شيء ما فاسد في المغرب

09 اغسطس 2017

محمد السادس: في المغرب أكثر من شيء فاسد (2/5/2017/Getty)

+ الخط -
لم يسبق لخطاب صادر عن ملك المغرب، محمد السادس، أن جمع المغاربة وفرّقهم في الوقت نفسه، كما فعل فيهم خطابه أخيرا بمناسبة مرور ثمانية عشر عاما على توليه الملك في المغرب. رأى مؤيدو الخطاب فيه شجاعة وجرأة نادرتين في تشخيص أوضاع المغرب، وانتقادا صريحا وواضحا للأسباب التي أدّت إلى الأعطاب العديدة التي وقف عندها الخطاب الملكي، وأعاقت تنمية المغرب وتطوره وتقدمه. أما الانتقادات للخطاب، فوردت في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لم يسبق لأي خطاب ملكي أن خلّف مثل هذه الموجة الكبيرة من ردود الفعل، ليس لنبرة الخطاب الغاضبة أو تشخيصه القاسي الوضع في المغرب، وإنما لوقوفه عند التشخيص، من دون أن يقدم الحلول، خصوصا أنه يصدر عن المسؤول الأول في البلاد. وإذا كانت هذه بعض أوجه الخلاف التي فرّقت متلقي خطاب الملك بين مؤيد ومنتقد، فإن ما اتفق حوله الجميع، بدون استثناء، هو لغة التشخيص التي تحدثت بلسان الشعب، ووصلت إلى كل شرائح المجتمع التي لا تتقاسم فقط رؤية الملك بشأن تفشي الفساد وطغيان المصالح، وإنما تعيشها يوميا.
ماذا قال الملك محمد السادس حتى أثار خطابه كل هذا النقاش الذي مازال يتفاعل على المواقع الاجتماعية داخل المغرب؟ بتركيز شديد، قال إن الإدارة المغربية هي سبب أعطاب كثيرة تعيق تقدم المغرب، بعد أن تحولت إلى عبء على الدولة، وليس أداة للرقي بها، والأحزاب السياسية والسياسيون أغلبهم فاسدون، يغلّبون مصالحهم الذاتية على المصلحة العامة، نفّروا الناس من السياسة وأفقدوهم الثقة فيها. وفي المقابل، نوه الملك بقطاعين فقط، هما القطاع الخاص وقطاع الأمن.
ماذا يعني هذا؟ ما أراد الملك قوله إن القوس الذي فتحه الربيع العربي الذي بشّر بالحرية 
والديمقراطية لم ينتج سوى أحزاب فاسدة وسياسيين انتهازيين، وشل الإدارة وعطل التنمية. وفي هذا التشخيص جزء كبير من الحقيقة. لكن، يجب البحث عن الأسباب، وليس فقط الوقوف عند النتائج. فهل تحققت الديمقراطية الحقيقية التي تستند إلى الإرادة الشعبية، وتقوم على مبدأ المحاسبة والمساءلة، حتى يمكن أن نحكم اليوم على نتائجها؟ يقرّ الملك نفسه، في خطابه، بعدم تفعيل المبدأ الذي ينص عليه الدستور المغربي، أي "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وإلا لما استطاع مسؤولون كثيرون أن يحولوا الشأن العام إلى شأن خاص لخدمة مصالحهم أولا ويستمروا في مناصبهم بدون حسيب أو رقيب. لسان حال الملك يقول: أنظروا ماذا كانت نتيجة الديمقراطية والحرية التي خرج الشعب يطالب بها إبان فترة الربيع العربي.
وبما أن الخطاب الملكي لم يحمل في طياته حلولا جديدة للحالة التي نجح في تشخيصها باللغة نفسها التي يتحدث بها ويفهمها عامة الناس، فهو ترك الباب مفتوحا على احتمالين: الأول، ما لمح إليه الخطاب، عندما أشاد بالقطاع الخاص وقطاع الأمن، وفي ذلك إحالة على النماذج التي كانت تعتبر وصفات ناجحة قبيل مجيء الربيع العربي، وازدهرت في أكثر من دولة عربية، جمعت بين تنمية اقتصادية تدعمها الدولة وتشجع أصحابها، ولو على حساب تفقير شرائح واسعة من المجتمع، والحافظ على الاستقرار بقبضةٍ من حديد، حتى لو تمت التضحية بحريات وحقوق كثيرة، أما الديمقراطية فمجرد واجهة للاستهلاك الخارجي، ولرفع العتب عن بعض 
دول الغرب التي اتضح أنها لا تهمها الديمقراطية، إلا عندما يتعلق الأمر بترتيب شؤون بيتها الداخلي. الاحتمال الثاني، هو ما يتطلع إليه متفائلون كثيرون في المغرب، أي الإعلان عن رزمة جديدة من الإصلاحات السياسية، لتجاوز العراقيل التي برزت في الطريق، منذ قرّر المغرب فتح قوس جديد مع بداية الربيع العربي. لكن هذا يبقى مجرّد حلم، لأنه لا مؤشرات حقيقية تدل على وجود اتجاه داخل الدولة يشجع على السير في الطريق نفسها التي بدا اليوم أن كلفتها كبيرة، وآثارها على التنمية بطيئة، تجعل ثمار هذه التنمية لا تصل إلى شرائح واسعة من المجتمع، كلما اتسعت قاعدتها كبرت مطالبها، وتعدّدت انتظاراتها.
اليوم، يجد المغرب نفسه أمام مفترق طرق كبير: إما مواصلة السير على طريق الإصلاحات نفسها التي بدأها بكل أعطابها وتكاليفها الباهظة، أو إغلاق باب القوس الذي فتح عام 2011، والعودة إلى نقطة الصفر، مع كل ما تحمله هذه العودة من أخطار ومجازفات، لأن منسوب الوعي في الشارع ارتفع، وحالة الاحتقان الاجتماعي لم تعد تسمح بضغطٍ كثير قد يؤدي إلى الانفجار في كل لحظة.
اعترف الملك نفسه بأن ثمّة في المملكة أكثر من شيء فاسد، وأنه حان وقت إصلاح ما فسد، قبل أن ينخر الفساد كل شيء. ولأول مرة، ترتد الكرة إلى ملعب القصر الذي مازال المغاربة ينتظرون منه "الجزء الثاني" من خطاب الملك المرتقب في ذكرى "ثورة الملك والشعب"، يوم 20 أغسطس/ آب الجاري، فإذا كان خطاب "عيد العرش" (عيد الجلوس) تشخيصيا اتفق حوله لأول مرة المؤيدون والمعارضون، فإنه يُنتظر من الخطاب المقبل أن يأتي بالحلول، كما تتصوّرها أول سلطة في البلاد.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).