"حبيبتي قومي بينا جوّه.. حديتك لذيذ وقعدتك حلوة.. ياما قعدنا على الفراش اتنين.. حديت الحبيبة مليح وزين.. مين يجيب لي حبيبتي تاني.. تسهر معايا الليل الأخراني". لم تكن المرأة المفجوعة في حاجة إلى تلك "البكائية" أو "العديد" لتعبّر عن عمق ألمها وهول خسارتها. عيناها المتجمّدتان كانتا كفيلتَين برثاء من رحل. قد تكون ابنتها من سقطت ضحيّة ذلك الاعتداء الإرهابي في المنيا أو قد تكون حفيدتها أو بنت من بنات العائلة أو الجيران.
في "عروس الصعيد" التي تقع في مصر الوسطى على الضفّة الغربيّة لنهر النيل، سقط أوّل من أمس ضحايا كثيرون. هؤلاء ليسوا فقط قتلى الاعتداء الإرهابي وجرحاه، إنّما كذلك كلّ من بكاهم وحمل نعوشهم ومشى في جنازتهم وصلّى لترقد أرواحهم بسلام. تلك المرأة بمنديلها الأسود واحدة من هؤلاء الضحايا.
لم تمرّ ساعات على مواراة من أسلموا الروح الثرى، حتى أعلن تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) تبنّيه الاعتداء. وجاء في بيانه الذي أصدره أمس السبت أنّ "مفرزة أمنيّة من جنود الخلافة (قامت) بنصب كمين محكم لعشرات النصارى" غربيّ مدينة المنيا.
خلال تشييع ضحايا مجزرة المنيا، كانت تلك المرأة بمنديلها الأسود تضغط بأصابعها على جبينها، في حين تحكي عيناها المتجمّدتان عن ذلك الألم الذي ينهشها. تحكيان عن لوعتها بينما تقتبسان بعضاً من كلمات عبد الرحمن الأبنودي ابن ذلك الصعيد المفجوع. "اللي اتخطفوا فضلوا أحباب.. صاحيين في القلب.. كإنّ ما حدّش غاب".