وسط تقدّم فصائل المعارضة السورية منذ أربعة أيامٍ، في معركة "الغضب لحلب" التي تهدف لفك الحصار عن الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها داخل المدينة، تواجه فصائل "جيش الفتح" وغرفة عمليات "فتح حلب"، تحديات ميدانية عدة، تتمحور أبرزها في أن المنطقة المُراد خرقها شديدة التحصين عسكرياً من قبل قوات النظام.
ومنذ الساعات الأولى للمعركة عصر الأحد الماضي، اتضحت إلى حد كبير معالم العملية العسكرية الواسعة التي بدأتها فصائل المعارضة، وتركزت مجرياتها جنوبي المدينة.
وفتحت المعارضة جبهات قتالٍ يقارب طولها العشرين كيلو متراً، وسيطرت على تلالٍ ومواقع عسكرية كانت خاضعة لقوات النظام والمليشيات المساندة له، وصولاً لسيطرتها على أجزاء من منطقة الراموسة. وباتت اليوم على بعد مئات الأمتار من تحقيق هدف ربط مناطق نفوذها بريف حلب الجنوبي والجنوبي الغربي، مع الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها داخل المدينة.
وقال المتحدث العسكري باسم "حركة أحرار الشام الإسلامية" أبو يوسف المهاجر: "منذ بدء النظام بتضييق الخناق على طريق الكاستيلو، أعدّ جيش الفتح خططاً من أجل فتح طريق إمدادٍ بديل، وبدأنا بالعمل انطلاقاً من الريف الجنوبي".
وأضاف: "كانت المرحلة الأولى من جبهة تمتد لنحو عشرين كيلو متراً، بداية من سواتر السابقية، مروراً بالجمعيات وقرية العامرية وتلال الفردوس والمحبة ومؤتة، ووصولاً لمدرسة الحكمة وسيطرنا عليه في ساعات قليلة".
وبين أن العمل "انتقل للمرحلة الثانية بتحرير مشروع الـ1070 شقة، ومن ثم منطقة المحروقات في اليوم التالي، واليوم المسافة بيننا وبين المناطق المحررة بالداخل نحو واحد ونصف كيلو متر".
ورغم أن غرفة عمليات "فتح حلب" أعلنت في بيان رسمي أمس "بدء المرحلة الثالثة من داخل مدينة حلب"، وتزامن ذلك مع شن فصائل المعارضة السورية هجماتٍ متزامنة أفضت للسيطرة على مساحات من منطقة الراموسة، لكن تقدم فصائل المعارضة السريع يصطدم خلال الأيام القليلة الماضية بمنطقةٍ تحوي ثكناتٍ عسكرية ضخمة لقوات النظام.
وبحسب ما أكد المحلل العسكري، أحمد رحال لـ"العربي الجديد"، فإن "أبرز الصعوبات التي تواجهها الفصائل الثورية المقاتلة في معاركها الدائرة الآن، هي مدرسة المدفعية، والتي لا تحتوي قوة نارية كبيرة وحسب، بل فيها مستودعات أسلحة وذخائر ضخمة جداً".
وعدّد رحال باقي العقبات الموجودة في ذات المنطقة التي تسعى المعارضة لخرقها، كي تصل بين مواقع نفوذها في المدينة وريفها، موضحاً أن "المنطقة تضم كذلك أكاديمية الأسد للعلوم العسكرية، وهي ثكنة ضخمة فيها تعزيزات من قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معه".
وتابع أن "دوار الراموسة يُعد كذلك من أشدّ المواقع تحصيناً في تلك المنطقة، وهو عبارة عن قلعة تتواجد بها مدفعية ثقيلة وراجمات صواريخ يصل مداها لأكثر من 25 كيلو متراً، وتقصف حلب من جنوبها لشمالها".
وشدد رحال على أن "جميع دوائر الدولة في تلك المنطقة حولها النظام منذ سنوات لثكنات ضخمة ومنها محطة تحلية المياه وغيرها"، مشيراً إلى أن "غارات المقاتلات الحربية هي عامل آخر يؤثر كثيراً على سير المعارك".
كما رأى أن "المراحل التي تم إنجازها حتى الآن في معركة حلب هي خرقٌ بمنتصف تحصينات النظام وقواته"، لافتاً إلى أن "الفصائل المهاجمة، ووفق خريطة المنطقة عسكرياً، اتخذت طابع عملية تقطيع أوصال العدو وفق سياسة القضم البطيء".
وأشار إلى أن "عملية فك الحصار بالمحصلة معقدة وليست بسيطة؛ إذ إنه عملياً، ومع وصول الفصائل الثورية لتحقيق هدف فك الحصار، تكون في نفس الوقت قد فصلت الإمدادات من طريق الجنوب بالنسبة للنظام، وكذلك تكون قد حرمت النظام من المناورة بقواته بين الراموسة والمدفعية والحمدانية".
من جهته، قال عضو الأمانة المركزية في "المجلس الوطني السوري" عبد الرحمن الحاج لـ"العربي الجديد"، إن "تقدم فصائل المعارضة أمس في الراموسة من محورين: أحدهما من داخل الأحياء المحاصرة نفسها (بعد تفجير نفق العامرية) والثاني من الطرف المقابل للأحياء المحاصرة، مكنهم من السيطرة على مساحات مهمة هناك، وتهديد طريق إمدادت النظام في الراموسة".
وأوضح أن "المناطق الخاضعة لسيطرة النظام داخل حلب باتت شبه محاصرة لأن طريق إمدادات الراموسة بات مهدداً نارياً الآن".
وأكد الحاج أن "مجريات المعارك أثبتت وجود خطط مدروسة من قبل مختلف الفصائل"، مشيراً إلى أن "العامل الأبرز الذي تجلى في هذه المعارك هو وجود غرفة عمليات موحدة لمختلف القوى العسكرية، ووجود قرار موحد"، ويدلل على ذلك بالإشارة إلى "التنسيق الدقيق بالهجمات المتزامنة التي شاهدناها" خلال الأيام القليلة الماضية.
وحاولت فصائل "جيش الفتح" وغرفة عمليات "فتح حلب"، وفق التطورات الميدانية أمس، الالتفاف من جنوبي مدرسة المدفعية ومهاجمة مواقع النظام في الراموسة، للوصول إلى مناطق سيطرتها في حي الشيخ سعيد داخل مدينة حلب.
وحول ذلك، بين الحاج أن "المعارضة حالياً تمكنت من تضييق المسافة التي تصل بين مناطق سيطرتها داخل حلب وخارجها وهي الآن مسافة مئات الأمتار فقط".
وأضاف: "فتح طريق إمدادٍ آمنٍ لفك الحصار عن حلب يحتاج لبسط المعارضة نفوذها على ضفتي هذا الطريق"، وهو ما يصطدم حتى الآن بثكنات النظام العسكرية هناك، مثل مدرسة المدفعية والنقاط المحصنة القريبة منها.