تختلف التقديرات في الداخل الفلسطيني، حول مدى اهتمام المجتمع العربي بشهدائه وفهمه لحيثيات المناسبات التي استشهدوا فيها، ومنها "هبة القدس المحتلة والأقصى"، التي شهدها العام 2000. ويُحيي فلسطينيو الداخل ذكرى الهبة وذكرى شهدائها الـ13، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام. وتتفق الغالبية على وجود تقصير، وعلى الحاجة لنشاط أكبر ولعمل جماعي أكثر تنظيماً، حفاظاً على المناسبات الوطنية وذكرى الشهداء.
يرى وليد غنايم، شقيق شهيد "هبة القدس والأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2000 عماد غنايم، أن "المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني بشكل عام يحترم شهداءه، ونلمس هذا الأمر بشكل خاص، في يوم إحياء ذكراهم وذكرى الحدث، الذي شكّل نقطة تحّول في حياة جماهيرنا. المشكلة لا تكمن في هذا الجانب، ولكن لدينا مشكلة وعي. كما أن هنالك تراجعاً كبيراً نلاحظه من عام إلى آخر، في عدد المشاركين بإحياء المناسبة الوطنية".
ويوضح غنايم في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أنه "لا نقول إن علينا التفكير في شهداء مناسباتنا الوطنية ليل نهار، وإنما المطلوب الحفاظ على الذاكرة الجماعية، وفهم ما حدث ونشر الوعي. أحياناً أدخل إلى المدارس للحديث عن هبة القدس والأقصى، وأجد أن معظم الطلاب لا يعرفون عنها إلا بعض المعلومات السطحية".
ويضيف أن "هناك أمورا يجب أن تهتم بها قياداتنا ومؤسساتنا لتوثيق مناسباتنا الوطنية. هناك محاولات وحملات جيدة، لكنها لم تكتمل. ونحن ما زلنا حتى اليوم نطالب بمعاقبة قَتَلَة أبنائنا، وملف كهذا، يجب أن يُعالج على مدار العام، لا أن نتذكره فقط في خطابات المهرجانات، لا سيما أن أذرع المؤسسة الإسرائيلية قتلت العشرات من أبنائنا بدم بارد منذ أحداث هبة القدس والأقصى حتى اليوم، وهو ما يُنذر بأننا جميعاً في خطر، وأن القتل لم يتوقف عند العام 2000".
اقرأ أيضاً: 500 كاهن يهودي يؤدون طقوساً دينية قرب الأقصى
من جانبه، يعترف منسّق لجنة "الشهداء والجرحى والأسرى"، المنبثقة عن "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية"، فراس عمري، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، بوجود "تقصير واضح في قضية التعامل مع شهداء فلسطين عموماً والداخل الفلسطيني خصوصاً. التقصير جماهيري ومن القيادات السياسية في الداخل، لكنني متفائل بأن هناك حراكا بدأ يتطور تحديداً في العامين الأخيرين، في موضوع متابعة قضية شهداء الداخل الفلسطيني".
ويعدّد عمري بعض النشاطات والبرامج العملية التي بادرت إليها اللجنة، وبدأت بتنفيذها على الأرض ولم تكن سائدة من قبل، منها "إحياء ذكرى مجزرة بلد الشيخ، التي يوجد فيها ضريح الشهيد عز الدين القسام، وإحياء ذكرى شهداء صندلة منذ ثلاث سنوات. وقد أطلقنا منذ عامين مشروع: حافلة الوفاء للشهداء، وهي حافلة تحمل صوراً وأسماء شهداء الداخل، وتجوب بلدات الشهداء في ذكرى هبّة القدس والأقصى. وفي كل عام نضيف أسماء شهداء سقطوا في مناسبات أخرى، ونزور عائلاتهم، وذلك تنشيطاً للذاكرة الجماعية". ويذكر أنه "هناك مشاريع مجمّدة، لكنها ستُستأنف لاحقاً، منها إقامة متحف الوفاء، الذي سيتابع كل الرواية الفلسطينية، بما فيها قضية الشهداء".
من جهتها، تقول الناشطة السياسية، هبة يزبك في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "المفهوم العام في سياق مجتمعنا الفلسطيني للشهادة، هو النضال والموت في سبيل الوطن والدفاع عنه وعن حريته". وتضيف: "لا شك أن ترسيخ هذا المفهوم للشهادة، يحتاج إلى حدّ أدنى من الرمزية والنشاط الفاعل، لإبقاء قضية الشهداء حيّة في عقول الناس. وهذه مهمّة الأحزاب والحركات السياسية الوطنية الفاعلة بالدرجة الأولى، لأن دلالات الحفاظ على ذكرى الشهداء هي من دلالات تشبّث المجتمع بهويته الوطنية والثقافية. ولا شك أن ما تقوم به القوى السياسية في مجتمعنا من إحياء لذكرى الشهداء، هو أمر هام وضروري، ولكنه ليس كافيا، ويجب أن تكون هناك عملية تثقيفية تعبوية مستمرة وليست موسمية فقط".
تتحدث يزبك عن أهمية تسمية الشوارع على أسماء الشهداء، ليس في بلداتهم فقط، وإنما في مختلف البلدات العربية. وتعتبر أن "النصب التذكاري أكثر بكثير من مجرّد كونه مبنى أو شكل يُذكر بالشهداء، إذ يفرض خلق مساحة متفاعلة مع المحيط حول مفهوم متصل بما وراء الشهادة".
وتضيف أن "هذا المفهوم يتعلق بالوجود والبقاء، بالإضافة إلى العواطف التي تمتزج مع مفهوم الشهادة، والحاجة لاستمرار وجود ترسيخ من استشهد لأجل الوطن. كمن يرسّخ التمسك بالوطن ذاته. بالتالي، وفي سياق مجتمعنا الفلسطيني الذي يعاني بشكل مستمر من محاولات تهويد الأماكن والفضاءات العامة ومحاولة سلخها عن إطارها الفلسطيني، تصبح ضرورة بناء النصب التذكاري، ضرورة لا تقتصر فقط على المعنى التخليدي للشهيد، بل تمتد للإبقاء على المعنى الوجودي للفلسطيني في أرضه وبلده".
أما الناشطة السياسية نداء نصار، التي كان لها دور في العديد من الحملات الوطنية، وعملت مع شريحة الشباب في مشاريع عدة، فتعتبر أنه "ثمة إشكالية في إخراج سؤال التعامل مع الشهادة من سياقه الفلسطيني العام، وحصره في سؤال التعامل مع شهداء الداخل، تحدياً في هبة أكتوبر 2000". وتشرح "الإشكالية تظهر في التعاطي مع الأحداث، التي كانت كهبة للمواطنين العرب في إسرائيل، لا كجزء من انتفاضة فلسطينية عامة، راح ضحيتها المئات من أبناء شعبنا في كافة أماكن تواجده".
وتتابع "هذه المعادلة تُحدّد تقييم الوعي بخصوص ما حصل، بين وعي يدرك همجية وعنصرية المؤسسة الإسرائيلية على كافة أذرعها ضد المواطنين العرب التي قد تصل حدّ القتل، وبين وعي آخر يتجاوز معادلة العلاقة بين أكثرية عنصرية وأقلية مضطهدة".
وفي الحديث عن شريحة الشباب تحديداً، وعلاقتها مع الشهداء والمناسبات الوطنية تقول نصار: "ككل شعب يوجد الشريحة الواعية والمسيّسة والناشطة وطنياً، ويوجد الشرائح الأخرى المغيّبة عن هذا الحيّز أصلاً، مع اختلاف الممارسات والتفاعلات التي تؤدي لذلك. ليس جديداً أن نقول إن شريحة واسعة من الشباب غير واعية للقضية الوطنية مطلقاً، ولكن ما يهم إضاءته في هذا الخصوص، هو حالات الفرز التي تخلقها المؤسسة الإسرائيلية، كواحدة من أدوات التحكم الاستعمارية، ودورنا هنا كحراك وطني فاعل".
وتشرح نصار "الحالة الأولى هي حالة الفرز بين الحيّز العام والخاص، وهي حالة مفتعلة أصلاً، فقد نرى الكثير من الشباب الواعي وطنياً، ولكنه يتعامل مع القضية الوطنية على أنها معزل آخر، يُحيّده عن مساحة حياته الشخصية وخياراتها، ليكون الوعيّ هنا قضية فردية، لا ركيزة لمراكمة عمل ويتم تنظيمها. هذا الأمر يزداد حدّة في ظل سياسة دولة، تحاول ليس فقط تجزئتنا إلى مجموعات طائفية متحاربة، بل إلى أفراد يديرون علاقاتهم وفق محسوبيات الربح والخسارة الفرديّة، لا الهمّ والصالح العام".
يرى وليد غنايم، شقيق شهيد "هبة القدس والأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2000 عماد غنايم، أن "المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني بشكل عام يحترم شهداءه، ونلمس هذا الأمر بشكل خاص، في يوم إحياء ذكراهم وذكرى الحدث، الذي شكّل نقطة تحّول في حياة جماهيرنا. المشكلة لا تكمن في هذا الجانب، ولكن لدينا مشكلة وعي. كما أن هنالك تراجعاً كبيراً نلاحظه من عام إلى آخر، في عدد المشاركين بإحياء المناسبة الوطنية".
ويوضح غنايم في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أنه "لا نقول إن علينا التفكير في شهداء مناسباتنا الوطنية ليل نهار، وإنما المطلوب الحفاظ على الذاكرة الجماعية، وفهم ما حدث ونشر الوعي. أحياناً أدخل إلى المدارس للحديث عن هبة القدس والأقصى، وأجد أن معظم الطلاب لا يعرفون عنها إلا بعض المعلومات السطحية".
اقرأ أيضاً: 500 كاهن يهودي يؤدون طقوساً دينية قرب الأقصى
من جانبه، يعترف منسّق لجنة "الشهداء والجرحى والأسرى"، المنبثقة عن "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية"، فراس عمري، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، بوجود "تقصير واضح في قضية التعامل مع شهداء فلسطين عموماً والداخل الفلسطيني خصوصاً. التقصير جماهيري ومن القيادات السياسية في الداخل، لكنني متفائل بأن هناك حراكا بدأ يتطور تحديداً في العامين الأخيرين، في موضوع متابعة قضية شهداء الداخل الفلسطيني".
ويعدّد عمري بعض النشاطات والبرامج العملية التي بادرت إليها اللجنة، وبدأت بتنفيذها على الأرض ولم تكن سائدة من قبل، منها "إحياء ذكرى مجزرة بلد الشيخ، التي يوجد فيها ضريح الشهيد عز الدين القسام، وإحياء ذكرى شهداء صندلة منذ ثلاث سنوات. وقد أطلقنا منذ عامين مشروع: حافلة الوفاء للشهداء، وهي حافلة تحمل صوراً وأسماء شهداء الداخل، وتجوب بلدات الشهداء في ذكرى هبّة القدس والأقصى. وفي كل عام نضيف أسماء شهداء سقطوا في مناسبات أخرى، ونزور عائلاتهم، وذلك تنشيطاً للذاكرة الجماعية". ويذكر أنه "هناك مشاريع مجمّدة، لكنها ستُستأنف لاحقاً، منها إقامة متحف الوفاء، الذي سيتابع كل الرواية الفلسطينية، بما فيها قضية الشهداء".
من جهتها، تقول الناشطة السياسية، هبة يزبك في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "المفهوم العام في سياق مجتمعنا الفلسطيني للشهادة، هو النضال والموت في سبيل الوطن والدفاع عنه وعن حريته". وتضيف: "لا شك أن ترسيخ هذا المفهوم للشهادة، يحتاج إلى حدّ أدنى من الرمزية والنشاط الفاعل، لإبقاء قضية الشهداء حيّة في عقول الناس. وهذه مهمّة الأحزاب والحركات السياسية الوطنية الفاعلة بالدرجة الأولى، لأن دلالات الحفاظ على ذكرى الشهداء هي من دلالات تشبّث المجتمع بهويته الوطنية والثقافية. ولا شك أن ما تقوم به القوى السياسية في مجتمعنا من إحياء لذكرى الشهداء، هو أمر هام وضروري، ولكنه ليس كافيا، ويجب أن تكون هناك عملية تثقيفية تعبوية مستمرة وليست موسمية فقط".
وتضيف أن "هذا المفهوم يتعلق بالوجود والبقاء، بالإضافة إلى العواطف التي تمتزج مع مفهوم الشهادة، والحاجة لاستمرار وجود ترسيخ من استشهد لأجل الوطن. كمن يرسّخ التمسك بالوطن ذاته. بالتالي، وفي سياق مجتمعنا الفلسطيني الذي يعاني بشكل مستمر من محاولات تهويد الأماكن والفضاءات العامة ومحاولة سلخها عن إطارها الفلسطيني، تصبح ضرورة بناء النصب التذكاري، ضرورة لا تقتصر فقط على المعنى التخليدي للشهيد، بل تمتد للإبقاء على المعنى الوجودي للفلسطيني في أرضه وبلده".
أما الناشطة السياسية نداء نصار، التي كان لها دور في العديد من الحملات الوطنية، وعملت مع شريحة الشباب في مشاريع عدة، فتعتبر أنه "ثمة إشكالية في إخراج سؤال التعامل مع الشهادة من سياقه الفلسطيني العام، وحصره في سؤال التعامل مع شهداء الداخل، تحدياً في هبة أكتوبر 2000". وتشرح "الإشكالية تظهر في التعاطي مع الأحداث، التي كانت كهبة للمواطنين العرب في إسرائيل، لا كجزء من انتفاضة فلسطينية عامة، راح ضحيتها المئات من أبناء شعبنا في كافة أماكن تواجده".
وتتابع "هذه المعادلة تُحدّد تقييم الوعي بخصوص ما حصل، بين وعي يدرك همجية وعنصرية المؤسسة الإسرائيلية على كافة أذرعها ضد المواطنين العرب التي قد تصل حدّ القتل، وبين وعي آخر يتجاوز معادلة العلاقة بين أكثرية عنصرية وأقلية مضطهدة".
وفي الحديث عن شريحة الشباب تحديداً، وعلاقتها مع الشهداء والمناسبات الوطنية تقول نصار: "ككل شعب يوجد الشريحة الواعية والمسيّسة والناشطة وطنياً، ويوجد الشرائح الأخرى المغيّبة عن هذا الحيّز أصلاً، مع اختلاف الممارسات والتفاعلات التي تؤدي لذلك. ليس جديداً أن نقول إن شريحة واسعة من الشباب غير واعية للقضية الوطنية مطلقاً، ولكن ما يهم إضاءته في هذا الخصوص، هو حالات الفرز التي تخلقها المؤسسة الإسرائيلية، كواحدة من أدوات التحكم الاستعمارية، ودورنا هنا كحراك وطني فاعل".
وتشرح نصار "الحالة الأولى هي حالة الفرز بين الحيّز العام والخاص، وهي حالة مفتعلة أصلاً، فقد نرى الكثير من الشباب الواعي وطنياً، ولكنه يتعامل مع القضية الوطنية على أنها معزل آخر، يُحيّده عن مساحة حياته الشخصية وخياراتها، ليكون الوعيّ هنا قضية فردية، لا ركيزة لمراكمة عمل ويتم تنظيمها. هذا الأمر يزداد حدّة في ظل سياسة دولة، تحاول ليس فقط تجزئتنا إلى مجموعات طائفية متحاربة، بل إلى أفراد يديرون علاقاتهم وفق محسوبيات الربح والخسارة الفرديّة، لا الهمّ والصالح العام".