لم تهدأ الحرب بين رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي، منذ أن تولّى الأول رئاسة الحكومة قبل أكثر من ثلاث سنوات، لتصل اليوم إلى ذروتها مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في سبتمبر/أيلول المقبل، ليصبح مصير كليهما مرهوناً بفوزه برئاسة الحكومة المقبلة، التي يسعى الخصمان إلى الفوز فيها. وفي خضمّ هذا الصراع المحتدم يعمل كلاهما على انتزاع أسلحة خصمه وجذب أنصاره، في وقت لا تزال الهواجس تؤرّق الكثير من العراقيين من مغبّة عودة المالكي لسدّة الحكم، ما جعلهم يؤيّدون العبادي على الأقل لأنّه يتقاطع مع المالكي.
في هذا السياق، قال نائب قريب من التحالف الوطني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصراع بين المالكي والعبادي بلغ ذروته، وإنّ كليهما يعمل بكل جهوده لإزاحة خصمه من أمام طريقه، وبشتّى الطرق المشروعة وغير المشروعة"، مبيناً أنّ "المالكي يصب جهده على كسب العشائر الجنوبية، وينظّم لها الاحتفاليات ويبذل لها الأموال الطائلة والوعود لكسب أصواتها".
وأضاف أنّ "الكثير من شيوخ العشائر الجنوبية انضمّوا إلى صف المالكي وقدّموا له الولاء، وهو بذات الوقت يحاول أن يوسّع دائرة تأييده من خلال كسب جهات من التحالف الوطني، لكنّ التحالف ممزّق ولا يعول عليه. ومع ذلك هناك انقسام داخل تلك المكونات، فقسم منها يؤيد المالكي والآخر يؤيد العبادي". وأشار إلى أنّ "الورقة التي يعتبرها المالكي ورقته الرابحة هي تأييد الحشد الشعبي له، إذ إنّ الحشد سيدخل الانتخابات بقائمة منفصلة، ومن ثم ستنضم إلى المالكي".
وأشار إلى أنّ "العبادي اليوم يعوّل على الدعم الأميركي أكثر من تعويله على أي شيء آخر، وهو يتجه نحو هذا المحور بعد أن حصل على وعود من الرئيس دونالد ترامب. الأمر الذي يثير مخاوف المالكي بشكل كبير، ومع هذا الدعم فإنّ العبادي الذي لا يتحدّث في الإعلام عن الانتخابات يتربّص بخطوات المالكي، وينشر القادة الموالين له بين العشائر لكسب دعمهم، وانتزاع تأييدهم للمالكي، مستغلاً نفوذه في الدولة".
وأضاف أنه "كما أنّ العبادي بدأ بالحوار مع قادة الحشد الشعبي لكسبهم الى جانبه والتخلّي عن مشروع المالكي، وقد منحهم وعوداً كثيرة ومنها أنّه أطلق أيديهم في المحور الغربي للموصل. وقد هاجموا أخيراً بلدة القيروان وصولاً إلى الحدود السورية، وهذا الهجوم جاء ضمن الاتفاق بين العبادي وقادة الحشد". ولفت إلى أنّ "الحوارات مستمرّة بينهما، لكنّ العبادي يدرك أنّ مشكلة الحشد تكمن بولائهم لإيران وابتعادهم عن محور واشنطن، الأمر الذي يعزز موقف المالكي معهم، لكنّه (العبادي) لم يقطع الأمل بكسبهم".
ونوّه النائب إلى أنّ "حلبة السباق بين الطرفين تؤشّر حتى الآن إلى قوة موقف العبادي مقابل ضعف الآخر، خصوصاً أن عددا من أتباع المالكي بدأوا بالتخلّي عنه والانضمام إلى معسكر العبادي، ومنهم النائب عباس البياتي والنائب عدنان الأسدي وآخرون، والذين حصلوا على وعود كبيرة من العبادي".
وفي ظل هذه المعطيات، الدالّة على تفكك التحالف الوطني الحاكم في البلاد، وعلى أنّ الكتل المنضوية ضمنه ستشكّل تحالفات جديدة خارج إطار التحالف، تراقب الكتل السياسية بحذر نتائج حرب العبادي ـ المالكي، في وقت تضم فيه أغلب الكتل الخارجة عن التحالف صوتها إلى العبادي.
من جهته، قال رئيس كتلة الحزب الديمقراطي البرلمانية، النائب عن التحالف الكردستاني عرفات كرم، لـ"العربي الجديد"، إن "العبادي يتمتع بمرونة كبيرة في التعامل مع المواقف والأزمات الداخلية والخارجية، وليس مع الملف الكردي حصرا"، مؤكداً أنّنا "اليوم بحاجة في هذه المرحلة إلى هذه الدبلوماسية الهينة، لأنّ هذه الدبلوماسية تكسب العراق دعم الدول ومساعدته في حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي يخوضها نيابة عن العالم. الأمر الذي يتطلّب الاستمرار بهذه السياسة".
وأضاف أنّ "هذه الدبلوماسية هي طرف نقيض من السياسات المتشنجة المتطرفة السابقة (في إشارة إلى سياسات المالكي)، التي لم تجلب للعراق غير الدمار وانهيار الاقتصاد والأمن، وتشنج العلاقات مع الكثير من الدول التي نحن بأمس الحاجة إليها وإلى تعاونها ومساعدتها ودعمها".
وأشار إلى أنه "اليوم نحتاج إلى توافق سياسي، وأنّ العبادي إذا ما تم ترشيحه من قبل التحالف فإنّه سيدخل الانتخابات المقبلة وهذا أمر مطروح، أو قد يدخل في قائمة منفصلة، ففي حال رأينا أنّ توجهه نحو المدنية ونحو التوافق الدبلوماسي ونحو إعادة اللحمة الوطنية فبالتأكيد نحن نؤيد هذا التوجه". واستدرك قائلاً "أما إذا رأينا التوجه العام في البلاد نحو الأغلبية السياسية التي دعا لها رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، فنحن قطعاً لن نشارك في الانتخابات المقبلة". وهذا التهديد بمقاطعة الانتخابات في حال فوز المالكي، هو الأول من نوعه الصادر عن كتلة سياسية لها ثقلها في الساحة العراقية، الأمر الذي يؤكد رفض غالبية الكتل لعودة المالكي.
واعتبر الخبير السياسي، جبّار اللهيبي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "عودة المالكي للحكم مستبعدة، لكن لا شيء قطعي في السياسة"، مبيناً أنّ "كل المعطيات تؤشر إلى أنّ العبادي هو الأقرب للفوز على المالكي". وأكد أنّه "في حال حصل العكس، وعاد المالكي إلى الحكم فإنّ ذلك يؤشر إلى تفكك المجتمع العراقي بشكل خطير، وأنّ حالات الانتقام والثأر ستعود من جديد إلى البلاد". وأشار إلى أنّ "المالكي يعمل اليوم بكل الطرق لهذه العودة ويسلك الطرق المشروعة وغيرها، إذ إنّ مستقبله السياسي مرهون بهذه الانتخابات".