19 نوفمبر 2023
شروط تحت الطلب!
هل انتصرت المرأة لذاتها لمجرد أنّها عاشت في بلاد المهجر، وحجزت لها بطاقة الإقامة الدائمة في تلك البلاد التي ظلّت، والى اليوم، حكراً على فئة بعينها.. ومحاولات الكثيرات من شريحة النساء سلك الموجة ذاتها، وتعدت المحاولات عبثاً بطلب الكثيرات منهن الانفصال عن أزواجهن بذرائع مختلفة؟!
إنَّ بلاد النعيم، فسحت المجال على مصراعيه، بمحاولات البعض منهن، وتحت تأثير صديقات أو زميلات لهن، بتجاوز الأعراف العامة التي كانت تعيشها الزوجة قبل توجهها إلى تلك البلاد، التي غيّرت والى حد كبير، الكثير من مفاهيمها وطباعها حيال زوجها وأولادها، ومحاولاتها الجادّة التي تجاوزت حدود "الوقاحة" في تغيير المفهوم العام للأسرة السورية، بصورةٍ عامة، حيث كانت تعيش في ظل حماية الزوج ورعايته، وتمضي يومها بمشورته وبرؤيته وتوجهه.
إنَّ صوت الكثير من الزوجات تجاوز صوت حدود العتب إلى فرض آرائهن، وبالفم الملآن، إن لم يكن الأغلبية منهن ممن بِتْنَ يُحاولن أخذ دور الرجل، وبصورة مخجلة تماماً، ورميه بأقذع العبارات الماسخة التي لم يعد يتقبلها أي إنسان عاقل، وفرض هيمنتهن بسحب البساط من تحت قدميه ومن أمامه، ومثال ذلك ما حصل ويحصل اليوم في ألمانيا والنمسا وغيرها من تعدد حالات الطلاق، وارتفاع نسبته إلى حد الذهول، وهذا ما لم يكن بالحسبان، وانعكاس ذلك، بصورةٍ أو أخرى، على واقع الحياة الممضّ للأسرة التي بُنيت في بداية تكوّنها على الحب والاحترام المتبادل بين الزوجين، أما الصورة اليوم تغيرت كليةً، وهذا ما يعني تفكك العلاقة الأسرية، وإحداث شرخ واسع فيها!.
القضية في هذا الشأن تطول وتتشعب وأخذت مناحي أخرى.. وتعلل تلك النساء ذلك على أن الزوج تسيّد السلطة الزوجية، وفرض شخصيته وبدون منازع بعدم فسح المجال للزوجة أخذ حقها من المعونة الشهرية المخصصة لها ولأطفالها، وحرمانها منها علانية متناسية أن ما يدخل جيب الزوج من مساعدة معيشية تمنحها دول اللجوء بالكاد تكفي متطلباتها المعيشية، فضلاً عن دفع فواتير الكهرباء، واشتراك الانترنت، والتأمين على بيت السكن، واقتناء بطاقات النقل العامّة، وغيرها.
هذا الواقع، وكما نُمّي لي، دفع البعض من الزوجات، بالتقدم إلى المحاكم الرسمية بطلب خلع أزواجهن، من أجل تمكنهن من كسب قوتهن وقوت أطفالهن، والتكيّف بما يصرف ويخصص لهن بعيداً عن أي مسؤوليات أخرى، وعن توجهات ربّ الأسرة الذي صار بلا حول، ومنه كثير، وهذا ما جعل بعض الأخوة اللاجئين من أن يقف موقف المتفرج حيال تصرف زوجته التي باتت تقبض مع أول كل شهر ما هو مخصص لها وبقية أسرتها، وبدورها تقوم بتخصيص زوجها بفتات من المبالغ التي تدخل إلى حساباتها البنكية.
وهذا الإجراء أخذت تُجسده الكثير من النساء وتفاخر به علانيةً، فضلاً عن تهميش دور الزوج الذي لم يَعد يُبالي هو الآخر بما حوله تاركاً معترك الحياة ولوازم البيت واحتياجاته، ناهيك بمتابعتها المتعلّقات الإدارية على كاهل الزوجة، وهذا ما تحاول أخيراً التخلّص منه، ما يعني تحمّلها عبئاً كبيراً داخل وخارج البيت.
إنَّ هذه النظرة الدونية من قبل النساء اللاتي يُقمن في بلاد النعيم تجاه أزواجهن، وإهماله كزوج فاعل، كما كان قبل توجهه إلى وطنه الجديد، أحدث شرخاً واسعاً في الأسرة، وبالتالي اسهامها في زيادة حالات الطلاق، وتفسّخ العلاقة الأسرية... والأهم من هذا وذاك إقبال ربّ الأسرة على حفظ ماء وجه، أقلّها، الفرار بريشه، إن استطاع ذلك، وترك زوجته وأولاده في مهب الريح، حتى ينل قصب السبق بالفوز بحريته بدلاً من حالة الذل والهوان التي صار يُعاني منها الغالبية منهم!.
الموت خطفاً!
لم أبكِ حزناً على وفاة إنسان سوى صديقين عزيزين على قلبي، ربما لأنني كنتُ بعيداً عنهما حين فارقا الحياة الدنيا. وعذبني إحساس بأنني ضيعت الفرصة لكي أقول لكل منهما كم أحبّه حباً تأثّر به العمر والفكر والعاطفة.
وفي رحلة إلى بيتنا العتيق، بعد وفاة والدي بسنوات تجولت في البيت الذي بات مهجوراً لكي أشمّ عطره. عاودتني تلك الذكرى حين بلغني نبأ وفاة صديقَيَّ، اللذين أعتزّ بهما أيّما اعتزاز، محمد مجبل الحمد، وعبد الكريم الدرويش، وهما زميلا جوار ودراسة. تذكرت أياماً طوالاً وطئت فيها قدماي وقدماهما شوارع وحارات شوارع مدينة الرَّقة وريفها. كانت تبهرني جرأتهما وتأسرني ابتسامتهما، ويغريني وفاؤهما للمعارف والأصدقاء، وتدهشني رومانسية لازمتهما حتى النهاية.
كانا عاشقين للون الورود ولزرقة السماء، وحين بلغني نبأ وفاتهما هرولت إلى خزانة أحتفظ فيها بأشيائي الخاصة، ونبشت محتويات الصندوق إلى أن أخرجت أشياء من مخبئها الذي فيه عاشت قرابة ثلاثين عاماً.
لم أحزن، لكني بكيت لأن صديقَيّ ماتا وعاشا، على الرغم من بعدي عنهم وفراقهم لسنوات، إلا أنهما ظلاَّ يعيشان في قلبي وفي ضميري وفي وجداني، وما زلت أحتفظ بأشياء خاصة تربطني بهما. وسوف تظل شاهداً على صداقة دامت أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ولم تتأثر بالمسافات والحدود حين تركتهما. غير أنَّ الأيام لا تقسو على أشياء سبق وأن احتفظت بها، لكن أيام العمر تقسو على البشر.
عانى محمد الحمد من قسوة المرض، لكنه لم يفقد ابتسامته ومحبته للناس، وعشقه للسفر، ولم ينسَ أصدقاءه ولم يحمل على الدنيا. وصديقي الآخر عبد الكريم الدرويش، كان متسلحاً بالوعي وحب الناس، وعارفاً بأمور الدنيا ورياضياً متألقاً، إلا أن يد القدر اغتالته. اغتالت شبابه اليانع بلون الورود. فقدنا أخاً وصديقاً محباً.
سوف أذكر صديقَيَّ ذَوَي القلوب الخضراء، وأحتفظ ببعض ما كتبت، وأتذكر ابتهاجهما بالحياة واشتياقهما للحب. تلك هي الحروف التي تثري كتاب حياتي.
اليوم، أشعر بسكينة فوق العادة لأنني مؤمن بنعمة الحياة مهما طالت أو قصرت. موقن أنا بأن كل ما يأتي به يوم جديد هو فرصة للتعبير عن الود والمحبة كاعتراف بأن المحبّة دواء يشفي القلوب والنفوس.
إن قرأت هذه السطور اجلس وبيدك ورقة وقلم ودوِّن أسماء عشرة أشخاص تركوا أثراً على صفحات كتاب الحياة، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. اتصل بأصدقائك وعبّر عن محبتك لأن الفرصة قد لا تأتي مرةً أخرى.
إنها فرصة، ومن يدري لعلَّ وعسى أن تترك لدى من نودهم ونستلذ بتذكرهم، واسترجاع بعضاَ من أيام الزمن الجميل بصيص أمل للعودة إلى سيل من الذكريات جمعتنا يوماً مع من نحب. إنهم أصدقاؤنا، أحبتنا، ولما لا فإنهم أخوتنا الحقيقيون، إن لم يكونوا أخوة أصدقاء بالفعل، وتجاوزوا إلى أكثر من ذلك بفعل الحب الآسر الذي استوطن قلوبنا، واللقاء الذي عوّلنا عليه الكثير من الأحلام، إلاّ أنَّ البعد والهجر والشوق إلى حوار جمعنا يوماً سبق وان انقطع مع مرور الوقت بفضل افتعال الحرب التي نزعت فتيلها وأحرقت قلوبنا، وأدمتها وقتلت ما بداخل كل منا من حب تضرّج دماً واندثر!
السعادة.. كنز ثمين
إنَّ السعادة كنز ثمين موجود في مكان ما، ولكن الوصول إليه لا يحتاج إلى خريطة بل يكفي أن تتبع قلبك وسيهديك إلى ذلك المكان، ولكن السعادة شيء نسبي، والإنسان قادر على إسعاد كل من يتعامل معهم، والسعادة شعور داخلي يتمثّل في سكينة النفس، وانشراح الصدر، وراحة الضمير.
وقد يكون العمل التطوّعي، بالنسبة لي، يُعدُّ بمثابة السعادة الحقيقية التي يُمكن أَن أُقدمها للناس، بصورةٍ عامة، ناهيك عن أمورٍ وأحوال أخرى، يُمكن أن نُعدّها ـ في المقابل ـ مؤشر مؤثر من مؤشرات السعادة، ومنها: قراءة كتاب أدبي، الاهتمام بالعلوم، حضور البرامج الثقافية، المشاركة في الندوات، مشاهدة الدوري الانكليزي الممتاز"البريميرليغ" لكرة القدم، الجلوس أمام الكمبيوتر وقراءة الصحف والمواقع الالكترونية وغيرها من الأنشطة الثقافية الأخرى، فهذا كنز كبير لا يمكن بحال أن أقارنه بشيء آخر.
وقد تكون سعادتنا متوافرة في سماع أغنية مؤثرة لفنان مغمور لم تسعفه الشهرة على البروز، أو تكمن في الجلوس إلى جانب ركن في مقهى متواضع، أو الإصغاء إلى حديث طفل صغير، أو السير والتنزّه في مكان عام، والجلوس الى ظل شاب متسلّح بالثقافة والمعرفة سارداً عليك مشروعه الثقافي، وبذله ما بوسعه في سبيل التعريف في قضايا مهمة يكمن نفعها في خدمة الصالح العام، وبصورة خاصة، بالنسبة للمجتمعات التي تعيش في منأى عن القراءة وحب المعرفة، واقتصار دورها الاهتمام بمورد رزقها، وغيرها من جوانب حياتية غير مهمّة صارت في منأى عن الوضوح، كلّها تكاد تشكل جانباً من ألوان السعادة الغائبة.
إنّ هذه القراءات، بمجملها، تُوفر لنا الاسترخاء والمتعة والارتياح، لأن آثارها تبقى قائمة، وزوالها ليس بالهيّن، أبداً.
ومع تدفّق المواقع الالكترونية، وتزايد أعدادها وغناها بالمعلومة والبحث عن أشياء شخصية مهمّة، تظل السعادة منقوصة بعيداً عن الوطن، لأنه مصدر السعادة الحقيقية، وهذا ما لمسناه من خلال سنوات الاغتراب، ولمسه الكثير غيري من محبين أصدقاء وزملاء..
إنَّ بلاد النعيم، فسحت المجال على مصراعيه، بمحاولات البعض منهن، وتحت تأثير صديقات أو زميلات لهن، بتجاوز الأعراف العامة التي كانت تعيشها الزوجة قبل توجهها إلى تلك البلاد، التي غيّرت والى حد كبير، الكثير من مفاهيمها وطباعها حيال زوجها وأولادها، ومحاولاتها الجادّة التي تجاوزت حدود "الوقاحة" في تغيير المفهوم العام للأسرة السورية، بصورةٍ عامة، حيث كانت تعيش في ظل حماية الزوج ورعايته، وتمضي يومها بمشورته وبرؤيته وتوجهه.
إنَّ صوت الكثير من الزوجات تجاوز صوت حدود العتب إلى فرض آرائهن، وبالفم الملآن، إن لم يكن الأغلبية منهن ممن بِتْنَ يُحاولن أخذ دور الرجل، وبصورة مخجلة تماماً، ورميه بأقذع العبارات الماسخة التي لم يعد يتقبلها أي إنسان عاقل، وفرض هيمنتهن بسحب البساط من تحت قدميه ومن أمامه، ومثال ذلك ما حصل ويحصل اليوم في ألمانيا والنمسا وغيرها من تعدد حالات الطلاق، وارتفاع نسبته إلى حد الذهول، وهذا ما لم يكن بالحسبان، وانعكاس ذلك، بصورةٍ أو أخرى، على واقع الحياة الممضّ للأسرة التي بُنيت في بداية تكوّنها على الحب والاحترام المتبادل بين الزوجين، أما الصورة اليوم تغيرت كليةً، وهذا ما يعني تفكك العلاقة الأسرية، وإحداث شرخ واسع فيها!.
القضية في هذا الشأن تطول وتتشعب وأخذت مناحي أخرى.. وتعلل تلك النساء ذلك على أن الزوج تسيّد السلطة الزوجية، وفرض شخصيته وبدون منازع بعدم فسح المجال للزوجة أخذ حقها من المعونة الشهرية المخصصة لها ولأطفالها، وحرمانها منها علانية متناسية أن ما يدخل جيب الزوج من مساعدة معيشية تمنحها دول اللجوء بالكاد تكفي متطلباتها المعيشية، فضلاً عن دفع فواتير الكهرباء، واشتراك الانترنت، والتأمين على بيت السكن، واقتناء بطاقات النقل العامّة، وغيرها.
هذا الواقع، وكما نُمّي لي، دفع البعض من الزوجات، بالتقدم إلى المحاكم الرسمية بطلب خلع أزواجهن، من أجل تمكنهن من كسب قوتهن وقوت أطفالهن، والتكيّف بما يصرف ويخصص لهن بعيداً عن أي مسؤوليات أخرى، وعن توجهات ربّ الأسرة الذي صار بلا حول، ومنه كثير، وهذا ما جعل بعض الأخوة اللاجئين من أن يقف موقف المتفرج حيال تصرف زوجته التي باتت تقبض مع أول كل شهر ما هو مخصص لها وبقية أسرتها، وبدورها تقوم بتخصيص زوجها بفتات من المبالغ التي تدخل إلى حساباتها البنكية.
وهذا الإجراء أخذت تُجسده الكثير من النساء وتفاخر به علانيةً، فضلاً عن تهميش دور الزوج الذي لم يَعد يُبالي هو الآخر بما حوله تاركاً معترك الحياة ولوازم البيت واحتياجاته، ناهيك بمتابعتها المتعلّقات الإدارية على كاهل الزوجة، وهذا ما تحاول أخيراً التخلّص منه، ما يعني تحمّلها عبئاً كبيراً داخل وخارج البيت.
إنَّ هذه النظرة الدونية من قبل النساء اللاتي يُقمن في بلاد النعيم تجاه أزواجهن، وإهماله كزوج فاعل، كما كان قبل توجهه إلى وطنه الجديد، أحدث شرخاً واسعاً في الأسرة، وبالتالي اسهامها في زيادة حالات الطلاق، وتفسّخ العلاقة الأسرية... والأهم من هذا وذاك إقبال ربّ الأسرة على حفظ ماء وجه، أقلّها، الفرار بريشه، إن استطاع ذلك، وترك زوجته وأولاده في مهب الريح، حتى ينل قصب السبق بالفوز بحريته بدلاً من حالة الذل والهوان التي صار يُعاني منها الغالبية منهم!.
الموت خطفاً!
لم أبكِ حزناً على وفاة إنسان سوى صديقين عزيزين على قلبي، ربما لأنني كنتُ بعيداً عنهما حين فارقا الحياة الدنيا. وعذبني إحساس بأنني ضيعت الفرصة لكي أقول لكل منهما كم أحبّه حباً تأثّر به العمر والفكر والعاطفة.
وفي رحلة إلى بيتنا العتيق، بعد وفاة والدي بسنوات تجولت في البيت الذي بات مهجوراً لكي أشمّ عطره. عاودتني تلك الذكرى حين بلغني نبأ وفاة صديقَيَّ، اللذين أعتزّ بهما أيّما اعتزاز، محمد مجبل الحمد، وعبد الكريم الدرويش، وهما زميلا جوار ودراسة. تذكرت أياماً طوالاً وطئت فيها قدماي وقدماهما شوارع وحارات شوارع مدينة الرَّقة وريفها. كانت تبهرني جرأتهما وتأسرني ابتسامتهما، ويغريني وفاؤهما للمعارف والأصدقاء، وتدهشني رومانسية لازمتهما حتى النهاية.
كانا عاشقين للون الورود ولزرقة السماء، وحين بلغني نبأ وفاتهما هرولت إلى خزانة أحتفظ فيها بأشيائي الخاصة، ونبشت محتويات الصندوق إلى أن أخرجت أشياء من مخبئها الذي فيه عاشت قرابة ثلاثين عاماً.
لم أحزن، لكني بكيت لأن صديقَيّ ماتا وعاشا، على الرغم من بعدي عنهم وفراقهم لسنوات، إلا أنهما ظلاَّ يعيشان في قلبي وفي ضميري وفي وجداني، وما زلت أحتفظ بأشياء خاصة تربطني بهما. وسوف تظل شاهداً على صداقة دامت أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ولم تتأثر بالمسافات والحدود حين تركتهما. غير أنَّ الأيام لا تقسو على أشياء سبق وأن احتفظت بها، لكن أيام العمر تقسو على البشر.
عانى محمد الحمد من قسوة المرض، لكنه لم يفقد ابتسامته ومحبته للناس، وعشقه للسفر، ولم ينسَ أصدقاءه ولم يحمل على الدنيا. وصديقي الآخر عبد الكريم الدرويش، كان متسلحاً بالوعي وحب الناس، وعارفاً بأمور الدنيا ورياضياً متألقاً، إلا أن يد القدر اغتالته. اغتالت شبابه اليانع بلون الورود. فقدنا أخاً وصديقاً محباً.
سوف أذكر صديقَيَّ ذَوَي القلوب الخضراء، وأحتفظ ببعض ما كتبت، وأتذكر ابتهاجهما بالحياة واشتياقهما للحب. تلك هي الحروف التي تثري كتاب حياتي.
اليوم، أشعر بسكينة فوق العادة لأنني مؤمن بنعمة الحياة مهما طالت أو قصرت. موقن أنا بأن كل ما يأتي به يوم جديد هو فرصة للتعبير عن الود والمحبة كاعتراف بأن المحبّة دواء يشفي القلوب والنفوس.
إن قرأت هذه السطور اجلس وبيدك ورقة وقلم ودوِّن أسماء عشرة أشخاص تركوا أثراً على صفحات كتاب الحياة، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. اتصل بأصدقائك وعبّر عن محبتك لأن الفرصة قد لا تأتي مرةً أخرى.
إنها فرصة، ومن يدري لعلَّ وعسى أن تترك لدى من نودهم ونستلذ بتذكرهم، واسترجاع بعضاَ من أيام الزمن الجميل بصيص أمل للعودة إلى سيل من الذكريات جمعتنا يوماً مع من نحب. إنهم أصدقاؤنا، أحبتنا، ولما لا فإنهم أخوتنا الحقيقيون، إن لم يكونوا أخوة أصدقاء بالفعل، وتجاوزوا إلى أكثر من ذلك بفعل الحب الآسر الذي استوطن قلوبنا، واللقاء الذي عوّلنا عليه الكثير من الأحلام، إلاّ أنَّ البعد والهجر والشوق إلى حوار جمعنا يوماً سبق وان انقطع مع مرور الوقت بفضل افتعال الحرب التي نزعت فتيلها وأحرقت قلوبنا، وأدمتها وقتلت ما بداخل كل منا من حب تضرّج دماً واندثر!
السعادة.. كنز ثمين
إنَّ السعادة كنز ثمين موجود في مكان ما، ولكن الوصول إليه لا يحتاج إلى خريطة بل يكفي أن تتبع قلبك وسيهديك إلى ذلك المكان، ولكن السعادة شيء نسبي، والإنسان قادر على إسعاد كل من يتعامل معهم، والسعادة شعور داخلي يتمثّل في سكينة النفس، وانشراح الصدر، وراحة الضمير.
وقد يكون العمل التطوّعي، بالنسبة لي، يُعدُّ بمثابة السعادة الحقيقية التي يُمكن أَن أُقدمها للناس، بصورةٍ عامة، ناهيك عن أمورٍ وأحوال أخرى، يُمكن أن نُعدّها ـ في المقابل ـ مؤشر مؤثر من مؤشرات السعادة، ومنها: قراءة كتاب أدبي، الاهتمام بالعلوم، حضور البرامج الثقافية، المشاركة في الندوات، مشاهدة الدوري الانكليزي الممتاز"البريميرليغ" لكرة القدم، الجلوس أمام الكمبيوتر وقراءة الصحف والمواقع الالكترونية وغيرها من الأنشطة الثقافية الأخرى، فهذا كنز كبير لا يمكن بحال أن أقارنه بشيء آخر.
وقد تكون سعادتنا متوافرة في سماع أغنية مؤثرة لفنان مغمور لم تسعفه الشهرة على البروز، أو تكمن في الجلوس إلى جانب ركن في مقهى متواضع، أو الإصغاء إلى حديث طفل صغير، أو السير والتنزّه في مكان عام، والجلوس الى ظل شاب متسلّح بالثقافة والمعرفة سارداً عليك مشروعه الثقافي، وبذله ما بوسعه في سبيل التعريف في قضايا مهمة يكمن نفعها في خدمة الصالح العام، وبصورة خاصة، بالنسبة للمجتمعات التي تعيش في منأى عن القراءة وحب المعرفة، واقتصار دورها الاهتمام بمورد رزقها، وغيرها من جوانب حياتية غير مهمّة صارت في منأى عن الوضوح، كلّها تكاد تشكل جانباً من ألوان السعادة الغائبة.
إنّ هذه القراءات، بمجملها، تُوفر لنا الاسترخاء والمتعة والارتياح، لأن آثارها تبقى قائمة، وزوالها ليس بالهيّن، أبداً.
ومع تدفّق المواقع الالكترونية، وتزايد أعدادها وغناها بالمعلومة والبحث عن أشياء شخصية مهمّة، تظل السعادة منقوصة بعيداً عن الوطن، لأنه مصدر السعادة الحقيقية، وهذا ما لمسناه من خلال سنوات الاغتراب، ولمسه الكثير غيري من محبين أصدقاء وزملاء..