تتصدر تساؤلات عدة وسائل الإعلام الفرنسيّة ومراكز الأبحاث الباريسيّة، هذه الأيام، حول حقيقة بدء حرب بين الأجهزة والمسؤولين داخل الدولة الفرنسيّة، بشأن مقاربة ومعالجة ملفّ الحرب ضد الإرهاب، خصوصاً بعد أن أفادت تسريبات بحالة توتّر ونقص في التنسيق بين المؤسّسات المعنيّة.
وتشهد الساحة السياسية الفرنسية سجالات حول السيناريوهات التي تشهدها علاقة فرنسا بسورية، تحديداً في هذه المرحلة على ضوء ما تردّد عن طلب باريس مساعدة استخباريّة من دمشق حول موضوع الجهاديين الفرنسيين. يضاف إلى ذلك، نفي معلومات صحافية أميركية أفادت بالتحاق ضابط فرنسي سابق، في جهاز الاستخبارات، بالجهاديين في سورية.
تكثر الأسئلة التي تبحث عن أجوبة في الأروقة الدبلوماسية الفرنسية، خصوصاً إذا اقترنت بدور استخباراتي في مرحلة حرجة في ما يخص الحرب على الإرهاب والارتدادات على الداخل الفرنسي. وباعتبار أنّ الأمن القومي فوق البرتوكولات الدبلوماسية، يبدو أن لدى الأجهزة الأمنية كلمة السرّ، بعيداً عن وزارة الخارجية.
اختار المسؤولون الفرنسيون، وفي طليعتهم الرئيس فرانسوا هولاند، منذ بداية الضربات الجوية في العراق وقيام التحالف الدولي، التأكيد في أكثر من مناسبة، أنّ خيار فرنسا في هذه الحرب "يهدف الى مساعدة السلطات العراقيّة، وأنّه لا مجال لتدخّل باريس في سورية، بأيّ شكل من الأشكال".
وأكد هولاند، أمام سفراء فرنسا في الخارج، خلال شهر أغسطس/آب الماضي، أنّ "الرئيس السوري بشار الأسد، لا يمكن أن يكون شريكاً في مكافحة الارهاب". ووقفت باريس في الصف الأمامي، مصرّة على هذه المقاطعة، في وقت يكرّر فيه وزير الخارجية لوران فابيوس، رفضه "فرضيّة أي حوار مع النظام السوري برئاسة الأسد".
في المقابل، تعكس صورة بعض الأجهزة، وفق مصدر مطلع، "اختلافاً تاماً، في هذه المرحلة، إذ إنّهت وأمام التهديدات القائمة وتعقيدات الملفات ونقص التفاصيل حول الجهاديين الفرنسيين، تطالب بتعاون ومساعدة دمشق لإعطائها معلومات استخباريّة حول هؤلاء المقاتلين".
وتفيد وسائل الاعلام الفرنسية بأنّ "بعض الأجهزة التابعة للأمن الداخلي حاولت ربط علاقة بدمشق، للحصول على معلومات حول الجهاديين الفرنسيين لتجنّب وتفادي وقوع أعمال إرهابية يقومون بها، لدى عودتهم إلى فرنسا".
وجاء جواب النظام السوري ليؤكد، وفق مصادر مطلعة، "استعداد دمشق للتعاون، شرط أن تعيد باريس فتح سفارتها التي كانت قد أغلقتها في دمشق عام ٢٠١٢".
من جهته، رفض هولاند العرض السوري، جملة وتفصيلاً، ما يدفع كوادر في الأجهزة الأمنية إلى وصف الموقف الفرنسي بالصعب، في ظلّ محاولاتها بدء حوار مع دمشق.
وأثار نبأ التحاق مخبر فرنسي سابق بصفوف الجهاديين ضجة في الأوساط الفرنسية، وسارعت وزارة الدفاع الفرنسية إلى نفي الخبر، في حين قالت بعض الصحف إن "الجاسوس الفرنسي السابق، هو من أصل عربي، وتقيم عائلته في فرنسا".
ويتضح من المعلومات التي تسربت حتى الآن، أن هناك ثلاث فرضيات جادة، بشأن مهام الجاسوس المفترض وصلاحياته وأنشطته الفعلية أو المفترضة في إطار تنظيم "القاعدة" أو التنظيمات الأخرى التابعة له أو المنشقة عنه. ومن هذه الفرضيات، أنّ الضابط السابق في الاستخبارات الفرنسية قد قرر من تلقاء نفسه، الانضمام إلى الحركات الجهاديّة الإسلاميّة، وهو ما أكده موظفان أوروبيان متخصصان في التجسّس.
أما الفرضية الثانية، فهي أن يكون الضابط السابق قد أرسل خصيصاً من قبل الاستخبارات الفرنسية إلى أفغانستان ومن ثم إلى سورية. ولا يُستبعد في هذا السياق أن تكون أطراف، لا مصلحة لديها في متابعة فرنسا عن كثب لأنشطة الحركات الجهادية حتى تتصدى لها بشكل أفضل، هي من سرّبت المعلومات. أمّا الفرضية الأخيرة، فهي أن يكون الرجل جاسوساً مزدوجاً، بعلم الطرفين أو من دونه.
أمام هذه الوقائع وما يُنقل عن بعض المسؤولين في الأجهزة من تباين في وجهات النظر بشأن الحرب على الإرهاب، وضرورة بذل كل الجهود الممكنة من أجل حماية الأراضي الفرنسيّة، تتّسع الهوّة في التنفيذ ومعالجة الملفات في هذا السياق.
من جهتها، تتبنى وزارة الداخلية الفرنسية موقف هولاند كلياً، من خلال تأكيدها أنه "لا اتصالات لديها مع الأجهزة السورية"، في وقت تعتبر فيه وزارة الخارجيّة، أنّه في الوقت الراهن "لم تقطع فرنسا علاقاتها مع سورية، لكنّ هذا لا يعني وجود أي مشروع لفتح سفارتها المغلقة في دمشق حالياً".
وتشير مصادر دبلوماسية في "الخارجية" إلى أنّ باريس تدعم المعارضة المعتدلة في سورية، والتي تحارب على جبهتي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والنظام السوري.
بين هذا وذاك، تبقى الحرب على الارهاب طويلة الأمد، ومخاطرها كبيرة وانعكاساتها أيضاً. ولعلّ التعقيدات الهائلة تتمثّل بكيفية التعاطي مع الجهاديين الفرنسيين، خصوصاً على ضوء المشهد الحالي. ومما لا شكّ فيه أنّ التوتر القائم والخلافات في المقاربة، أكانت تتعلّق بالداخل أم بالخارج، بين أركان الدولة، هي مسائل لا تسهّل الأمور ولا تخفّف من وطأة الهواجس والمخاوف الأمنية للفرنسيين والعرب في فرنسا.