درجاتها ضمن مؤشر مدركات الفساد في عام 2014. وأوضحت المنظمة، خلال بيان لها، أن مصر حققت ارتفاعاً من 32 درجة في عام 2013 إلى 37 درجة في عام 2014 لتحتل المركز الـ 94 من ضمن 175 دولة. وسارع ممثل عن البنك الدولي، ادوارد الدحاح، إلى الترحيب بنتائج المؤشر، معتبراً في مؤتمر تناول قضايا الفساد، أن القفزة التي شهدتها مصر في مؤشر مدركات من انخفاض مرتبة مصر في المؤشر إلى 94 مقابل 114 العام الماضي، هو مؤشر جيد للدولة. وفي منتصف الشهر ذاته، أصدرت منظمة "إرنست إند يونغ" الاستشارية الدولية، تقريرا دوليّاً لها عن "الفساد في القطاع الخاص في 59 دولة". وجاءت مصر في المركز الأول عالميًّا في مؤشرات الفساد بالشركات المصرية. وفي الفترة ذاتها أيضاً، أعلن مركز هردو المصري، في تقرير بعنوان "الفساد في مصر... أسلوب حياة"، ازدياد حالة الفساد في مصر منذ عام 2010 حتى عام 2014. وقال المركز إن المؤشرات التي تم رصدها، توضح أن أزمة الفساد في مصر تتعلق في المقام الأول بتأقلم المواطن المصري وتعايشه مع الفساد. كما تشكلت شبكات مصالح قائمة على انتشار الفساد في كافة المؤسسات العامة والخاصة.
*ما هي الاجراءات التي كانت فارقة في ترتيب مصر عالمياً في الفساد؟
إعلان الحكومة الراهنة عن تأسيس اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد، والإعلان عن تجهيز الحكومة لقانون الوظيفة العامة، ولجنة استرداد الأموال المنهوبة. وتفعيل العلاقات مع العديد من الجهات مثل البنك الدولي الذي يعتد برأيه في تقارير منظمة الشفافية ومكافحة الفساد.
*هل هذا يعني أن معدل الفساد في مصر ما زال كما هو؟
معدل الفساد في مصر يتزايد بصورة كبيرة، ويكفي ان الفساد اضاع على مصر ما يقرب من 357 مليار جنيه في هيئة واحدة تابعة لوزارة الاسكان وتدعى هيئة المجتمعات العمرانية. وهو ما يوازي مرة ونصف مرة عجز الموازنة العامة للدولة. ويكفي أن "بنك ناصر الاجتماعي" قام ببيع قصر البارون، احد القصور الاثرية، بقيمة 5300 جنيه للمتر المربع، في حين ان الثمن الحقيقي للمتر المربع يتراوح ما بين 25 ألف جنيه و30 ألف جنيه وفقاً لما ورد بتقرير جهاز المحاسبات والهيئة العامة للخدمات الحكومية. ناهيك عن الاخبار اليومية التي تتداولها الصحف المصرية عن مكافآت لسبعة من مكتب وزير الاسكان وصلت الى 1.2 مليون جنيه في 7 أشهر، إضافة إلى آلاف القضايا التي يخشى الموظفون الإبلاغ عنها.
*ما هي اسباب خوف البعض من الإبلاغ عن حالات الفساد في مصر؟
هناك قانون تحدثنا عنه منذ عهد مبارك وهو قانون حماية الشهود والمبلغين. وعلى الرغم من قيام ثورتين وتبعتهما موجتان من التحركات، فإن القانون لم ير النور، وأعتقد أنه لن يراه.
*لماذا لا ترى أنه هناك نية لإقرار قانون حماية الشهود والمبلغين في الفترة المقبلة، بالرغم من ان مصر على موعد مع برلمان جديد خلال أشهر؟
اذا لم تفعّل الدولة قانون مراقبة أداء المرشحين على الانتخابات البرلمانية المقبلة، فلن يأتي للبرلمان سوى نواب الحزب الوطني، الذين أعلن أحدهم عن ترشحه للانتخابات البرلمانية بالرغم من تورطه في تعذيب وتجويع المصريين على مدار فترة حكم الحزب الوطني. إضافة الى غياب العدالة الاجتماعية وتلخيصها في وزارة العدالة الانتقالية التي لا تفعل شيئا يذكر سوى مزيد من اهدار المال العام.
*ما هي أسباب ازدياد الفساد في مصر خلال الفترة الماضية برأيك؟
هناك العديد من الأسباب أهمها حال التدهور الأمني والانفلات خلال الفترة الماضية، وكذلك احساس الموظفين والمسؤولين في الدولة بأن دولة مبارك لا تزال قائمة. بذا، عادت الأدراج المفتوحة وغابت الدولة تماماً عن الرقابة والمتابعة والمحاسبة. إضافة الى ان هناك الكثير من الإجراءات التشريعية التي ينبغي ان تقوم بها الحكومة بصورة فورية لغلق مزاريب الهدر.
*ما هي أبرز هذه الإجراءات التشريعية التي تتحدث عنها؟
اولاً، لا بد من إقرار قانون حماية الشهود والمبلغين لفتح المجال امام المصريين للإبلاغ عن اي حالة فساد يواجهونها بدءاً من الموظف الصغير الذي لا يعمل دون ان يحصل على رشوة، مروراً بوكيل الوزارة وانتهاءً بالوزير. ومن ثم تعديل قانون المزايدات والمناقصات وضرورة وضع عقوبة واضحة لمن يخالف احكام القانون. ثم سن قانون الوظيفة العامة وقانون إتاحة المعلومات. وكذلك، توفير شبكة تكنولوجية لتوفير الخدمات للمواطنين، وإقرار قانون الكسب غير المشروع واخيراً إطلاق برامج التوعية للمواطنين والموظفين.
*هل للفساد تأثير على التنمية في مصر؟
بالطبع، حيث إن الفساد هو الآفة الأساسية التي تهدر ثروات مصر، والتي تجعل القرارات فيها غير مستقلة. وفي دراسة حديثه اجراها مركز الشفافية ومكافحة الفساد، تبيّن مثلاً، أن ما يقارب 37 مليار دولار هو اجمالي الفارق بين السعر الحقيقي للمصانع والاراضي التي تم بيعها وخصخصتها وبين أسعارها الواقعية. حيث تم التفريط بالمؤسسات والمعدات، في الوقت الذي تزداد فيه معدلات البطالة، والانتحار جوعاً. كما أن القضاء على الفساد السياسي والاداري في مصر سيجعل من هذه الدولة في موقع متمايز بين الدول المتقدمة.
*كيف يؤثر الفساد على تحقيق العدالة الاجتماعية؟
التأثيرات كثيرة. إذ في الوقت الذي يضيع على مصر مليارات الدولارات من التفريط بالمصانع والشركات الرابحة مثل شركة بيسكو مصر التي تعد من اكثر الشركات ربحية في البلاد، والتي تركتها الحكومة فريسة سهلة في ايدي مستثمرين، لا أحد ينظر بمصير ما يزيد عن 4 آلاف عامل معرضين للتشريد والبطالة والموت جوعاً. وهذا الواقع ينسحب على العشرات من الشركات والقطاعات الهامة مثل قطاع الادوية والغزل والنسيج .
*هل يمكن تحديد المسؤولين عن تزايد معدلات الفساد في مصر؟
للأسف الفساد في مصر قديم للغاية، وبدأ منذ عهود بعيدة، الا انه انتشر وتفشى في عهد مبارك. حيث حدث ما يعرف بتزاوج المال بالسلطة، فانجبا موظفين فاسدين، وتشريعات فاسدة، واجراءات شكلية. وقد تراجع هذا التزاوج قليلاً في حكم الإخوان، ليس بسبب اجراءات فعلية اتخذها الحكم على ارض الواقع، بل لانه كانت هناك حالة من الضبابية التي دفعت برموز نظام مبارك ورجال اعماله للتواري والابتعاد عن الساحة. وهو ايضاً ما دفع الموظفين الى الاستقامة ولو لوقت قليل. إلا انه خلال العام الحالي عادت الامور إلى ما كانت عليه في السابق.
وأعتقد أنه لا يوجد حتى الآن ارادة سياسية لمكافحة الفساد واجتثاثه. ولا سيما أن الفساد في مصر ينقسم إلى فساد سياسي واخر اداري. حيث يؤدي الفساد السياسي وغياب الارادة وعدم الانشغال بقضايا المواطنين، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية، الى تقوية رجال الاعمال الفاسدين والاستيلاء على مقدرات الوطن والتصرف بها وفقاً لمصالحهم . كل ذلك يتم على حساب الفقراء. وهو ما ينتج منه فساد اداري، ويعود الفساد الإداري في جزء منه لغياب العدالة الاجتماعية، بينما يعود الجزء الاكبر لسوء الإدارة وتزاوج السلطة بالمال.
*لكن الحكومة اعلنت أخيراً عن استراتيجية لمواجهة الفساد، ألا يعتبر ذلك خطوة أولى إيجابية؟
أعتقد أن الاستراتيجية المعلنة هي مجموعة من الأماني لا علاقة لها بأرض الواقع. حيث تسعى تلك الاستراتيجية لمكافحة الأعراض ولا تكافح المرض نفسه. إذ لم تضع الاستراتيجية المعلنة آليات واضحة وفترات زمنية لمكافحة الفساد. كما انها تركت الأمر برمته في يد ما اسمته لجنة مكافحة الفساد، والتي تتكون من النيابة الادارية والنيابة العامة، دون ان تضع اليات تنسيق بين هذه الجهات. وكانت رسالة تلك الاستراتيجية مكافحة الفساد، والحد من آثاره السلبية على كافة النواحي الادارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونشر الوعى حول هذه الآثار، ورفع قدرات أجهزة مكافحة الفساد، والتعاون مع كافة الجهات المعنية المحلية والاقليمية والدولية في مكافحة الجرائم المتعلقة به، مع مراعاة المعايير الدولية، وتحقيق أفضل الممارسات. ولكن، لم يتم تحديد أي وسيلة لتفعيل وتطبيق تلك الأحلام وما هي العقوبات الرادعة والقوانين التي يكون من شأنها الحد من الفساد.
*ما هي الخطوات العملية الأساسية التي يجب أن تُضاف الى الاستراتيجية لتصبح أكثر فاعلية؟
الأولية تتعلق بوضع عقوبات رادعة لمن يتورط في قضايا الفساد، وأن يتزامن ذلك مع تعديلات جوهرية في القوانين والتشريعات التي ترتبط بتلك القضية مثل قوانين الاسناد المباشر والمناقصات والمزايدات. إضافة الى ضرورة ان يكون هناك هيئة وطنية لمكافحة الفساد، تتكون من كل الجهات بما فيها منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المهتمة بمكافحة الفساد. وان يكون دور تلك الجهات التنسيق بين الهيئات المختلفة التي تتولى التحقيق في قضايا الفساد. اضافة إلى ضرورة ان تسعى الدولة الي ارساء القانون وتعميمه على الجميع. فمن غير المعقول ان تنفرد احدى الهيئات بمزايا لا يتمتع بها جموع المصريين، أو أن تكون ميزانيتها سرية أو غير خاضعة للمراقبة والمحاسبة.
كما لا بد من تفعيل الأهداف الرئيسية للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، عبر الارتقاء بمستوى أداء الجهاز الحكومي والإداري للدولة، وتحسين الخدمات الجماهيرية. وأيضاً يجب إرساء مبادئ الشفافية والنزاهة لدى العاملين في الجهاز الاداري للدولة وسن وتحديث التشريعات الداعمة لمكافحة الفساد وتطوير الاجراءات القضائية لتحقيق العدالة.
كذلك، لا بد من دعم الجهات المعنية بمكافحة الفساد والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع مستوى الوعي الجماهيري بخطورة الفساد، وأهمية مكافحته. وكل ذلك يرتبط ببناء ثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة وتعزيز التعاون المحلي فى مجال مكافحة الفساد وتعزيز التعاون الاقليمي والدولي فى مجال مكافحة الفساد ومشاركة منظمات المجتمع المدني فى قضايا مكافحة الفساد.
*هل الفساد يوجد أيضاً في القطاع الخاص المصري؟
نعم، الفساد يمتد من العام الى الخاص، طالما أن الدولة غائبة عن المراقبة والمحاسبة. وفي مصر الفساد لا يفرق بين القطاع العام او القطاع الخاص، ففي القطاعين تبقى ادراج الموظفين مفتوحة وتبقى الدولة غائبة عن الحساب.
مصر وتقارير الفساد:
أعلنت منظمة الشفافية الدولية، في مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن مصر من ضمن الدول التي حققت أكبر تحسن في درجاتها ضمن مؤشر مدركات الفساد في عام 2014. وأوضحت المنظمة، خلال بيان لها، أن مصر حققت ارتفاعاً من 32 درجة في عام 2013 إلى 37 درجة في عام 2014 لتحتل المركز الـ 94 من ضمن 175 دولة. وسارع ممثل عن البنك الدولي، ادوارد الدحاح، إلى الترحيب بنتائج المؤشر، معتبراً في مؤتمر تناول قضايا الفساد، أن القفزة التي شهدتها مصر في مؤشر مدركات من انخفاض مرتبة مصر في المؤشر إلى 94 مقابل 114 العام الماضي، هو مؤشر جيد للدولة. وفي منتصف الشهر ذاته، أصدرت منظمة "إرنست إند يونغ" الاستشارية الدولية، تقريرا دوليّاً لها عن "الفساد في القطاع الخاص في 59 دولة". وجاءت مصر في المركز الأول عالميًّا في مؤشرات الفساد بالشركات المصرية. وفي الفترة ذاتها أيضاً، أعلن مركز هردو المصري، في تقرير بعنوان "الفساد في مصر... أسلوب حياة"، ازدياد حالة الفساد في مصر منذ عام 2010 حتى عام 2014. وقال المركز إن المؤشرات التي تم رصدها، توضح أن أزمة الفساد في مصر تتعلق في المقام الأول بتأقلم المواطن المصري وتعايشه مع الفساد. كما تشكلت شبكات مصالح قائمة على انتشار الفساد في كافة المؤسسات العامة والخاصة.