06 نوفمبر 2024
شي رجل العالم القوي
نهاية عام 2016 اختارت مجلة التايم الأميركية الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصة العام، أما صحيفة لوموند الفرنسية فاختارت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن، هل فعلا هذان هما أقوى شخصيتين عالميتين اليوم، حتى يجعلا اثنتين من كبريات الصحف العالمية تختارهما شخصين بارزين طبَعا العام الماضي؟ فاجأ ترامب العالم بانتخابه على رأس أول قوة عسكرية واقتصادية عالمية، على الرغم مما رافق حملته الانتخابية من غرائب وعجائب لم يسبقه إليها أي مرشح للرئاسة الأميركية. أما بوتين فأعاد العالم إلى أجواء الحرب العالمية الباردة، في محاولات يائسةٍ لإعادة فرض بلاده زعيمةً عالمية بمنطق القوة والسلاح.
لكن مهلاً، هناك شخصية ثالثة لم يلتفت إليها الإعلام، وهي أقوى من ترامب وتغريداته الغريبة، ومن بوتين واستعراض عضلاته العسكرية. إنه الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي نادرا ما يسمع اسمه في نشرات الأخبار. إنه أقوى شخصية في عالم اليوم، على الرغم من تواريه عن الظهور الإعلامي الذي يجذب نظيريه الأميركي والروسي. فخلال الأعوام القليلة المقبلة ستكون الصين أول قوة اقتصادية عالمية قبل الولايات المتحدة متزعمة العالم اليوم، ولعل هذا من أسباب تركيز الرئيس الأميركي الجديد انتقاده الصين، لأنه يعرف أنها أول منافس لبلاده على المستوى الاقتصادي. ويعود هذا النمو الاقتصادي الصيني المضطرد، في جزء منه، إلى القيادة الصينية المتمثلة في الحزب الشيوعي وأمينه العام الذي يرأس البلاد، وهو اليوم يعد أقوى شخصية في بلاده وفي العالم.
شي جين بينغ (54 عاما) ابن أحد زعماء الثورة الشيوعية في الصين، تربّى داخل الحزب الشيوعي (88 مليون عضو)، وتسلق المراتب داخله إلى أن أصبح زعيمه القوي. يوصف بأنه من "الأمراء الحمر"، لأنه ابن "زعيم ثوري"، لكن مساره داخل الحزب جعله يعيش سنوات، عندما كان شاباً، مع القرويين يحصد المحاصيل ويرعى الغنم وينام في الأكواخ مع الفلاحين تقرصه البراغيث. وسيبرز اسم شي داخل الحزب، وفي بلاده، عندما تولى رئاسة لجنة الحزب في مدينة شنغهاي التي حولها إلى أكبر مركز مالي في الصين، وقد اشتهر آنذاك بمحاربته الفساد، وأرسل قادة من الحزب الشيوعي في المدينة إلى السجن بسبب الفساد، أما أسلوب عمله فأسّسه على شعاره "افعلها الآن". يصفه زملاؤه في الحزب بأنه "رجل الأفعال بدون استعراض".
ومنذ توليه قيادة بلاده عام 2013، عمل شي على تطوير اقتصادها، وبدأت الصين تبرز رقماً
أساسياً في معادلات السياسة الدولية، لكن بلاده مازالت تواجه تحدياتٍ كثيرة، مثل عدم تكافؤ الدخل، وغياب العدالة الاجتماعية، وتردّي الخدمات الاجتماعية والصحية، وانتشار ظاهرة الفساد التي باتت تنخر الحزب والدولة من الداخل.
أقام شي برنامجه الحكومي الذي يقوم على رؤية تمتد عشر سنوات، على ما توصف اليوم في الصين بـ "ثورة شي" التي تسعى إلى تحقيق "الحلم الصيني" من خلال "الإحياء العظيم للأمة الصينية" (مليار وثلاثمائة مليون نسمة). ومن أجل تحقيق هذه الرؤية، بدأ شي حرباً ضروساً على الفساد، أطاحت، حتى الآن، كوادر كثيرة في الحزب الشيوعي، وأحد أسباب هذا "التطهير" هو أيضا إعادة الثقة في الحزب وفي قياداته. كما عمل على توسيع رقعة الطبقة الوسطى، حتى تصل ثمار التطور الاقتصادي الصيني إلى طبقات الشعب الفقيرة.
لكن، ليس كل شيء وردياً في بلاد "الأباطرة الحٌمر"، ففي العام الجاري (2017) من المفروض تجديد ولاية شي بتزكية الحزب الشيوعي، وقد بدأت الآلة الدعائية الصينية في الحديث عن "عهد شي الجديد"، راسمةً ملامح بطل أسطوري قادر على تطهير البلاد من مخلفات الفساد في عهد سلفه هو جنتاو، وتحرير الصين من سياسة "الطفل الواحد"، وتوحيد الحزب الشيوعي الذي كان جزراً ومواقع نفوذ متطاحنة، إنه أسلوب صناعة "عبادة الفرد" على طريقة الدعاية الشيوعية.
ليست هذه كل التحديات الكبرى التي تواجه "الإمبراطور الأحمر" شي، فأكبر تحدٍّ أمامه هو
النمو الديمغرافي لإمبراطوريته في زمن العولمة التي تحاول الصين أن تلحق بركبها بسرعتين متفاوتتين. سرعة النخبة التي توجد في مركز قيادة العولمة وسرعة أغلبية الشعب الصيني الذي مازال يقبع تحت الفقر.
يعتبر شي نتاج الحزب الشيوعي الصيني، تربى في أحضانه، وتشرب مبادئه وإيديولوجيته، وهو يعي أن الإصلاح لا يمكن أن يكون إلا بواسطة هذا الحزب ومن خلاله، وأمام عينيه تجربة ميخائيل غورباتشوف (في الاتحاد السوفييتي) الذي عندما أراد أن يسقط الهيكل لإعادة إصلاحه تهدّم كل شيء فوق رأسه.
التحدّي الآخر الكبير الذي يواجه شي هو مطالب الحرية المتنامية عند طبقات الشعب الصيني الواعية في زمن العولمة والإنترنت، وهو ما يجعل كل إصلاحاته الاقتصادية بدون أفق، إذا ظل الشعب محروماً من أبسط حقوقه، وفي مقدمها الحق في التعبير.
تطلق الصحافة الشيوعية الرسمية اليوم على شي لقب "قلب الحزب"، وهو اللقب نفسه الذي يحمله ماو تسي تونغ، أبو الثورة الشيوعية الصينية. ولذلك يرى بعضهم اليوم في شي الوريث الحقيقي لماو، ولثورته التي تنبأت، قبل أزيد من ثمانية عقود، بالميلاد الجديد للأمة الصينية العظيمة. وما تعيشه الصين اليوم هو حالة المخاض التي تسبق هذا الميلاد العظيم لقوةٍ عالميةٍ جديدة تخيف الجميع. وكما كان يقول الإمبراطور الفرنسي بونابارت "الصين مثل الأسد النائم عندما يستيقظ سيهزّ العالم بزئيره".
لكن مهلاً، هناك شخصية ثالثة لم يلتفت إليها الإعلام، وهي أقوى من ترامب وتغريداته الغريبة، ومن بوتين واستعراض عضلاته العسكرية. إنه الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي نادرا ما يسمع اسمه في نشرات الأخبار. إنه أقوى شخصية في عالم اليوم، على الرغم من تواريه عن الظهور الإعلامي الذي يجذب نظيريه الأميركي والروسي. فخلال الأعوام القليلة المقبلة ستكون الصين أول قوة اقتصادية عالمية قبل الولايات المتحدة متزعمة العالم اليوم، ولعل هذا من أسباب تركيز الرئيس الأميركي الجديد انتقاده الصين، لأنه يعرف أنها أول منافس لبلاده على المستوى الاقتصادي. ويعود هذا النمو الاقتصادي الصيني المضطرد، في جزء منه، إلى القيادة الصينية المتمثلة في الحزب الشيوعي وأمينه العام الذي يرأس البلاد، وهو اليوم يعد أقوى شخصية في بلاده وفي العالم.
شي جين بينغ (54 عاما) ابن أحد زعماء الثورة الشيوعية في الصين، تربّى داخل الحزب الشيوعي (88 مليون عضو)، وتسلق المراتب داخله إلى أن أصبح زعيمه القوي. يوصف بأنه من "الأمراء الحمر"، لأنه ابن "زعيم ثوري"، لكن مساره داخل الحزب جعله يعيش سنوات، عندما كان شاباً، مع القرويين يحصد المحاصيل ويرعى الغنم وينام في الأكواخ مع الفلاحين تقرصه البراغيث. وسيبرز اسم شي داخل الحزب، وفي بلاده، عندما تولى رئاسة لجنة الحزب في مدينة شنغهاي التي حولها إلى أكبر مركز مالي في الصين، وقد اشتهر آنذاك بمحاربته الفساد، وأرسل قادة من الحزب الشيوعي في المدينة إلى السجن بسبب الفساد، أما أسلوب عمله فأسّسه على شعاره "افعلها الآن". يصفه زملاؤه في الحزب بأنه "رجل الأفعال بدون استعراض".
ومنذ توليه قيادة بلاده عام 2013، عمل شي على تطوير اقتصادها، وبدأت الصين تبرز رقماً
أقام شي برنامجه الحكومي الذي يقوم على رؤية تمتد عشر سنوات، على ما توصف اليوم في الصين بـ "ثورة شي" التي تسعى إلى تحقيق "الحلم الصيني" من خلال "الإحياء العظيم للأمة الصينية" (مليار وثلاثمائة مليون نسمة). ومن أجل تحقيق هذه الرؤية، بدأ شي حرباً ضروساً على الفساد، أطاحت، حتى الآن، كوادر كثيرة في الحزب الشيوعي، وأحد أسباب هذا "التطهير" هو أيضا إعادة الثقة في الحزب وفي قياداته. كما عمل على توسيع رقعة الطبقة الوسطى، حتى تصل ثمار التطور الاقتصادي الصيني إلى طبقات الشعب الفقيرة.
لكن، ليس كل شيء وردياً في بلاد "الأباطرة الحٌمر"، ففي العام الجاري (2017) من المفروض تجديد ولاية شي بتزكية الحزب الشيوعي، وقد بدأت الآلة الدعائية الصينية في الحديث عن "عهد شي الجديد"، راسمةً ملامح بطل أسطوري قادر على تطهير البلاد من مخلفات الفساد في عهد سلفه هو جنتاو، وتحرير الصين من سياسة "الطفل الواحد"، وتوحيد الحزب الشيوعي الذي كان جزراً ومواقع نفوذ متطاحنة، إنه أسلوب صناعة "عبادة الفرد" على طريقة الدعاية الشيوعية.
ليست هذه كل التحديات الكبرى التي تواجه "الإمبراطور الأحمر" شي، فأكبر تحدٍّ أمامه هو
يعتبر شي نتاج الحزب الشيوعي الصيني، تربى في أحضانه، وتشرب مبادئه وإيديولوجيته، وهو يعي أن الإصلاح لا يمكن أن يكون إلا بواسطة هذا الحزب ومن خلاله، وأمام عينيه تجربة ميخائيل غورباتشوف (في الاتحاد السوفييتي) الذي عندما أراد أن يسقط الهيكل لإعادة إصلاحه تهدّم كل شيء فوق رأسه.
التحدّي الآخر الكبير الذي يواجه شي هو مطالب الحرية المتنامية عند طبقات الشعب الصيني الواعية في زمن العولمة والإنترنت، وهو ما يجعل كل إصلاحاته الاقتصادية بدون أفق، إذا ظل الشعب محروماً من أبسط حقوقه، وفي مقدمها الحق في التعبير.
تطلق الصحافة الشيوعية الرسمية اليوم على شي لقب "قلب الحزب"، وهو اللقب نفسه الذي يحمله ماو تسي تونغ، أبو الثورة الشيوعية الصينية. ولذلك يرى بعضهم اليوم في شي الوريث الحقيقي لماو، ولثورته التي تنبأت، قبل أزيد من ثمانية عقود، بالميلاد الجديد للأمة الصينية العظيمة. وما تعيشه الصين اليوم هو حالة المخاض التي تسبق هذا الميلاد العظيم لقوةٍ عالميةٍ جديدة تخيف الجميع. وكما كان يقول الإمبراطور الفرنسي بونابارت "الصين مثل الأسد النائم عندما يستيقظ سيهزّ العالم بزئيره".