17 أكتوبر 2018
صدق أبريل
أحمد مصطفى (مصر)
قبل نحو ما يزيد عن ثمانية عقود، عرفت شوارع فلسطين أكبر إضراب يقوم به شعب بأكمله في التاريخ الحديث، وهو الذي أشعل ثورة 20 نيسان 1936، لنكون أمام أضخم الثورات العربية في فلسطين، إذ استمرت ثلاثة أعوام.
كانت معظم الشعوب العربية، آنذاك، قد بدأت تنال وعودا بحريتها وسيادتها من دول الاستعمار آنذاك، الأمر الذي دفع الشعب الفلسطيني إلى تلك الثورة، حيث آمنوا بأنهم لن ينالوا حريتهم إلا بفرض الأمر الواقع، وإظهار قوتهم الحقيقية التي تجبر الانتداب البريطاني على إعطائهم تلك الحرية.
اشتدّت هجرة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية بدعم من بريطانيا لتنفيذ خطة الوطن القومي، ولم تكن الشوارع الفلسطينية قد عرفت العاصفة وقتها ستة عشر عاماً، فقد عم الهدوء على الشوارع الفلسطينية من بعد ثورة النبي موسي عام 1920، وقدوم أول مندوب سامي بريطاني صهيوني علي الأراضي الفلسطينية، وهو هربرت صموئيل أو "عزرا الثاني"، كما لقبه اليهود تيمنا بعزرا (عزير)، النبي الذي أعادهم من السبي البابلي. لكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة حقا، شعر العرب في كل الأقطار أنّ خطة إنشاء وطن قومي يهودي على الأراضي الفلسطينية مسألة وقت، فانتفض الشعب الفلسطيني يوم 20 أبريل/ نيسان 1936، ولم تكن كذبة بل حقيقة أذهلت اليهود والبريطانيين معا.
ستة أشهر (178 يوما) من الإضراب الشامل في كل شوارع فلسطين، في إضراب هو الأطول من نوعه لشعب بأكمله في التاريخ البشري الحديث، غضب عارم يجتاح الشوارع الفلسطينية والعربية، احتجاجا على أفعال الصهيونية المدعومة من بريطانيا، الأمر الذي أدى إلى تدخل الملوك والحكام العرب لأول مرة منذ اندلاع أزمة فلسطين وسقوط الدولة في أيدي بريطانيا عام 1917! حيث أنّهم تدخلوا لإقناع الفلسطينيين بالعزوف عن الإضراب وإعادة الحياة في الشوارع، بل والثقة في الحكومة البريطانية التي هي الأجدر بحماية حقوق الفلسطينيين. نعم تلك كانت حقيقة أخرى، ولم تكن كذبة.
تغيّرت الحكومات العربية على مدار 80عاما، عرفت فيها شعوبها النكسة والانتصار، الثورات والانقلابات، الاغتيالات والاعتقالات، والتبعية ما بين الشرق والغرب، عرفت كل الإيديولوجيات والأفكار السياسية، الحديث منها والقديم، عرفت فيها الشيوعي والعلماني والليبرالي والاشتراكي والإسلامي.
عرفت الديكتاتور والعسكري، الخائن والضعيف، الملكي والجمهوري، لكنها ما عرفت العادل. أيضا، عرفت لبنان بحروبه، وسورية بحزنها، والعراق بسواده، ومصر بقمعها، والسودان بضعفها، وليبيا بمجنونها! وحده أبريل ظل صادقا لا يعرف الكذب، بل شاهدا على كذب الأمة وضياعها. ففي ظل الصراعات الحالية في الشرق الأوسط، للتوصل إلى الشكل الجديد الملائم له بعد مرور مائة عام على التقسيم القديم الذي أقرّه تقسيم "سايكس بيكو"، وفي ظل سيطرة الفكر البراغماتي على معظم حكومات المنطقة الحالية، بعد التنازل عن أي دور تقليدي كان يلزمهم في وقت سابق، خرجت مسيرات العودة الكبرى من غزة بشكل ثوري وتحفيزي يثير القلق لدى تلك الحكومات. لكن الموقف ثابت، إذ لم يتغيّر رد الفعل، كما حدث من ملوك العرب وحكامهم مع إضراب 20 أبريل.
بعد النجاح الرهيب لجمعة السادس من أبريل (يوم على ما يبدو لا يهدأ ويعشق الثورة في أي مكان)، وخروج شعب غزة في تحدٍّ رهيب لرصاص الاحتلال الإسرائيلي في جمعة الكاوتشوك، وتخوّفا من تفاقم الأزمة والتأثر بها في الضفة الغربية، سرعان ما حرّك الإسرائيليون مندوبيهم في مصر والخليج، كما حرّكت بريطانيا الحكام العرب من 80 عاما، فسرعان ما عرضت الحكومة المصرية فتح معبر رفح، مستغله احتياجات شعب غزة من الحصار والحرمان الذي تعتبر شريكا فيه إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، مقابل توقف المظاهرات والمسيرات، فمصر والسعودية سيسعيان بشتى الطرق إلى وقف المسيرات والانتفاضة المتوقعة داخل القطاع بشتى الطرق خوفا من درس 20 أبريل 1936، فالمشهد لم يتغير بعد ثمانية عقود، ولم يعرف أبريل بكذبه كما عرفناه، بل ظلّ صادقا مع أصحابه القدامى الذي عرفوه بالصدق عكس ما عرفناه نحن.
كانت معظم الشعوب العربية، آنذاك، قد بدأت تنال وعودا بحريتها وسيادتها من دول الاستعمار آنذاك، الأمر الذي دفع الشعب الفلسطيني إلى تلك الثورة، حيث آمنوا بأنهم لن ينالوا حريتهم إلا بفرض الأمر الواقع، وإظهار قوتهم الحقيقية التي تجبر الانتداب البريطاني على إعطائهم تلك الحرية.
اشتدّت هجرة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية بدعم من بريطانيا لتنفيذ خطة الوطن القومي، ولم تكن الشوارع الفلسطينية قد عرفت العاصفة وقتها ستة عشر عاماً، فقد عم الهدوء على الشوارع الفلسطينية من بعد ثورة النبي موسي عام 1920، وقدوم أول مندوب سامي بريطاني صهيوني علي الأراضي الفلسطينية، وهو هربرت صموئيل أو "عزرا الثاني"، كما لقبه اليهود تيمنا بعزرا (عزير)، النبي الذي أعادهم من السبي البابلي. لكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة حقا، شعر العرب في كل الأقطار أنّ خطة إنشاء وطن قومي يهودي على الأراضي الفلسطينية مسألة وقت، فانتفض الشعب الفلسطيني يوم 20 أبريل/ نيسان 1936، ولم تكن كذبة بل حقيقة أذهلت اليهود والبريطانيين معا.
ستة أشهر (178 يوما) من الإضراب الشامل في كل شوارع فلسطين، في إضراب هو الأطول من نوعه لشعب بأكمله في التاريخ البشري الحديث، غضب عارم يجتاح الشوارع الفلسطينية والعربية، احتجاجا على أفعال الصهيونية المدعومة من بريطانيا، الأمر الذي أدى إلى تدخل الملوك والحكام العرب لأول مرة منذ اندلاع أزمة فلسطين وسقوط الدولة في أيدي بريطانيا عام 1917! حيث أنّهم تدخلوا لإقناع الفلسطينيين بالعزوف عن الإضراب وإعادة الحياة في الشوارع، بل والثقة في الحكومة البريطانية التي هي الأجدر بحماية حقوق الفلسطينيين. نعم تلك كانت حقيقة أخرى، ولم تكن كذبة.
تغيّرت الحكومات العربية على مدار 80عاما، عرفت فيها شعوبها النكسة والانتصار، الثورات والانقلابات، الاغتيالات والاعتقالات، والتبعية ما بين الشرق والغرب، عرفت كل الإيديولوجيات والأفكار السياسية، الحديث منها والقديم، عرفت فيها الشيوعي والعلماني والليبرالي والاشتراكي والإسلامي.
عرفت الديكتاتور والعسكري، الخائن والضعيف، الملكي والجمهوري، لكنها ما عرفت العادل. أيضا، عرفت لبنان بحروبه، وسورية بحزنها، والعراق بسواده، ومصر بقمعها، والسودان بضعفها، وليبيا بمجنونها! وحده أبريل ظل صادقا لا يعرف الكذب، بل شاهدا على كذب الأمة وضياعها. ففي ظل الصراعات الحالية في الشرق الأوسط، للتوصل إلى الشكل الجديد الملائم له بعد مرور مائة عام على التقسيم القديم الذي أقرّه تقسيم "سايكس بيكو"، وفي ظل سيطرة الفكر البراغماتي على معظم حكومات المنطقة الحالية، بعد التنازل عن أي دور تقليدي كان يلزمهم في وقت سابق، خرجت مسيرات العودة الكبرى من غزة بشكل ثوري وتحفيزي يثير القلق لدى تلك الحكومات. لكن الموقف ثابت، إذ لم يتغيّر رد الفعل، كما حدث من ملوك العرب وحكامهم مع إضراب 20 أبريل.
بعد النجاح الرهيب لجمعة السادس من أبريل (يوم على ما يبدو لا يهدأ ويعشق الثورة في أي مكان)، وخروج شعب غزة في تحدٍّ رهيب لرصاص الاحتلال الإسرائيلي في جمعة الكاوتشوك، وتخوّفا من تفاقم الأزمة والتأثر بها في الضفة الغربية، سرعان ما حرّك الإسرائيليون مندوبيهم في مصر والخليج، كما حرّكت بريطانيا الحكام العرب من 80 عاما، فسرعان ما عرضت الحكومة المصرية فتح معبر رفح، مستغله احتياجات شعب غزة من الحصار والحرمان الذي تعتبر شريكا فيه إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، مقابل توقف المظاهرات والمسيرات، فمصر والسعودية سيسعيان بشتى الطرق إلى وقف المسيرات والانتفاضة المتوقعة داخل القطاع بشتى الطرق خوفا من درس 20 أبريل 1936، فالمشهد لم يتغير بعد ثمانية عقود، ولم يعرف أبريل بكذبه كما عرفناه، بل ظلّ صادقا مع أصحابه القدامى الذي عرفوه بالصدق عكس ما عرفناه نحن.
مقالات أخرى
09 أكتوبر 2018
28 فبراير 2018
18 فبراير 2018