لولا حاجته الكبيرة إلى المال، خصوصاً مع عدم مساعدة أبنائه المقتدرين له، لما قصد الضابط المتقاعد من الجيش الأفغاني شير كريم السوق للعمل
بات شير كريم، وهو من متقاعدي الجيش الأفغاني، في الخامسة والسبعين، وما زال يعمل. لم يكن يدري أنّ الظروف المعيشية الصعبة سترغمه على العمل في هذا العمر. لكن، ليس أمامه من خيار سوى العمل طوال النهار مقابل مدخول بسيط، هو الذي عاش حياة ميسورة يوم كان في قريته شاباً ضابطاً.
يقول لـ"العربي الجديد": "كنت شاباً يافعاً، وعدا عن وظيفتي الحكومية، كنت أجمع الفواكه وأبيعها إذ كنا نملك أراضي شاسعة في شمال العاصمة كابول، لكن لأنّ الحرب قلبت كلّ شيء وغيّرت حالتي كما فعلت بكثيرين من الأفغان، بتّ الآن أعيش في منزل مستأجر، وأبذل قصارى جهدي لأجل كسب ما يؤمن لنا حياة كريمة بعض الشيء وليس أكثر".
ليس همه من عمله في بيع الحبوب والبزور والمكسرات، جمع المال لأجل لقمة العيش بقدر ما يهمه إيجار المنزل، فهو يدفع عشرة آلاف أفغانية (140 دولاراً أميركياً) شهرياً لمنزل من ثلاث غرف، لا تدخل إليه أشعة الشمس، ما يجعله في مشكلة كبيرة في أيام الشتاء، خصوصاً عند نزول الثلج، وما في ذلك من برد يخترق جدران المنزل، لكنّه مرغم على العيش فيه مع ابنتين غير متزوجتين.
اقــرأ أيضاً
من هموم الرجل الكبيرة بنتاه، بعد وفاة زوجته قبل عامين إذ إنّه كبير في السنّ، وليس هناك من يكفلهما برعايته إذا ما توفي. هو يطمح في تزويجهما وضمان مستقبلهما قبل الرحيل. يقول شير: "لديّ مشكلتان كبيرتان في حياتي هما: إيجار المنزل، إذ أعمل طوال الشهر يومياً مقابل مدخول بسيط لتأمين الإيجار وفي نهاية الشهر لا أتمكن من دفعه بسهولة، بل لا يمكنني أن أفعل ذلك في معظم الأحيان. يساعدني فيه أحد أقاربي أحياناً، وقليلاً ما يساعدني أبنائي، لكنّهم في الغالب مشغولون مع أولادهم وأنا لا أتوقع منهم الكثير، لأنّهم تركوني في هذا العمر وتركوا شقيقتيهم اللتين تمثلان مشكلتي الثانية الكبيرة".
يشكو من أبنائه الثلاثة بعدما بذل كلّ شيء وضحى بكلّ ما يملك لأجلهم، إذ تركوه الآن وهو في حاجة إلى مساعدتهم، لا سيما في ما يتعلق بشأن بنتيه ومستقبلهما. يقول شير إنّ الأبناء الثلاثة يقومون بأعمال جيدة، فالكبير منهم يقود سيارة أجرة، والصغير لديه بقالة صغيرة، أما الأوسط فيعمل طباخاً في شركة، وجميعهم يتقاضون رواتب جيدة، لكنّهم لا يساعدون أباهم، وليست العلاقة معه جيدة، أو بين بعضهم البعض حتى.
وكما تركه أبناؤه، تركه أشقاؤه الأربعة وأبناؤهم، في وقت الشدة، بعدما كانوا جميعاً يتكلون عليه في شؤون حياتهم، ويلتفون حوله عندما كان في وظيفته الكبيرة. وهكذا، بعدما بات فقيراً لا يملك شيئاً تركه أقرب الناس إليه، وبالرغم من شكواه الدائمة وتعبه، لم يأبه به أحد منهم.
لا تقتصر مشاكله على هذا الحدّ، فالوضع المعيشي الصعب جعله مريضاً نفسياً، وهكذا فإنّه يذهب إلى الطبيب النفسي مرة شهرياً، ويتناول الدواء الذي وصفه له، إذ ليس في إمكانه النوم من دون تلك الحبوب، وأحياناً لا يمكنه أن ينام حتى مع أخذ الحبوب، فيبقى طوال النهار مهموماً متعباً لا يمكنه أن ينجز عمله الذي يعتاش منه، وأحياناً يبقى في المنزل طوال النهار إذا لم يتمكن من النوم ليلاً.
يشعر شير كريم بآلام حادة في جسمه بسبب داء السكري، ويوصيه الأطباء بالحمية، لكن كيف يأكل مأكولات مخصصة، بينما لا يملك شيئاً؟ عادة لا يأكل طعام الغداء، إلا ما يتبقى من أكل أصحاب المحلات الأخرى، أو يتناول أحياناً خبزاً جافاً مع الشاي والسكر، وبهذا فإنّ إمكانية الحفاظ على صحته محدودة.
اقــرأ أيضاً
يذكر أحد رفاقه، وهو بائع الفواكه على عربة إلى جانب عربته، إكرام الدين: "نجد العم كريم أحياناً يأكل خبزاً جافاً مع الماء فقط أو مع الشاي الأخضر، ومن دون سكر أحياناً. نساعده بدورنا، لكنّ وضعنا ليس جيداً أيضاً، وبالتالي لا يمكننا أن نفعل الكثير". يذكر إكرام أنّ شير كريم سقط على الأرض مرة بعدما أغمي عليه، فأخذه من كانوا حوله إلى المستشفى وبقي هناك حتى الليل، أخذ المصل المغذي والأدوية وقال له الأطباء إنّ سقوطه كان بسبب انخفاض ضغط الدم. في ما بعد عندما شفي، كشف أنّه لم يأكل أيّ شيء منذ صباح ذلك اليوم حتى مسائه، فتسبب الأمر في إغمائه. لكنّ العم كريم يقول إنّ الغذاء المناسب ليس من أولوياته فهو لا يستطيع أن يهتم به في الوقت الراهن، بل همه الوحيد جمع المال لدفع الإيجار في موعده المحدد، فضلاً عن كلفة الكهرباء، وشراء بعض ما يحتاج إليه من الأدوية، وبعض الاحتياجات لبناته.
أما ما يتمناه من الحكومة الأفغانية فهو إعطاؤه حقه كضابط متقاعد، من خلال جعل الدفعات السنوية للمتقاعدين من ضباط وعناصر الجيش، منتظمة، فبالرغم من قيمتها غير الكبيرة فهي تساعد بعض الشيء في شراء احتياجات المنزل.
بات شير كريم، وهو من متقاعدي الجيش الأفغاني، في الخامسة والسبعين، وما زال يعمل. لم يكن يدري أنّ الظروف المعيشية الصعبة سترغمه على العمل في هذا العمر. لكن، ليس أمامه من خيار سوى العمل طوال النهار مقابل مدخول بسيط، هو الذي عاش حياة ميسورة يوم كان في قريته شاباً ضابطاً.
يقول لـ"العربي الجديد": "كنت شاباً يافعاً، وعدا عن وظيفتي الحكومية، كنت أجمع الفواكه وأبيعها إذ كنا نملك أراضي شاسعة في شمال العاصمة كابول، لكن لأنّ الحرب قلبت كلّ شيء وغيّرت حالتي كما فعلت بكثيرين من الأفغان، بتّ الآن أعيش في منزل مستأجر، وأبذل قصارى جهدي لأجل كسب ما يؤمن لنا حياة كريمة بعض الشيء وليس أكثر".
ليس همه من عمله في بيع الحبوب والبزور والمكسرات، جمع المال لأجل لقمة العيش بقدر ما يهمه إيجار المنزل، فهو يدفع عشرة آلاف أفغانية (140 دولاراً أميركياً) شهرياً لمنزل من ثلاث غرف، لا تدخل إليه أشعة الشمس، ما يجعله في مشكلة كبيرة في أيام الشتاء، خصوصاً عند نزول الثلج، وما في ذلك من برد يخترق جدران المنزل، لكنّه مرغم على العيش فيه مع ابنتين غير متزوجتين.
من هموم الرجل الكبيرة بنتاه، بعد وفاة زوجته قبل عامين إذ إنّه كبير في السنّ، وليس هناك من يكفلهما برعايته إذا ما توفي. هو يطمح في تزويجهما وضمان مستقبلهما قبل الرحيل. يقول شير: "لديّ مشكلتان كبيرتان في حياتي هما: إيجار المنزل، إذ أعمل طوال الشهر يومياً مقابل مدخول بسيط لتأمين الإيجار وفي نهاية الشهر لا أتمكن من دفعه بسهولة، بل لا يمكنني أن أفعل ذلك في معظم الأحيان. يساعدني فيه أحد أقاربي أحياناً، وقليلاً ما يساعدني أبنائي، لكنّهم في الغالب مشغولون مع أولادهم وأنا لا أتوقع منهم الكثير، لأنّهم تركوني في هذا العمر وتركوا شقيقتيهم اللتين تمثلان مشكلتي الثانية الكبيرة".
يشكو من أبنائه الثلاثة بعدما بذل كلّ شيء وضحى بكلّ ما يملك لأجلهم، إذ تركوه الآن وهو في حاجة إلى مساعدتهم، لا سيما في ما يتعلق بشأن بنتيه ومستقبلهما. يقول شير إنّ الأبناء الثلاثة يقومون بأعمال جيدة، فالكبير منهم يقود سيارة أجرة، والصغير لديه بقالة صغيرة، أما الأوسط فيعمل طباخاً في شركة، وجميعهم يتقاضون رواتب جيدة، لكنّهم لا يساعدون أباهم، وليست العلاقة معه جيدة، أو بين بعضهم البعض حتى.
وكما تركه أبناؤه، تركه أشقاؤه الأربعة وأبناؤهم، في وقت الشدة، بعدما كانوا جميعاً يتكلون عليه في شؤون حياتهم، ويلتفون حوله عندما كان في وظيفته الكبيرة. وهكذا، بعدما بات فقيراً لا يملك شيئاً تركه أقرب الناس إليه، وبالرغم من شكواه الدائمة وتعبه، لم يأبه به أحد منهم.
لا تقتصر مشاكله على هذا الحدّ، فالوضع المعيشي الصعب جعله مريضاً نفسياً، وهكذا فإنّه يذهب إلى الطبيب النفسي مرة شهرياً، ويتناول الدواء الذي وصفه له، إذ ليس في إمكانه النوم من دون تلك الحبوب، وأحياناً لا يمكنه أن ينام حتى مع أخذ الحبوب، فيبقى طوال النهار مهموماً متعباً لا يمكنه أن ينجز عمله الذي يعتاش منه، وأحياناً يبقى في المنزل طوال النهار إذا لم يتمكن من النوم ليلاً.
يشعر شير كريم بآلام حادة في جسمه بسبب داء السكري، ويوصيه الأطباء بالحمية، لكن كيف يأكل مأكولات مخصصة، بينما لا يملك شيئاً؟ عادة لا يأكل طعام الغداء، إلا ما يتبقى من أكل أصحاب المحلات الأخرى، أو يتناول أحياناً خبزاً جافاً مع الشاي والسكر، وبهذا فإنّ إمكانية الحفاظ على صحته محدودة.
يذكر أحد رفاقه، وهو بائع الفواكه على عربة إلى جانب عربته، إكرام الدين: "نجد العم كريم أحياناً يأكل خبزاً جافاً مع الماء فقط أو مع الشاي الأخضر، ومن دون سكر أحياناً. نساعده بدورنا، لكنّ وضعنا ليس جيداً أيضاً، وبالتالي لا يمكننا أن نفعل الكثير". يذكر إكرام أنّ شير كريم سقط على الأرض مرة بعدما أغمي عليه، فأخذه من كانوا حوله إلى المستشفى وبقي هناك حتى الليل، أخذ المصل المغذي والأدوية وقال له الأطباء إنّ سقوطه كان بسبب انخفاض ضغط الدم. في ما بعد عندما شفي، كشف أنّه لم يأكل أيّ شيء منذ صباح ذلك اليوم حتى مسائه، فتسبب الأمر في إغمائه. لكنّ العم كريم يقول إنّ الغذاء المناسب ليس من أولوياته فهو لا يستطيع أن يهتم به في الوقت الراهن، بل همه الوحيد جمع المال لدفع الإيجار في موعده المحدد، فضلاً عن كلفة الكهرباء، وشراء بعض ما يحتاج إليه من الأدوية، وبعض الاحتياجات لبناته.
أما ما يتمناه من الحكومة الأفغانية فهو إعطاؤه حقه كضابط متقاعد، من خلال جعل الدفعات السنوية للمتقاعدين من ضباط وعناصر الجيش، منتظمة، فبالرغم من قيمتها غير الكبيرة فهي تساعد بعض الشيء في شراء احتياجات المنزل.