وقد بلغت الأزمة بين الطرفين مستوى جديداً، أول من أمس، بعدما أمهل مجلس السلم الأفريقي الأطراف السودانية المتنازعة تسعين يوماً للانخراط في مفاوضات جادة للوصول لاتفاق سلام ينهي الحرب الدائرة في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان، فضلاً عن عقد مؤتمرٍ تحضيري في مقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا لوضع خارطة لانطلاقة الحوار الوطني.
وأٌقر المجلس في القرار رقم 539 حل مشاكل السودان بشكل شامل، الأمر الذي ظلت ترفضه الحكومة في الخرطوم وتتمسك بفصل ملفات دارفور والمنطقتين.
وكانت الخرطوم قد سارعت للاحتجاج رسمياً على خطوة مجلس السلم الأفريقي بعقد جلسة استماع مع قادة قوى "نداء السودان" التي تضم "الحركة الشعبية" قطاع الشمال، والحركات المسلحة الدارفورية وحزب "الأمة" المعارض بزعامة الصادق المهدي، باعتبارها "المرة الأولى التي يعمد فيها المجلس للقاء قوى معارضة". ووصفت الحكومة الخطوة بـ"الخطيرة"، واعتبرتها تجاوزاً للأعراف والممارسات داخل المنظومة الأفريقية، مشيرة إلى أنّها تشكّ في مصداقية مجلس السلم الأفريقي.
وزاد من حجم التوتر بين الطرفين الملابسات التي صاحبت زيارة وفد مجلس السلم الأفريقي إلى السودان، التي اختتمت، يوم السبت الماضي، إذ شكّلت زيارة الوفد إلى مخيم "خور أبشي" في ولاية جنوب دارفور، الذي شهد قصفاً عنيفاً ويعيش أوضاعاً إنسانية سيئة، أزمة بين الطرفين. ومرد الأزمة إلى أنّ الزيارة لم تكن مدرجة ضمن برنامج الوفد، كما تمت من دون علم الحكومة. وعمدت الـ"يوناميد" إلى نقل الوفد عبر طيرانها الخاص الذي يتمتع بحصانة للانتقال بين المناطق في دارفور. وقاد هذا الأمر الحكومة إلى إبداء ردة فعل سريعة بحظر طيران الـ"يوناميد" لمدة يوم كامل في المنطقة، قبل أن تتراجع عن الخطوة بعد أقل من 48 ساعة.
وتشير مصادر لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "قرار حظر طيران يوناميد اتخذته الحكومة في درافور"، لافتة إلى تدخل الخارجية السودانية والجهات المختصة للحد من القرار، باعتباره يزيد الوضع سوءاً ويجرّ البلاد إلى مشاكل عدة، وخصوصاً أنّ الخطوة تزامنت مع الاجتماع الذي عقده مجلس السلم الأفريقي حول السودان، والذي صدرت عنه قرارت حاسمة بشأنه.
ويوضح المتحدث الرسمي باسم الـ"يوناميد"، أشرف عيسى، لـ"العربي الجديد، أنّ "يوناميد استأنفت رحلاتها، يوم الأحد الماضي، بعدما رفضت كل طلبات المغادرة التي أبرزتها يوناميد للسلطات من دون توضيح". ويضيف عيسى أنّه "عند الاستفسار، تذرّعت السلطات بسوء الأحوال الجويّة. وبعد حصولنا على كافة التصريحات استعداداً لاستئناف الطيران، قوبل الأمر بالرفض"، متابعاً "وبعد إجراء الاتصالات بالجهات المختصة، استؤنفت الرحلات لكن حتى الآن لم يُفصح عن سبب الحظر".
ويرى المحلل السياسي، عبد المنعم أبو أدريس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأزمة مرتبطة بين الطرفين بأمور عدّة، من بينها التقرير الأخير الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والذي اعتمد فيه على تقارير يوناميد في ما يتصل بالأوضاع في إقليم دارفور. وانتقدت التقارير الحكومة. كما اتهمت التقارير جميع الأطراف، بما فيها الحركات الدارفورية، بارتكاب انتهاكات، مشيراً إلى إحصائيات بحالات اغتصاب في الإقليم.
اقرأ أيضاً: استنفار سوداني لإحباط "تدخل إنساني" بالنيل الأزرق وجنوب كردفان
ويلفت أبو أدريس إلى أنّ الأزمة مرتبطة برد فعل مجلس السلم الأفريقي في بيانه الأخير الذي وضع قضية دارفور قيد النظر، ووصف البيان الأوضاع في الإقليم بـ"السيئة"، فضلاً عن رفض البعثة التوقيع على الوثيقة التي توصّلت إليها مع الحكومة في ما يتصل باستراتجية خروج الـ"يوناميد" من درافور. ويعتبر أبو أدريس أنّ كل هذه المؤشرات تؤكد أن علاقة السودان والاتحاد الأفريقي تمر بمرحلة متوترة، وزادت حدّتها عقد المجلس لاجتماع مع الفصائل المتمردة والمعارضة للحكومة في أديس أبابا أخيراً. ويتوقع أبو أدريس "وصول العلاقة إلى مرحلة المواجهة، التي ستقود بدورها إلى مواجهة مع المجتمع الدولي، ولا سيما أنّ المنظومة التي تحمي السودان من كثير مما يُحاك ضدّه موجودة في أروقة المجتمع الدولي".
ويرى مراقبون أن الحكومة قد تعمد إلى اتخاذ خطوات تصعيدية ضد الـ"يوناميد" خلال الفترة المقبلة، وصولاً إلى طرد مسؤولين كبار ولا سيما أنّها سبق أنْ طردت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، علي الزعتري، والمدير القُطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إيفون هيل، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عقب تصاعد الجدل حول عملية الاغتصاب الجماعي في قرية تاب في دارفور. ويعتبر مراقبون أنّ تلك الخطوات مرهونة بنتائج اجتماعات مجلس السلم الأفريقي التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي، وخصوصاً بعد التداول باقتراح فرض تدخل إنساني في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وهو الأمر الذي يدخل الطرفان في مواجهة مباشرة.
وفي تقرير قدّمه رئيس الآلية الأفريقية لحل أزمة السودان، ثامبو أمبيكي، إلى مجلس السلم، يوم الثلاثاء الماضي، أكّد فيه أنّ الوضع في السودان يتطلب تدخلاً عاجلاً لإيقاف العدائيات ووقف إطلاق النار في دارفور والمنطقتين، مع تفعيل القرارات الخاصة في ايصال المساعدات من دون قيود.
وتناقلت تقارير محلية اتهامات حكومية لبعثة الـ"يوناميد" بتعمّد إفشال زيارة وفد مجلس السلم الأفريقي للبلاد، الذي وصل بدعوة من الحكومة لتقييم الأوضاع في دارفور على الأرض، إذ تشكك الخرطوم في نيّة الـ"يوناميد" الخروج، وترى أنها تكسب مادياً من البقاء، وفق ما صرّح مسؤولون حكوميون، في وقت سابق.
واتهم دبلوماسي أفريقي، وفق ما نقلت وسائل إعلام الخرطوم، الحكومة السودانية بإلغاء مؤتمر لوفد مجلس السلم الأفريقي، يوم السبت الماضي، الذي تفاجأ بإلغائه، في سابقة هي الأولى من نوعها. وأكّد الدبلوماسي نفسه أنّ الوفد كان ينوي نشر معلومات في غاية السوء عن الوضع الإنساني للنازحين في دارفور، إلّا أنّ الخارجية السودانية سارعت إلى نفي أي صلة للحكومة بإلغاء المؤتمر الصحافي، وقالت إنّ الإلغاء حتّمته الإجراءات الخاصة بموعد إغلاق المطار الذي يتزامن مع إقلاع طائرة الوفد الأفريقي، ولا سيما أنّ إدارة المطار درجت على إغلاق المطار منذ الثانية عشرة ظهراً وحتى الخامسة مساء بداعي إجراء الصيانة.
وانتقد حاكم شمال دارفور، عبد الواحد يوسف، التعميم الصحافي عن زيارة وفد المجلس لمخيم خور أبشي من دون علم الولاية، فضلاً عن عقد الوفد لاجتماع مغلق في مقر البعثة. وعاد يوسف وأصدر بياناً صحافياً في أقل من 48 ساعة، أكّد فيه أن الزيارة إلى مخيم خور أبشي تمت بعلم الولاية، نافياً حظر طيران البعثة، باعتبار أنّ القرار لا يتخذ بمعزل عن الحكومة الاتحادية، مشيراً إلى أنّه لم يصدر أي قرار شفهي أو خطي.
اقرأ أيضاً: سلطات الخرطوم تقيد الرحلات الجوية لبعثة "يوناميد"