يعرف أهالي الإسكندرية والكثير من زائريها أنّ فيها مصايف لمحدودي الدخل وأخرى للأغنياء على ساحل المدينة الممتد بطول حوالى 70 كلم. صحيح أنّ من حقّ الجميع الاستمتاع بالبحر لكن لكلّ منهم شاطئه المحكوم بوضعه المالي. والأمر نفسه يتكرر في مناطق أخرى من الساحل الشمالي.
فشواطئ الأغنياء تتوافر جميع الخدمات ووسائل الراحة فيها، وغالباً ما تحاط بأسوار عالية وإجراءات أمن وأمان داخلها وخارجها. أما شواطئ الفقراء المجانية والرخيصة فلا خدمات فيها، أو عمال إنقاذ، عدا ازدحامها الدائم.
يزور الفقراء ما يسمى بـ"مصايف الغلابة" في مدن صغيرة كرأس البر وبلطيم وجمصة أو بعض الشواطئ المفتوحة في الإسكندرية. وتكلف الرحلة لمدة أسبوع كامل كلّ أسرة 1500 جنيه (190 دولاراً أميركياً)، ومع ذلك فهو مبلغ كبير بالنسبة لهم.
يجلس محمد عبد اللطيف الموظف في محافظة الإسكندرية تحت مظلة تحميه من حرارة الشمس الحارقة على شاطئ المكس المجاني بغرب المدينة. يمضي يوماً ترفيهياً مع أسرته المكونة من أربعة أفراد. يوضح أنه يحرص سنوياً على اصطحاب أسرته إلى أحد شواطئ المدينة المجانية التي تشكل متنفساً لمحدودي الدخل والوافدين من المحافظات المجاورة، للاستمتاع بالبحر والابتعاد عن المشاكل اليومية، إلّا أنّ ما يقلقه هو الازدحام وعدم اهتمام المسؤولين بأماكن الفقراء. ويشير إلى أنّ زوجته تعدّ بعض الأطعمة والمشروبات والاحتياجات الغذائية بنفسها لتتناولها العائلة على الشاطئ، فهذا أوفر من شرائها من المحلات.
وكان قرار محافظة الإسكندرية إلغاء بعض الشواطئ المجانية التي يصل عددها إلى 19 شاطئاً وطرحها للاستثمار بهدف تحويلها إلى خاصة قد أثار غضب "الغلابة" الذين يزورون تلك الشواطئ. ومن بينها جليم والهانوفيل والبيطاش وسيدي بشر والعصافرة وبرج العرب.
تقول إيمان السيد (ربة منزل) إنّ صيف هذا العام هو الأسوأ على المواطنين الغلابة، فقد أصبحت الشواطئ حكراً على الأغنياء بعد بيع معظمها للقطاع الخاص. وتشير إلى أنّ ما يحدث هو مثال صارخ للطبقية والصراع الاجتماعي بين فئات المجتمع.
أما محمد سعدون، المدرّس في مديرية التعليم بمحافظة البحيرة، والذي كان يرتاد شاطئ البيطاش، فيجد أنّ الكثير من المواطنين ليست لديهم القدرة على الاستمتاع بالصيف كما كانوا يفعلون سابقاً، وذلك بسبب شعورهم بالتفرقة الطبقية الشديدة بينهم وبين الأثرياء. ويشير إلى أنّ الشواطئ النظيفة ذات المستوى المتميز مقتصرة على أصحاب المال والنفوذ فقط، أما الفقراء فليس لهم مكان يتنزهون فيه إلّا ما ازدحم وامتلأ بالقمامة والمخلفات وعرّضهم للغرق.
من جهته، يقول المواطن حسين صديق إنّه يقوم كلّ عام برحلة إلى الإسكندرية لقضاء أسبوع مصيف بعيداً عن ازدحام القاهرة، وذلك بالتعاون مع بعض الأسر من الأقرباء، ومن خلال "جمعية مالية" يحضّرون لها قبل فترة طويلة.
يشير صديق إلى أنهم يستأجرون باصاً ينتقلون فيه وشققاً صغيرة في الإسكندرية يقيمون فيها. لكنّهم هذا العام لم يستأجروا سوى شقة واحدة بسبب الأسعار المرتفعة بالرغم من أنّ عددهم يصل إلى 18 فرداً من 4 أسر. ويضيف أنّهم ينظمون أوقات النوم في نوبات مختلفة صباحية ومسائية.
بدوره، يجد الشاب الجامعي كريم محمد أنه للتغلب على أزمة الأسعار وعدم وجود شواطئ متوسطة السعر يفضل الكثير مصايف اليوم الواحد. فهي المنفذ البديل لإجازة الأسبوع الكامل، نتيجة ارتفاع الأسعار. كذلك، يطالب محمد الدولة بوضع المواطنين غير القادرين على تحمل التكاليف هذه في حسبانها.
ويعتبر الموظف عيسى رضوان أنّ معظم الشواطئ تغيب الرقابة عنها. فيما تعاني من الإهمال ونقص الخدمات وانتشار القمامة طوال الوقت، بينما تحظى شواطئ الأغنياء باهتمام بالغ من المسؤولين. ويشير إلى أنّ حالات الغرق تطال مرتادي شواطئ الفقراء فقط، وكلما ارتفعت أسعار دخول الشواطئ، كرّست إداراتها إمكانات أكبر لمنع حوادث الغرق، كمردّات الأمواج، وتوفيرعمال الإنقاذ أصحاب الكفاءة العالية، فضلاً عن أدوات الغطس والإنقاذ.
في المقابل، تشتهر مناطق سياحية عديدة في الإسكندرية والساحل الشمالي مثل مراقيا وماربيللا ومارينا وبورتو مارينا، حيث يوجد في تلك المناطق عالم الثروة والنفوذ، ويتراوح إيجار الشاليه في اليوم الواحد ما بين 2000 جنيه (255 دولاراً أميركياً) و3000 جنيه (380 دولاراً) في اليوم الواحد. كذلك هناك فنادق باهظة يصل إيجار الغرفة فيها ليوم واحد إلى 5000 جنيه (640 دولاراً).
وفي الإسكندرية، يقول حارس شاطئ بيانكي الخاص الذي لا يسمح لأيّ كان بدخوله، عادل فتحي، عن شواطئ الأغنياء: "هي عبارة عن إمبراطوريات لها قوانينها الخاصة التي تميز روادها الأثرياء عن غيرهم من الطبقات الفقيرة. في هذه الأماكن تحترم خصوصية الرواد وتتوفر لهم وسائل التسلية والترفيه الباهظة".
كما يشير فتحي إلى ارتفاع أسعار امتلاك أو استئجار شاليه في عدد من القرى السياحية المنتشرة في المدينة. وهو ما يمنع الفقراء من الدخول، فيحافظ المكان على أمانه ورونقه ونظافته طوال الوقت، كما يقول.
من جهتها، تقول المواطنة عايدة مرسي، إحدى زائرات شاطئ الأنفوشي بمنطقة بحري، إنّ التفاوت الكبير بين مستوى الشواطئ في الأسعار ودرجة الاستعداد والخدمة، يسهم في اتساع دائرة الانقسام الاجتماعي الذي تعيشه مصر على كافة المستويات. وتوضح أنّ الأغنياء لا يريدون الاختلاط بالفقراء، فيرسلون أبناءهم إلى مدارس ونوادٍ رياضية وشواطئ ودور عرض أفلام ومحلات بيع ملابس لا يقدر الفقراء على تحمل كلفتها "وبذلك يضمنون العيش وحدهم في وطن غالبيته العظمى من محدودي الدخل أو معدوميه".
بدورها، تقول الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم إنّ "المصايف من العلامات الشاهدة على التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت خلال السنوات الأخيرة في مصر. وهي تحولات تكشف حجم التناقضات في المجتمع والطبقية بين المواطنين بصورة غير مسبوقة، بعد أن حرمت فئات كثيرة من ارتياد الشاطئ والجلوس على رماله بسبب الفقر".
اتساع الفجوة الطبقية
كذلك، تقول الباحثة الاجتماعية عزة كريم لـ "العربي الجديد" إنّ الأغنياء في مصر انفصلوا تماماً عن المجتمع الذي يعيشون فيه، فلديهم مساكن بعيدة، ومدارس وجامعات خاصة، وحتى مصايفهم بعيدة عن الفقراء. وتوضح أنّ الفجوة بين الطبقتين تتسع بصورة غير مسبوقة وتكاد تصل إلى حد الجنون بسبب الانتشار الكبير للفساد ونهب الأموال.
إقرأ أيضاً: "يا شطّ" العاطلين من العمل
فشواطئ الأغنياء تتوافر جميع الخدمات ووسائل الراحة فيها، وغالباً ما تحاط بأسوار عالية وإجراءات أمن وأمان داخلها وخارجها. أما شواطئ الفقراء المجانية والرخيصة فلا خدمات فيها، أو عمال إنقاذ، عدا ازدحامها الدائم.
يزور الفقراء ما يسمى بـ"مصايف الغلابة" في مدن صغيرة كرأس البر وبلطيم وجمصة أو بعض الشواطئ المفتوحة في الإسكندرية. وتكلف الرحلة لمدة أسبوع كامل كلّ أسرة 1500 جنيه (190 دولاراً أميركياً)، ومع ذلك فهو مبلغ كبير بالنسبة لهم.
يجلس محمد عبد اللطيف الموظف في محافظة الإسكندرية تحت مظلة تحميه من حرارة الشمس الحارقة على شاطئ المكس المجاني بغرب المدينة. يمضي يوماً ترفيهياً مع أسرته المكونة من أربعة أفراد. يوضح أنه يحرص سنوياً على اصطحاب أسرته إلى أحد شواطئ المدينة المجانية التي تشكل متنفساً لمحدودي الدخل والوافدين من المحافظات المجاورة، للاستمتاع بالبحر والابتعاد عن المشاكل اليومية، إلّا أنّ ما يقلقه هو الازدحام وعدم اهتمام المسؤولين بأماكن الفقراء. ويشير إلى أنّ زوجته تعدّ بعض الأطعمة والمشروبات والاحتياجات الغذائية بنفسها لتتناولها العائلة على الشاطئ، فهذا أوفر من شرائها من المحلات.
وكان قرار محافظة الإسكندرية إلغاء بعض الشواطئ المجانية التي يصل عددها إلى 19 شاطئاً وطرحها للاستثمار بهدف تحويلها إلى خاصة قد أثار غضب "الغلابة" الذين يزورون تلك الشواطئ. ومن بينها جليم والهانوفيل والبيطاش وسيدي بشر والعصافرة وبرج العرب.
تقول إيمان السيد (ربة منزل) إنّ صيف هذا العام هو الأسوأ على المواطنين الغلابة، فقد أصبحت الشواطئ حكراً على الأغنياء بعد بيع معظمها للقطاع الخاص. وتشير إلى أنّ ما يحدث هو مثال صارخ للطبقية والصراع الاجتماعي بين فئات المجتمع.
أما محمد سعدون، المدرّس في مديرية التعليم بمحافظة البحيرة، والذي كان يرتاد شاطئ البيطاش، فيجد أنّ الكثير من المواطنين ليست لديهم القدرة على الاستمتاع بالصيف كما كانوا يفعلون سابقاً، وذلك بسبب شعورهم بالتفرقة الطبقية الشديدة بينهم وبين الأثرياء. ويشير إلى أنّ الشواطئ النظيفة ذات المستوى المتميز مقتصرة على أصحاب المال والنفوذ فقط، أما الفقراء فليس لهم مكان يتنزهون فيه إلّا ما ازدحم وامتلأ بالقمامة والمخلفات وعرّضهم للغرق.
من جهته، يقول المواطن حسين صديق إنّه يقوم كلّ عام برحلة إلى الإسكندرية لقضاء أسبوع مصيف بعيداً عن ازدحام القاهرة، وذلك بالتعاون مع بعض الأسر من الأقرباء، ومن خلال "جمعية مالية" يحضّرون لها قبل فترة طويلة.
يشير صديق إلى أنهم يستأجرون باصاً ينتقلون فيه وشققاً صغيرة في الإسكندرية يقيمون فيها. لكنّهم هذا العام لم يستأجروا سوى شقة واحدة بسبب الأسعار المرتفعة بالرغم من أنّ عددهم يصل إلى 18 فرداً من 4 أسر. ويضيف أنّهم ينظمون أوقات النوم في نوبات مختلفة صباحية ومسائية.
بدوره، يجد الشاب الجامعي كريم محمد أنه للتغلب على أزمة الأسعار وعدم وجود شواطئ متوسطة السعر يفضل الكثير مصايف اليوم الواحد. فهي المنفذ البديل لإجازة الأسبوع الكامل، نتيجة ارتفاع الأسعار. كذلك، يطالب محمد الدولة بوضع المواطنين غير القادرين على تحمل التكاليف هذه في حسبانها.
ويعتبر الموظف عيسى رضوان أنّ معظم الشواطئ تغيب الرقابة عنها. فيما تعاني من الإهمال ونقص الخدمات وانتشار القمامة طوال الوقت، بينما تحظى شواطئ الأغنياء باهتمام بالغ من المسؤولين. ويشير إلى أنّ حالات الغرق تطال مرتادي شواطئ الفقراء فقط، وكلما ارتفعت أسعار دخول الشواطئ، كرّست إداراتها إمكانات أكبر لمنع حوادث الغرق، كمردّات الأمواج، وتوفيرعمال الإنقاذ أصحاب الكفاءة العالية، فضلاً عن أدوات الغطس والإنقاذ.
في المقابل، تشتهر مناطق سياحية عديدة في الإسكندرية والساحل الشمالي مثل مراقيا وماربيللا ومارينا وبورتو مارينا، حيث يوجد في تلك المناطق عالم الثروة والنفوذ، ويتراوح إيجار الشاليه في اليوم الواحد ما بين 2000 جنيه (255 دولاراً أميركياً) و3000 جنيه (380 دولاراً) في اليوم الواحد. كذلك هناك فنادق باهظة يصل إيجار الغرفة فيها ليوم واحد إلى 5000 جنيه (640 دولاراً).
وفي الإسكندرية، يقول حارس شاطئ بيانكي الخاص الذي لا يسمح لأيّ كان بدخوله، عادل فتحي، عن شواطئ الأغنياء: "هي عبارة عن إمبراطوريات لها قوانينها الخاصة التي تميز روادها الأثرياء عن غيرهم من الطبقات الفقيرة. في هذه الأماكن تحترم خصوصية الرواد وتتوفر لهم وسائل التسلية والترفيه الباهظة".
كما يشير فتحي إلى ارتفاع أسعار امتلاك أو استئجار شاليه في عدد من القرى السياحية المنتشرة في المدينة. وهو ما يمنع الفقراء من الدخول، فيحافظ المكان على أمانه ورونقه ونظافته طوال الوقت، كما يقول.
من جهتها، تقول المواطنة عايدة مرسي، إحدى زائرات شاطئ الأنفوشي بمنطقة بحري، إنّ التفاوت الكبير بين مستوى الشواطئ في الأسعار ودرجة الاستعداد والخدمة، يسهم في اتساع دائرة الانقسام الاجتماعي الذي تعيشه مصر على كافة المستويات. وتوضح أنّ الأغنياء لا يريدون الاختلاط بالفقراء، فيرسلون أبناءهم إلى مدارس ونوادٍ رياضية وشواطئ ودور عرض أفلام ومحلات بيع ملابس لا يقدر الفقراء على تحمل كلفتها "وبذلك يضمنون العيش وحدهم في وطن غالبيته العظمى من محدودي الدخل أو معدوميه".
بدورها، تقول الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم إنّ "المصايف من العلامات الشاهدة على التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت خلال السنوات الأخيرة في مصر. وهي تحولات تكشف حجم التناقضات في المجتمع والطبقية بين المواطنين بصورة غير مسبوقة، بعد أن حرمت فئات كثيرة من ارتياد الشاطئ والجلوس على رماله بسبب الفقر".
اتساع الفجوة الطبقية
كذلك، تقول الباحثة الاجتماعية عزة كريم لـ "العربي الجديد" إنّ الأغنياء في مصر انفصلوا تماماً عن المجتمع الذي يعيشون فيه، فلديهم مساكن بعيدة، ومدارس وجامعات خاصة، وحتى مصايفهم بعيدة عن الفقراء. وتوضح أنّ الفجوة بين الطبقتين تتسع بصورة غير مسبوقة وتكاد تصل إلى حد الجنون بسبب الانتشار الكبير للفساد ونهب الأموال.
إقرأ أيضاً: "يا شطّ" العاطلين من العمل