وسائل غير كافية
لا تمتلك برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وسائل كافية للتحكّم الفعال في صادرات الأسلحة. وتظل الأداة الرئيسية هي المعلومات التي يحصل عليها البرلمانيون، إذ يتم نشر تقرير سنوي، في بعض الأحيان بشكل أكثر انتظاماً، تسهر عليه لجان مختصة. لكن جودة هذا التقرير وفهمه غير متساويين. فإذا كانت هولندا، على سبيل المثال، تنشر تقريراً من السهل قراءته والاطلاع على معلوماته، فإن إيطاليا تُغرق التقرير، المكوّن من 1400 صفحة مملوءة بالأرقام، بكثير من البيانات المثيرة للاهتمام، التي يتعذّر الوصول إليها بدقة من قبل الناخبين. وقد تعهدت أقلية من الدول الأوروبية بمنح البرلمانيين دوراً أكثر فعالية في هذا الملف، كما هو الحال في السويد وهولندا، إذ تلتزم الحكومتان هناك بمشاركة المعلومات مع الممثلين المنتخبين، بما في ذلك القرارات الأولية.
وإذا لم يكن لدى المنتخبين أي وسائل ملزمة لفرض وجهات نظرهم على السلطة التنفيذية، فهم على الأقل يمتلكون معلومات يمكن أن تساهم في النقاش حول مسألة تصدير الأسلحة. ويكون هذا النقاش أيضاً مهماً وفقاً للثقافة البرلمانية للبلدان المعنية، إذ تسبب قضايا تصدير الأسلحة القليل من الضجيج في فرنسا، بينما يكون لكل طرف رأي قوي في الموضوع في ألمانيا.
صعوبات متكررة
في فرنسا، لا يؤدي البرلمان أي دور تقريباً في مراقبة صادرات الأسلحة. فالأداة الوحيدة التي يمتلكها هي طرح أسئلة للحكومة. ومنذ العام 2000، وتحت ضغط من المنظمات غير الحكومية، يتم نشر تقرير في البرلمان كل عام لتقييم التراخيص الممنوحة من قبل الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني الفرنسي، التي تقدّم تقاريرها إلى رئيس الوزراء. ويقول الخبير في الشؤون الدفاعية ليسيو لينزاريني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "عرض الأرقام في فرنسا لا يزال موضع تساؤل، ويعترف العديد من المسؤولين المنتخبين بأنهم يكافحون لفك تشفير المحتوى"، مضيفاً: تاريخياً، تثير هذه القضايا جدلاً ضئيلاً داخل لجنة الدفاع التي يسيطر عليها المسؤولون المنتخبون، الذين يمتلكون، في كثير من الأحيان، بنية تحتية عسكرية أو صناعية في دوائرهم الانتخابية، على حد تعبيره. وساهم الكشف الأخير عن مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات، في جعل هذه القضية موضوع مواجهة سياسية. لذا تعمل لجنة برلمانية حالياً على إصلاح محتمل لكيفية التعامل مع هذا الملف.
أما المملكة المتحدة، فقد أصدرت أول تقرير في البرلمان عام 1997، كما قررت إضافة تحديث فصلي منذ العام 2004. وفي العام 1999، تم إنشاء لجنة لمراقبة تصدير الأسلحة، تقوم بإعداد تقرير مضاد خلال الشهرين التاليين لنشر التقرير السنوي، وتقوم بصياغة أسئلة وتوصيات إلى السلطة التنفيذية. ويوضح لينزاريني أنه "في مناسبات متعددة، مكّنت هذه العملية من الحصول على معلومات كانت الحكومة تود أن تبقيها سرية. ومع ذلك، لا يمكن للمسؤولين المنتخبين حظر التراخيص الممنوحة من قبل وكالة مراقبة الصادرات، التي تقدم تقاريرها إلى وزارة التجارة الخارجية".
وفي فنلندا، تسمح وزارة الدفاع بالتصدير إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتستشير وزارة الشؤون الخارجية بالنسبة لعملاء آخرين. ويحدد التقرير السنوي المقدّم إلى البرلمان، بالإضافة إلى التراخيص الممنوحة، تلك التي تم رفضها. وإذا كان يحق للمسؤولين المنتخبين أن يناقشوا التقرير، فليس لديهم أي قدرة ملزمة لاتخاذ أي قرارات بشأن التصدير (ووجهته) من عدمه. وعلى الرغم من ذلك، مكّن النقاش، في العام 2016، من التشكيك في سياسة الحكومة التي جعلت من دول منطقة الشرق الأوسط أكبر المستوردين للأسلحة بما يتجاوز الصادرات إلى الدول الأوروبية.
ومنذ 2003، أصبحت مراقبة صادرات الأسلحة البلجيكية تختص بها برلمانات الجهات الثلاث المكونة للدولة؛ إذ تنشر حكومة منطقة والونيا، جنوب البلاد، تقريراً سنوياً، بالإضافة إلى تقريرين سريين نصف سنويين للجنة الفرعية البرلمانية المتخصصة. وبحسب لينزاريني، "تُثار الاستفسارات بانتظام بسبب التأخير المتكرر في نشر هذه الوثائق، وهو ما لا يساعد في المتابعة الجيدة من قبل المسؤولين المنتخبين. وتشكل العناصر المقدمة في التقرير الحد الأدنى من المعلومات التي لا تساعد في الحصول على فكرة عما يتم تسليمه بالفعل من أسلحة". ويعتبر النواب الأمر مقلقاً، خصوصاً أن منطقة والونيا هي المصدر الرئيسي للأسلحة الصغيرة بالنسبة للبلدان الحساسة للغاية، كالسعودية والبحرين والمكسيك. من ناحية أخرى، تنشر حكومة منطقة الفلاندرز، شمال البلاد، تقريراً دقيقاً للغاية يحتوي على مبالغ لكل فئة فرعية من المعدات. وتتمتع منطقة بروكسل بوثيقة أقل شمولية. وفي تطور لافت، ألغى مجلس الدولة البلجيكي، وهو أعلى هيئة قضائية إدارية في البلاد، الجمعة الماضي، تراخيص تصدير شركتين بلجيكيتين، أسلحة إلى السعودية. وقالت وسائل إعلام بلجيكية إن سبب الإلغاء هو "عدم الوفاء بمعايير مراقبة تصدير الأسلحة واستيرادها ونقلها"، و"انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية". ويشمل القرار شركتي "إف أن هيرستل" و"سي أم آي" اللتين تقعان في منطقة والونيا البلجيكية، التي تتركز فيها ثلاثة أرباع الوظائف في قطاع صناعة الأسلحة البلجيكية. وكانت تقارير إعلامية قد كشفت استخدام السعودية للأسلحة والذخيرة التي تستوردها من بلجيكا في حربها على اليمن.
وفي إيطاليا، ليست للمسؤولين المنتخبين أداة تحكم فعالة أيضاً. ويمكنهم طرح أسئلة للحكومة على التقرير السنوي الذي ينشر منذ العام 1990. "في عام 2016، أثاروا قضية الصادرات إلى السعودية وقطر، ما جعل الملف موضوعاً مهماً للمناقشة، ولكن لم يكن لذلك أي تأثير" يقول لينزاريني. ويتم إعداد مختلف أقسام التقرير من قبل وزارات الدفاع والشؤون الخارجية والتجارة الخارجية والداخلية والمالية والميزانية. ومن الصعب تحليله بشكل دقيق، خصوصاً أنه يتكوّن من مجلدين يضم كل واحد منهما أكثر من 700 صفحة. ومع ذلك، فميزته الرئيسية أنه دقيق بشكل خاص، مع عدد وافر من التفاصيل حول العقود والمواد والشركات المعنية.
ملف للنقاش
في ألمانيا، تُعدّ قضية مبيعات الأسلحة موضوعاً رئيسياً في النقاش السياسي، فقد تم الالتزام حول الموضوع بوضوح في أجندة الائتلاف الحاكم. كما لا تتردد مجموعات الأحزاب في التعبير بقوة عن وجهات نظرها المختلفة في لجنة دفاع نشطة. وتصدر الحكومة تراخيص لتصميم الأسلحة وتصنيعها وتسويقها وتصديرها. وتعد خدمة متخصصة من وزارة الشؤون الاقتصادية والطاقة هي المسؤولة عن هذه التراخيص، بالاعتماد على مشورة القوات المسلحة والجمارك ووزارة الخارجية. ويتم تقديم التقارير مرتين في السنة إلى البرلمان، والتي يمكن أن تطرح أسئلة على الحكومة. ومنذ عام 2014، تلتزم الأخيرة بالرد وتحديد ما إذا كان قد تم منح أي تراخيص لبلد معين.
السويد، من جهتها، غالباً ما كانت في طليعة الدول التي تعتمد آليات الشفافية، من خلال كونها أول دولة أوروبية تقدم تقارير إلى البرلمان منذ 1985. وبحسب ما يقوله لينزاريني، لـ"العربي الجديد"، فإنه "يتم منح التراخيص من قبل وكالة مستقلة، يتم تعيين مديرها من قبل رئيس الوزراء. وتتشاور الوكالة مع مختلف أصحاب المصلحة لاتخاذ قراراتها، بما في ذلك مع مجموعة من النواب، ومجلس مراقبة الصادرات، الذي يتكون من ثلاثة أعضاء من حزب الأغلبية وممثل واحد من كل طرف من الأطراف الأخرى. وتستشير الوكالة البرلمان في أي قضية تثير مشاكل حساسة، مثل بلدان شديدة الخطورة أو عميل جديد. وعلى الرغم من أن رأي البرلمانيين غير ملزم، إلا أنه لا يزال من الصعب على الحكومة تجاهله".
أما في هولندا، فيتم منح تراخيص التصدير من قبل مكتب الاستيراد والتصدير المركزي. ويتم اتخاذ القرارات رسمياً من قبل وزارة التجارة الخارجية، وفقاً للإرشادات التي وضعتها وزارة الشؤون الخارجية. "منذ العام 1998، يتم تقديم تقرير سنوي لإدراج صادرات الأسلحة. ويعد أكثر دقة منذ 2011. وقد أدى البرلمان أيضاً، منذ 2012، دوراً أقوى، نظراً لأنه يجب على الحكومة إخطاره بالتوقيع على أي عقد جديد قيمته أكثر من مليوني يورو، باستثناء الدول التي تعتبر أنها موثوق فيها، أي أعضاء حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وكذلك اليابان وأستراليا وسويسرا ونيوزيلندا" يقول لينزاريني. إسبانيا، من جهتها، تنشر تقارير في البرلمان منذ العام 1995. وتمنح التراخيص من قبل وزارة الاقتصاد، التي تمتلك مكتباً للتجارة الخارجية مخصصاً للدفاع. "يحتوي التقرير السنوي على معلومات كثيرة جداً تتجاوز الممارسات الأوروبية المعتادة، منها عدد التراخيص الممنوحة، ووحدات التخزين التي تم تسليمها، وكذلك دوافع التراخيص المرفوضة. ويُعد دور البرلمانيين أكثر اعتدالاً لأن الحكومة تعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية للبلاد"، كما يقول لينزاريني. وقد تم الاشتباه في الماضي بتمويه معلومات حاسمة، مثل تصدير ذخائر عنقودية إلى ليبيا في 2007-2008، من دون تحديد طبيعتها بشكل دقيق.
انتقادات حقوقية
وتعرب المنظمات الحقوقية، على رأسها منظمة العفو الدولية، بشكل دوري، عن أسفها لقرار الدول الأوروبية منح تراخيص شراء الأسلحة لمجموعة من الدول، كالسعودية والإمارات ومصر وغيرها، ولعدم وجود أي رقابة من قبل النواب، كممثلين للشعوب، على هذه العمليات.
وفتحت محكمة بلجيكية في منطقة لييج جنوبي البلاد، في مايو/ أيار الماضي، تحقيقاً بتصدير معدات عسكرية "بشكل غير قانوني" إلى السعودية، بعد شكوى جنائية قدمتها منظمة التنسيق الوطني للعمل من أجل السلام والديمقراطية، ورابطة حقوق الإنسان، بدعم من مكتب منظمة العفو الدولية في بلجيكا. ويقول المسؤول في منظمة التنسيق الوطني للعمل من أجل السلام والديمقراطية، سامويل لوغرو، لـ"العربي الجديد": ندعو كل الدول الأوروبية إلى النظر في الطلبات المستقبلية للحصول على تراخيص الأسلحة للسعودية بأقصى درجات الحذر. فإذا كانت الدول الغربية تشعر بالقلق بحق، بشأن الاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي، فإنها تنسى بسرعة أن الكثيرين من الناشطين يقبعون في السجون ويتعرضون للتعذيب والاضطهاد، وحتى الإعدام، بسبب استخدامهم لحريتهم في التعبير، على حد تعبيره. ويضيف لوغرو: "إنها تنسى أيضاً أن الرياض تقود تحالفاً لجرائم الحرب في اليمن، وأن مشاركتها في هذا الصراع لا يمكن استمرارها من دون الدعم المادي والسياسي والتكنولوجي الذي توفره الدول الأوروبية". ويشير إلى أن "مواجهة عمليات تصدير الأسلحة، في جُل الدول الأوروبية، تتصدى لها المنظمات غير الحكومية بشكل منفرد تقريباً، بينما لا يحظى المنتخبون بأي حق فعلي للنظر في الملف. وهذا أمر مقلق. لأن ذلك يعني أن جرائم حرب ترتكب في مجموعة من الحروب، تُستعمل فيها أسلحة صنعت في دول أعضاء في اتحاد أوروبي فاز يوماً بجائزة نوبل للسلام".