في الوقت الذي تكافح فيه تونس لإنعاش قطاعها السياحي من جديد، بعد أن سجل تراجعًا حادًا بسبب الهجمات الإرهابية التي طاولت البلاد، تظهر أزمة جديدة تلوح في الأفق وتتمثل في شحّ النقد الأجنبي، الذي أصبح عائقًا بشكل رئيسي أمام السياحة الخارجية للمواطنين في تونس.
واعتبر خبراء مختصون، في أحاديث مع "الأناضول"، أن الإجراءات التي تفرضها الحكومة على حركة النقد الأجنبي الخارج من البلاد، أدت إلى ظهور مصاعب لشركات السياحة والسفر لدى حجز التذاكر والفنادق في الخارج للسياح التونسيين.
وقبل أسبوع، كشف رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار محمد علي التومي في مؤتمر صحافي، عن "تهديد حقيقي لإيقاف نشاط 200 وكالة سفر بسبب تضييقات مالية حكومية، فضلاً عن تبعات قانونية من الشركاء في الخارج، لأن تعهدات الوكالات تجاوزت السقف المحدد من طرف الحكومة، وهذا يهدد صورة تونس في الخارج".
وخصصت الحكومة التونسية للعام الحالي مبلغ 25 مليون دينار (10.2 ملايين دولار) لتمويل النشاطات الخارجية لوكالات السفر العاملة في البلاد.
وتعمّقت أزمة إيرادات الدولة من العملة الأجنبية، بعد تراجع مداخيل القطاع السياحي بفعل العمليات الإرهابية، وتراجع الاستثمارات وتحويلات المغتربين، فضلاً عن الاضطراب المتواصل في صادرات الفوسفات، نتيجة الاضطرابات الاجتماعية في منطقة الحوض المنجمي (جنوب غرب البلاد).
ووفق إحصائيات نشرها البنك المركزي التونسي على موقعه الرسمي يوم 28 يوليو/تموز الماضي، فإن احتياطي العملة الأجنبية لا يتجاوز 11 مليارا و966 مليون دينار (4.99 مليارات دولار) أي ما يعادل 96 يوم توريد.
ويسجل سعر صرف الدينار التونسي انخفاضا مستمرا أمام اليورو والدولار، إذ يقدّر الدينار الواحد بـ 2.81 يورو، و2.47 دولار.
تراجع الاستثمار
وقال رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، إن تراجع النقد الأجنبي نتيجة حتمية لمسارات النمو بعد الثورة وتوقف القطاع الخاص عن العمل وتراجع الاستثمار المحلي والأجنبي، ما أدى إلى تراجع الإنتاج وتحقيق نسب نمو ضعيفة".
وأضاف الشكندالي، في حديث مع "الأناضول": "كل هذا أثّر على دخول العملة الصعبة".
وتابع: "نوعية السياحة الوافدة إلى تونس هي سياحة فقيرة وليست جالبة للعملة الصعبة ولا تحدث أي انعكاس على الاقتصاد وعلى التشغيل غير المباشر من خلال المهن المرتبطة بالسياحة".
وشدد على "ضرورة تنويع المنتج الداخلي للسياحة كالسياحة الثقافية والصحية والأثرية، وعدم الاقتصار على السياحة الشاطئية".
من جانبه، قال الصادق جبنون، الخبير في استراتيجيات الاستثمار، أن "من أسباب شحّ النقد الأجنبي الانخفاض المتواصل للدينار التونسي تجاه اليورو الذي يشهد ارتفاعًا متواصلًا في الفترة الأخيرة، نظرا للانتعاش الاقتصادي الذي تعرفه منطقة اليورو، ونظرًا لضعف الاقتصاد التونسي من حيث القيمة المضافة والصناعة".
وأضاف: "المطلوب استقطاب العملة الصعبة من الخارج والداخل وليس خروجها من تونس".
ولفت جبنون إلى أن "إجراء الحكومة المتعلق بمنع الشراء ببطاقة الفيزا كارد من الخارج في خطوة للحفاظ على احتياطي العملة الصعبة هي خطوات جزئية".
وتابع: "الخطوات الرئيسية لم تتخذ بعد، وهي تفعيل القيود الاحتياطية المنصوص عليها في اتفاقية منظمة التجارة الدولية، وإعادة التفاوض في الاتفاقيات التجارية مع تركيا والصين وإيطاليا والمملكة المتحدة".
ولفت إلى "وجود سوق واعدة للسياحة الوافدة، وهي السوق الصينية التي ستصدّر، قريبًا 120 مليون سائح سنويًا إلى الخارج". داعيًا بلاده إلى "استقطاب السائح الصيني الذي ينفق كثيرًا".
كما دعا إلى "استعادة ثقة السائح الأوروبي بتوفير الشروط الرئيسية أهمها الأمن وسلامة البيئة في الشواطئ وحسن تجهيز البنية التحتية في المناطق الساحلية".
بدوره، قال مراد الحطّاب الخبير الاقتصادي المختص في المخاطر المالية، إن "المشكلة في تونس تكمن في التوريد الذي يتجاوز طاقة البلاد، فالتوريد وصل إلى حدود 23.6 مليون دينار (9.8 ملايين دولار) في يونيو/حزيران الماضي، حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء".
وأكد أن "ارتفاع التوريد أثّر على بعض القطاعات التي تعتمد تحويلات للعملة الصعبة، على غرار قطاع وكالات الأسفار باعتبار أن لها أنشطة تتطلب الإنفاق بالعملة الأجنبية".
وتابع: "إجراء وحيد يستوجب القيام به للحفاظ على العملة الصعبة وهو منع استيراد أي منتوج غير مطابق للمعايير الصحية المعمول بها في العالم وللمواصفات التونسية".
من جهة أخرى، قال فهمي الحوكي مدير المصالح المشتركة في وزارة السياحة، خلال تصريحات إعلامية سابقة، إن "ارتفاع الطلب القياسي من وكالات السفر هذه السنة دفعنا لإجراء جلسات تقييمية باكراً، نحن بصدد البحث عن حلول عاجلة لمسألة السقف مع البنك المركزي".
وتنشط في تونس أكثر من 700 وكالة سفر بصفة قانونية ومنظمة وفق أرقام الجامعة التونسية للنزل.
وتتولى وكالات الأسفار في تونس الحجوزات الخاصة بالتنقل والإقامة والمرافقة للمسافر في الدولة المقصودة، وارتفعت الحجوزات التي قامت بها في السنوات الأخيرة تماشيًا مع تحسن مستوى معيشة التونسيين وإقبالهم على السفر للخارج.
وضع صعب
وتعيش تونس أوضاعاً مالية متأزمة، بحسب تصريحات أدلى بها وزير المالية، إذ صرح قبل أيام عن عدم إمكانية البلاد تسديد أجور موظفيها في الأشهر المقبلة، قبل أن يعود وزير المالية بالإنابة محمد الفاضل عبد الكافي ليناقض ما سبق أن صرح به في البرلمان، مؤكدا توفر السيولة الكافية لدفع الرواتب.
وجاء الموقف المتناقض، وسط انتقادات حادة من أوساط اقتصادية أكدت لـ"العربي الجديد" أن تصريحات الوزير المتضاربة تكشف عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تعيشها البلاد، خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح الاقتصاديون أن تكرار التصريحات الغامضة للوزراء، كما حدث مع تصريحات وزيرة المالية السابقة، لمياء الزريبي، حول تعويم الدينار تنتج عنها تداعيات سلبية خطيرة على الاقتصاد المتأزم.
وقال وزير المالية في تصريح نقلته وكالة الأنباء التونسية الرسمية، قبل أيام، إن "وضعية المالية العمومية صعبة ولكن المؤشرات الاقتصادية عرفت نموا إيجابيا خلال هذه السنة"، مؤكدا أن تونس في اتجاه تحقيق نسبة نمو في حدود 2.5 % خلال السنة الحالية.
وحسب الإحصائيات الرسمية، ارتفع حجم الدين الخارجي لتونس ليصل إلى 65 مليار دينار (28.7 مليار دولار) في 2016.
وكان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، قد أعلن أن نسبة التداين الخارجي ارتفعت بنحو 62% منذ اندلاع ثورة 2011 حتى 2016.
(الأناضول، العربي الجديد)