حالة من الإحباط والصدمة بدت على صحافة ووسائل إعلام اسكندنافيا بسبب نتيجة التصويت التركي بـ"نعم" على التعديلات الدستورية. فامتدت حالة الصدمة من القنوات التلفزيونيّة إلى الصحف اليومية، التي عرضت تحليلات تصف ما جرى بأنه "غير ديمقراطي"، وتحذر من أن "تركيا تسير نحو الحكم المستبد"، وستكون نتائج الاستفتاء "وخيمة" على العلاقة مع أوروبا.
يومية "انفارمسيون" وعلى صورة كبيرة للرئيس التركي رجب طيب أرودغان على الغلاف، عنونت "سلطان تركيا الجديد". وأفردت إحدى عشرة صفحة من صفحاتها وملحقها للحالة التركية، بالتعمق في تفاصيلها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لإلقاء الضوء على التحولات التي وُصفت بـ"التاريخية والحاسمة في هذا البلد".
واعتبرت التصويت بمثابة "ذروة كفاح أردوغان لخلق تركيا الجديدة. فسرديته تنهي العلاقة مع الإرث العلماني الأتاتوركي الذي دافع عنه الجيش منذ 1923 من خلال الانقلاب الدموي، بينما الإرث العثماني جرى كبته. التاريخ حاسم لفهم لماذا يستخدم أردوغان الخطاب الإسلامي والرموز العثمانية لإصلاح الجمهورية".
وذكّرت بحالة تركيا اليوم، وخصوصًا الاعتقالات "التي وصلت إلى 100 ألف بعد المحاولة الانقلابية وإغلاق 158 قناة وصحيفة"، مع سرد للتاريخ الشخصي لأردوغان وقصة اعتقاله بعد إلقاء قصيدة في 1999.
وجزمت الصحيفة بأن "هذا الاستفتاء هو جردة حساب مع التاريخ". وعلى الرغم مما قدمته من "إنجازات حزب العدالة الضخمة في تركيا في مجال البنية التحتية وتحديث قطاع الصحة حتى في القرى الصغيرة مع رعاية متكاملة لكبار السن وتعزيز نظام التعليم وفرضه إلى 12 سنة".
فالأمر بالنسبة للصحيفة يبدو "أعمق من مجرد خلق ديكتاتور. إنها قطيعة مع 94 سنة من العلمانية في الجمهورية التركية. فبانتهاء 600 سنة من عصر الإمبراطورية العثمانية جاء كمال أتاتورك ليبني جمهورية تركيا من خلال الإيديولوجية الكمالية. وأتاتورك رغم أنه أراد التحديث والعلمانية إلا أنه ضرب بقوة على الإسلام وقطع تماماً مع ما كان قائماً في الخلافة وهي التي كانت تسمى رجل أوروبا المريض".
من ناحيتها، خاضت "سفنسكا داغبلاديت" اليومية السويدية، اليوم، في تاريخ تركيا بعنوان عريض "وداعاً رجل أوروبا المريض"، بافتتاحية للكاتب بيير غودمونسون. وفيها قال إنّ ما جرى "سوف ينهي الفصل بين السلطات الثلاث ويقدم سلطة مستبدة تتمثل في الرئيس التركي".
وأكد غودمونسن أن "الديمقراطية ليست فقط الأغلبية البسيطة، بل حقوق الإنسان الأساسية وحماية الأقلية وضرورة الموازنة بين سلطات الدولة"، قبل أن يستنتج أنه "ينبغي أن تفكر أوروبا ملياً في مسألة انضمام تركيا إليها، وسيكون من المناسب أن يجري البحث عن الذات بمساعدة من القوى الاستباقية، والسويد من بينها. فإذا كان يُنظر إلى الإمبراطورية العثمانية القديمة على أنها رجل أوروبا المريض، فإن أردوغان قتل الوهم الأخير بأن تصبح بلاده جزءاً من أوروبا".
في "انفارمسيون"، لم يخفِ رئيس التحرير، رونا لوكَبيرغ، إعجاب الغربيين بتجربة تركيا باعتبارها "شكّلت في القرن الحادي والعشرين نموذجاً للانتقال من حكم ديكتاتوري عسكري إلى الديمقراطية ومن مجتمع إسلامي شرقي إلى مجتمع حديث وعلماني. لكن ذلك لم يكن بدون أثمان كبيرة".
وأضاف "تركيا قبل أردوغان دولة عدالة وديمقراطية، لكنها كانت تتحرك بالاتجاه الصحيح. هذا البلد أصبح لديه نمو اقتصادي يفوق ما لدى الدول الأوروبية التي كانت تفاوضه حول معايير الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقد يبدو غير مفهوم كيف أن الأتراك يدعمون رجب طيب أردوغان الذي يرفع منسوب خطاب معادٍ للغرب ويدافع عن الإسلام، ويقوم بتنظيف القطاع العام ويعتقل الناقدين والصحافيين. لكن من يقرأ أعمال الكاتب التركي أورهان باموك سيفهم كيف أن الأتراك لم يعودوا يؤمنون بأنهم سيصبحون يوماً جزءاً من التركيبة الغربية (الأوروبية)".
وعرضت "انفارمسيون" في صفحاتها لقراءة السياسة والثقافة الأوروبية لأردوغان كـ"سلطان جديد" بالوقوف عند إشارات كثيرة "فرمزية اسم جسر السلطان سليم استعارة من التاريخ"، إضافة إلى "انزعاج أوروبي من تكرار الرئيس التركي لاقتباسات قرآنية، واتهامه بانتهاج خطاب شعبوي كمؤشر على أن الرجل يحاول أن يعيد تشكيل الهوية التركية"، بحسب الصحيفة.
واستعارت الصحيفة ما قاله أردوغان يوم افتتاح الجسر: "عندما يُتوفى الرجل فإنه يترك خلفه نصباً يدل عليه. من غير المعلوم إن كان يتحدث عن نفسه أم عن السلطان سليم".
بدورها، خصصت صحيفة "بوليتيكن" في كوبنهاغن مساحةً كبيرة لنتائج التصويت أرفقته بإنفوغراف. واعتبر كبير مراسليها في الشرق الأوسط، أندرس يريكو، أن "التصويت يعبر عن انقسام تركيا بين الأكراد ومقاطعات الساحل ووسط وشرق تركيا".
وذهبت إلى اعتبار أنّ هذا التصويت "لن يكون في مصلحة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وسيخلق مشاكل في كيفية التعاطي مع مشكلة اللاجئين". والتقت الصحيفة مع أخرى في السويد والنرويج على أن "تنفيذ أردوغان لوعده بإعادة العمل بعقوبة الإعدام سيعني خرقاً للخطوط الأوروبية الحمراء".