مع استمرار عمليات تهجير سكّان الغوطة إلى الشمال السوري، ينجلي المزيد من الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين الذين كانوا محاصرين هناك، ثم مهجّرين في إدلب.
ومع وصول الدفعة السادسة من مهجّري القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية إلى مدينة إدلب، التقت كاميرا "العربي الجديد" زوجين سوريين كانا يقيمان في القطاع الأوسط، وتحدّثا مطوّلاً عن معاناتهما.
علي حريبي، صيدلاني، كان يعيش بشكلٍ طبيعي في منطقة دير سلمان التابعة للنشابية في الغوطة الشرقية بريف دمشق، يصف حياته بالرخاء حتى بعد اندلاع الثورة السورية.
ويوضح أنه كان لديه منزل وصيدلية وسيارة، وكانت عائلته بخير، إلى أن تقدّم النظام في منطقة العتيبة بمحيط الغوطة الشرقية قبل سنوات، فتدهورت الأوضاع وبدأت موجات الحصار تظهر بشكلٍ واضح على معالم المدينة.
نزح علي مع عائلته إلى منطقة بيت نايم في القطاع الأوسط بالغوطة الشرقية، غير أن شحّ الموارد اضطره إلى التأقلم مع الحياة والتحوّل من صيدلاني إلى راعٍ للأغنام، حيث اشترى مجموعة أغنام وماعز وبدأ يبيع مشتقاتها من الحليب والألبان، ويقول إنه أصبح راعيا بعد أن كان صيدلانياً لمدّة ثلاثين عاماً.
خلال موجة الحصار الشديد في عام 2013 و2014، كان علي يصنع اللبن من حليب الماعز ويضيف له بعض الذرة حتّى تتمكّن عائلته من البقاء على قيد الحياة، ويقول إن أسرته المكوّنة من 16 شخصاً اضطرت في أحيانٍ كثيرة للبقاء بلا طعام لأيامٍ متواصلة.
عن يوميات علي في تلك الفترة وقبل هجوم النظام على الغوطة يقول "كنّا نخرج فجراً تحت القصف ونختبئ بمكان لا تصله الطائرة لنصنع اللبن والذرة، ثم نعود إلى منازلنا تحت القصف الشديد.
بعد تقدّم النظام أكثر انتقل علي من بيت نايم إلى منطقة سقبا، وهناك عاود العمل في مهنته الأساسية وافتتح صيدلية ليعمل بها هناك.
ويقول "خلال الفترة الأخيرة التي شهدت حملة النظام العسكرية كانت عائلتي تختبئ في قبو تحت الأرض وكنّا نخرج من الثالثة صباحاً بحثاً عن طعام الفطور للأسرة، حيث نعود في الساعة السابعة أو الثامنة لجلب ما يسد رمق العائلة تحت القصف الشديد والبراميل المتفجرة.
ويضيف أنه خلال الأيام الأخيرة في سقبا، انتقلت العائلة إلى منطقة عين ترما وهناك رأت الأهوال، فلم يكن في المنطقة شيء سوى الدخان الأسود والنار والرماد، وما لبثت العائلة أن هربت في اليوم التالي إلى زملكا عبر جرارة زراعية، لكن الجرارة تعرّضت للقصف ما أسفر عن إصابة عدد من أولاده.
ويصف أيامه الأخيرة في الغوطة بأنها الأشد طيلة سنوات حياته الـ 55 "في الأيام الثمانية عشر الأخيرة لم نعد حتّى نفكّر في الطعام، كنا نبقى لأيام دون أي شيء نتناوله ولكن ننسى جوعنا من شدّة القصف العنيف".
واليوم يسعى لاستئناف حياته في إدلب والعمل في المجال الطبي أو حتّى رعاية الأغنام حسب الظروف المتوفرة هنا.
بدورها، تصف الزوجة، نجاح حريبي، ما عاشته العائلة قائلةً: "عندما ذهبنا إلى عين ترما ازداد القصف علينا، وأمضينا الليل كلّه في قبو تحت الأرض مليء بالقمامة والحجارة، ولا يحتوي على أدنى مقومات العيش الآدمي".
وتروي أن العائلة هربت ليلاً من عين ترما وخلال طريقها في الليل كانت لا ترى إلّا نيراناً حمراء تتصاعد من المباني والمحلّات المحيطة بها.