ستة وثمانون قصراً رئاسياً تعود للرئيس السابق صدام حسين تنتشر في مختلف المدن العراقية، تحولت اليوم إلى منازل للوزراء وقادة الأحزاب السياسية، فضلاً عن مقرات للحكومات المتعاقبة، وقواعد عسكرية للجيش وجهاز الاستخبارات.
عرفت تلك القصور سابقاً باسم "قصور الشعب"، وحرص مهندسون عراقيون على بنائها وفقاً لتصاميم معقّدة من ناحية توزيع الغرف والقاعات، إلى الأنفاق والدهاليز والحدائق. ويؤكد مهندسون عراقيون أن غالبية التصاميم وُضعت من الرئيس السابق.
ومن المفترض أن تتحول هذه القصور اليوم إلى مواقع سياحية، وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في الأول من سبتمبر/ أيلول العام الماضي. لكن القرار بقي من دون تنفيذ بسبب صفقات سياسية وأخرى فنية تتلخص بحرص الحكومة العراقية على رفع "لعنة" صدام عن القصور، التي تحولت إلى كابوس يلاحق السياسيين.
وبحسب المهندس في دائرة المشاريع الهندسية بوزارة التخطيط العراقي، سلام أحمد الجنابي، فإن مكتب استشاري هندسي في لندن تم التعاقد معه لرفع معالم صدام عن تلك القصور ضمن قرار الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر عام 2004 (المتضمن رفع تماثيل وصور صدام ورموز حزب البعث من جميع مدن البلاد)، عجز عن التعامل مع رفع آثار حقبة صدام منها بسبب مخاوف من انهيار بعض المباني، أو خوفاً من أن تكون كلفة ذلك أكثر من كلفة بناء القصر نفسه.
يقول الجنابي، في حديث لـ"العربي الجديد": "احتوت جدران تلك القصور وكل قطعة منها على الحرفين الأولين من اسم الرئيس صدام حسين، والتشكيل الهندسي للقصور التي تُشاهَد من الأعلى قد تشكل على صورة اسم صدام حسين بشكل لا يمكن محوه أو تغييره".
يشرح الجنابي: "بات واضحاً أنه علينا أن نهدم تلك القصور بشكل كامل في حال أردنا تطبيق القرار، فاسم صدام حسين في كل مكان منها. أعتقد أن ترك الامر على حاله أفضل، مع تغيير ما يمكن تغييره"، لافتاً إلى أن "الرئيس الراحل كان يخطط لذلك وكأنه كان يعلم ما سيحل به ويريد أن يقول للذي يأتي من بعده أنك لن تمحو أثري".
من جهته، يقول المدير التنفيذي لـ"شركة وهج العراق الإنشائية" والمشرفة على ترميم "قصر الدلال" في مدينة الأعظمية، المهندس أيوب أحمد اللامي، إن "عدداً من السياسيين الذين يسكنون في قصور صدام اتصلوا بي وطلبوا مني المساعدة. فرغم كشط جدران الغرف وتغيير الكثير من الديكورات في تلك القصور، لا يزال هناك ما يذكّرهم بصدام". يضيف: "اتصل بي أحد الوزراء وقال لي: اكتشفت أن حرفي ص.ح. في غرفة نومي وقمت بطلاء الغرفة بالكامل. ثم وجدت أن مفاتيح الغرفة كانت تحمل الحرفين نفسيهما. خلصني رجاءً!".
ويرى اللامي أن "هناك مبالغة بالتعاطي من قبل المستفيدين من تلك القصور مع الموضوع، فمجرد حرفين لا يمكن أن يشكلا كابوساً. لكن هناك مَن يخطط لتكون تلك القصورملكاً أبدياً له، دون أن يتّعظ من مصير مَن سبقه".
ويقول القيادي في "الحزب الشيوعي العراقي"، أنيس الجادرجي لـ"العربي الجديد"، إن "عملية استملاك تلك القصور من قبل الشخصيات النافذة تعبّر عن استخفاف بالدستور وبتضحيات الشعب العراقي". يتابع: "صدام حسين شخصية حكمت العراق لأكثر من 35 عاماً ولا يمكن إخفاء آثاره السلبية أو الإيجابية. لكن الحكام والقادة الجدد الذين استلموا من بعده لم يجلبوا خيراً للعراق. وقد يكون هناك الكثير من العراقيين ممّن يتمنى العودة إلى حقبة صدام على أن يبقى في حالة اللا أمن واللا نظام في البلاد". ويعتبر أن تعديل القصور "عملية إهدار للمال العام على أمر لا يصب لصالح الطبقة الفقيرة في العراق".
من جهته ، يقول رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح الدليمي: "بصراحة، عندما ندخل قصر صدام المطل على نهر الفرات غربي الرمادي ويتربع على مساحة مليون متر مربع نشعر بالخجل، فرغم مرور أكثر من 11 عاماً على سقوط صدام لم نتمكن من تحقيق أي وعد من الوعود التي قطعناها للشعب". تجدر الإشارة إلى أن الأنبار تضم واحداً من أكبر القصور الرئاسية في العراق.
يختم الدليمي حديثه: "قررنا ترك كل شيء على حاله بسحب صلاحيات مجلس المحافظة ونقل قاعدة الجيش إلى مكان آخر، وجعل القصر مكاناً يقصده المواطنون أيام العطل الرسمية".